هل يعرض الأقباط عن الصحافة المصرية.. أم أن الصحافة هى التى تعرض عنهم؟! قد يكون الأمر لا هذا ولا ذاك.. لكن الأكيد أنه من النادر أن يشغل مصرى قبطى موقع رئيس تحرير فى الصحافة المصرية.. سواء.. قومية أو خاصة أو حزبية.. ورغم أن جداول نقابة الصحفيين المصريين تضم 250 صحفيا قبطيا إلا أن 80 منهم يعملون فى جريدة وطنى.. لسان حال الكنيسة وذراعها الصحفى... فهل الأقباط منعزلون عن العمل فى الصحف الأخرى.. أم معزولون رغما عنهم؟! لم تنج الصحافة المصرية من دعوات وذرائع مثيرى الفتن الطائفية فكما تساءل البعض عن أسباب خلو مقاعد رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من الأساتذة المصريين مسيحيى الديانة ألمح البعض إلى خلو مقاعد رؤساء تحرير الصحف السياسية العامة والقومية خاصة من الصحفيين المصريين مسيحيى الديانة.. الأمر الذى يطرح سؤال: هل هناك تمييز ضد الزملاء المسيحيين فى الصحافة.. أم أن المعيار للكفاءة؟ ولماذا نغرس تلك الألغام الهادفة لإثارة الفتن؟ وهل المطلوب أن تحكم الكوتة المناصب القيادية؟ . الصحافة التى تضم اليوم قرابة ال250 زميلا مصرى الجنسية مسيحى الديانة شهدت الكثير من الكفاءات المسيحية ففى العهد الملكى أسس سليم وبشارة تكلا وهما من رموز الصحافة الشوام المسيحيين جريدة الأهرام فى 27 ديسمبر 1875 ليصدر العدد الأول 5 أغسطس 1886 بالإسكندرية حيث أنشأ الخديو إسماعيل مطبعة فى شارع البورصة فى إطار مشروع النهضة الذى تبناه فكان سببا فى هجرة سليم تكلا إلى مصر وعمره 26 عاما ليتولى جبريل نجل سليم إدارة الأهرم التى اتخذت بعد ذلك من القاهرة مقرا لها ليتولى رئاسة الأهرام بعد ذلك وقبل قرار تأميم الصحافة عدد من القيادات الصحفية المسلمين مثل الأستاذين أحمد الصاوي وأحمد زكى. جرجى زيدان لبناني المولد امتهن الصحافة فور هجرته لمصر فأصدر مجلة الهلال عام 1893 ولم يفرق فى اختياراته للمواهب الصحفية بين المسلم والمسيحى.. كما أسس فرح أنطون عددا من المجلات منها "الجامعة العثمانية 1899" وعمل محررا فى الأهالى والبلاغ ولم تقتصر رئاسة تحرير الصحف على المسيحيين الشوام الوافدين إلى مصر.. ففى عهد الثورة تولى فيليب جلاب وهو كاتب صحفى لامع يسارى ناصرى رئاسة تحرير جريدة الأهالى عام 1989 واستمر فى رئاسة التحرير حتى وفاته كما شغل منصب السكرتير العام لنقابة الصحفيين.. وفى 1950 بدأ موسى صبرى مشواره الصحفى محررا فى أخبار اليوم ليتدرج حتى ترأس تحرير الأخبار عام 1974 فى عهد الرئيس السادات ثم رئيسا لمجلس الإدارة فى 1975 فظل محتفظا بموقعه فى عهد الرئيس مبارك حتى خرج على المعاش 1984 ليبدأ فى كتابة مذكراته التى دونها فى كتابه 50 عاما فى قطار الصحافة حتى توفى فى 8 يناير 1992 وخلال تلك السنوات لم يختلف اثنان على موهبته الصحفية وإن اختلف معه الكثير فى توجهاته السياسية فلم تكن لديانته علاقة بترقيه المهنى. الراحل الكبير سعيد سنبل بدأ العمل الصحفى وهو طالب بالجامعة بنشر قصة قصيرة فى صحيفة الكتلة لينتقل لصحيفة الزمان التى كان يصدرها إدجار جلاد لينتقل بين المصرى وأخبار اليوم حتى عمل بناء على رغبة جلال الدين الحمامصى رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط 1956 ليعود لأخبار اليوم تلبية لطلب على أمين ,1957 فالعروض كانت تلاحقه لموهبته وليس لديانته. وفى عام 1961 عين نائبا لرئيس تحرير أخبار اليوم حتى جمع بين منصب رئيس التحرير ومجلس الإدارة ليواصل عطاءه الصحفى حتى رحيله 3 ديسمبر 2004 . وفى روزاليوسف تولى الكاتب اللامع لويس جريس رئاسة تحرير صباح الخير وعضوا منتدباً بمجلس الإدارة والآن يشغل عضوية المجلس الأعلى للثقافة والأعلى للصحافة، كما شغل الأساتذة مفيد فوزى ورءوف توفيق ورشاد كامل رئاسة تحرير المجلة. ويرى جريس أن الصحافة من المهن التى لايستمر فيها سوى الكفاءات دون النظر لعقائدهم ودياناتهم فإن كان من الممكن أن يلجأ البعض للبحث عن وساطة للالتحاق بالعمل فى مؤسسة صحفية فإنه من المستحيل أن يستمر أو يرتقي دون موهبة حقيقية وكفاءة. ويضيف رئيس تحرير صباح الخير الأسبق أن هناك العديد من المهن التى لايصلح فيها سوى الكفاءة كالطب والصيدلة والهندسة، لافتا إلى أن الدول العربية الإسلامية لاتفرق هى الأخرى بين ديانة صاحب المهنة مادام كفؤا! وأضاف جريس: عقب نكسة ال1967 ترك صلاح جاهين مجلة صباح الخير وكان الأستاذ كامل زهيرى رئيس مجلس الإدارة، وكان ينافسني على رئاسة التحرير الزميل والصديق محمود السعدنى - شفاه الله - فطلبنى زهيرى وقال: ستقوم بأعمال رئيس التحرير لمدة ثلاثة أشهر، وإذا نجحت فى رفع مبيعات المجلة 10 آلاف سأصدر لك قرارا من الرئيس لتولى رئاسة التحرير رسميا وتمكنت من تحقيق زيادة فى المبيعات 15 ألف نسخة، ولما كان السعدنى هو أيضا فقد صدر قرار بأن نتولى رئاسة التحرير سويا دون النظر لأى معيار آخر غير الكفاءة، مضيفا: لا يوجد ما يلزم القيادة السياسية باختيار قبطى لرئاسة تحرير أو موقع قيادى سوى الكفاءة، فقد كان جورج بهجورى يعمل إلى جوار عبدالسميع ولا فرق إلا للموهبة والكفاءة. الأستاذ رشاد كامل رئيس تحرير صباح الخير السابق وصف استنكار البعض لغياب رؤساء التحرير الأقباط عن الصحف العامة "بالكلام الفارغ" مضيفا.. أساس الاختيار ليس الدين، بل الكفاءة والتاريخ المهنى للصحفى وحجم إنتاجه.. فارتقاء المواقع ليس وراثة وأساس المواطنة هى الكفاءة والمساواة فى الحقوق والواجبات، وليس الدين. وأضاف كامل: تعاقب عدد من الزملاء على رئاسة تحرير صباح الخير صدفة تاريخية لاتستمر إلى الأبد، ونابعة من كفاءتهم واستحقاقهم للموقع وليس لديانتهم، رافضا القول بلجوء الشباب الأقباط إلى الصحف الدينية المسيحية كون الساحة الصحفية مفتوحة لجميع الكفاءات، فمن لايجد فرصة فى صحيفة قومية فهناك الصحف الحزبية والخاصة مادام يملك الموهبة والكفاءة، لافتا إلى أن التقسيم الطائفى للمهنة والمواقع القيادية هو الخطر الحقيقى الذى يهدد مستقبل الوطن، مذكرا بأن دار الهلال التى أسسها مسيحى جاء من الشام تولى رئاسة تحريرها قبل التأميم أحمد زكى خليل، وغيره من المسلمين مشدددا على أن صاحب رأس المال الذى يستثمر فى مجال الميديا والصحافة يبحث عن الكفاءة لقيادة مؤسسته الإعلامية لأن ما يهمه فى الأساس هو من يحقق له الأرباح دون النظر إلى ديانته، فالمواطنة هى الأساس. محمود صلاح رئيس تحرير أخبار الحوادث رأى أن مصر لم تشهد من قبل المطالبة بتولى المواقع على أساس الدين، مضيفا: فى كل مكان المواقع القيادية يعتليها الكفاءات مستطردا ما كان الرئيس أوباما ليصل للبيت الأبيض لو كانت أمريكا نظرت إلى لونه أو أصوله الإسلامية، واصفا إثارة البعض لمثل هذه القضايا بالقنابل التى تستهدف تفجير الوطن. وأضاف صلاح: عملت مع الأساتذة "موسى صبرى" وتتلمذت على يد الأستاذ "سعيد سنبل" اللذين قادا جيوشاً من الصحفيين المسلمين ولم نلمس يوما ما يشير إلى ديانتهما المسيحية ومفيد فوزى تولي رئاسة تحرير صباح الخير لكفاءته وليس لديانته، وكان الزميل سمير توفيق وهو مسيحى أول رئيس تحرير لأخبار الحوادث لكفاءته وليس لأى معيار آخر - شفاه الله وعافاه- متسائلا: من يطرحون مثل هذه الأسئلة المثيرة للفتنة.. لماذا لا يطرحون سؤال: لماذا لا يكون وزير المالية مسلما؟ وستكون الإجابة لأن يوسف بطرس غالى عقلية اقتصادية بارزة فاختياره نبع من عقليته الاقتصادية وليس لأنه قيادة دينية. معتبرا أن من يطالب بمعيار غير الكفاءة يستهدف الابتزاز وإثارة الفتنة. "نبيل زكى" - رئيس تحرير الأهالى الأسبق - حالة خاصة، حيث ولد مسيحيا ثم انتقل للإسلام فى شبابه قال إن الكفاءة فى الصحافة هى الأساس من خلال معايشته، فلم يشعر يوما بتمييز فى حقه عندما كان مسيحيا ولا محاباة عندما انتقل للإسلام لافتا إلى أنه انتقل للإسلام لأنه أحب مسلمة فتزوجها ، مضيفا: ولم يطرأ على حياتى تغيير جوهرى لأن مبادئ الشرائع السماوية واحدة، رافضا بشدة من يطالب بأن يعتلى المواقع القيادية فى الجامعات والصحافة مسيحيون لمجرد التمثيل المسيحى فى المواقع كون الكفاءة هى التى ينبغى أن تسود. لكن لماذا يجنح الشباب الصحفيون الأقباط إلى العمل فى الصحف ذات الطابع الدينى المسيحى مثل "وطنى" سؤال طرحناه على الزميلة حنان فكرى الصحفية بجريدة وطنى؟ فقالت : مجرد وجود فرصة عمل.. فقد حاولت العمل فى الأهرام أو الجمهورية، لكن لم أجد فرصة، ولم يكن العائق له علاقة بالدين على الإطلاق.. وعندما صدرت الشروق حاولت الالتحاق بها، لكن لم نتفق رغم أن زملاء آخرين مسيحيين يعملون بها وآخرين يعملون فى صحف قومية وحزبية وخاصة ولا علاقة لديانتهم بعملهم. روبير الفارس زميل مسيحى الديانة عمل بصحف عدة بالقاهرة صادرة عن وزارة الثقافة ووطنى وروزاليوسف وقدأكد على أن الصحافة مهنة الموهبة لافتا إلى أن تركه لصحيفة القاهرة لم يكن بسبب تمييز، بل يعود إلى أن فرصة الالتحاق بجداول نقابة الصحفييين كانت الأفضل فى جريدة وطنى مشيدا باحتضان الأستاذ صلاح عيسى رئيس تحرير القاهرة له مضيفا: لم أذهب لجريدة فى يوم من الأيام وتمثل ديانتى عائقا سواء عملت بتلك الصحفية أم لم يحالفنى الحظ. الزميلة هبة عادل مسيحية الديانة وتعمل بقسم الإخراج الصحفى بمجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام لا تعتقد بوجود تمييز فى الوسط الصحفى قائم على أساس الديانة، فالكفاءة هى الأساس ومعاناة ومشكلات الصحافة يقتسمها زملاء المهنة مسلمين ومسيحيين معتبرة أن الحديث عن قضايا الفتنة الطائفية يشهد تضخيما إعلاميا لا مبرر له سوى الإثارة، مضيفة: معظم أصدقائى فى الوسط من المسلمين. نادر ناشد - نائب رئيس تحرير الوفد - اتفق مع آراء سابقيه على أن مهنة الصحافة تحتكم لمعيار الكفاءة والمهارة المهنية نافيا أى تمييز مرجعا غياب رؤساء التحرير الأقباط مؤخرا إلى غياب المنافسة الحقيقية، مضيفا: من يفرض نفسه بكفاءته يلقى التقدير اللائق رافضا أن تتخذ هذه القضايا ذرائع لإثارة الفتن، مشيرا إلى علاقاته الوطيدة بزملائه المسلمين، مشددا على أن ارتقاءه المهنى نابع من العمل نافيا وجود أى تمييز على أساس الدين من واقع تجربته الخاصة.