مكتب الأسكندرية ... ربما لا يعرف الكثيرون أن الشقيقين المستشارين محمود وأحمد مكى، قبل أن يكونا قطبين بارزين فى حكومة الرئيس الدكتور محمد مرسى، باعتبارهما نائب رئيس الجمهورية، ووزير العدل، هما من أبرز أعضاء تيار استقلال القضاء الذى قام فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى للمطالبة بفصل السلطة التنفيذية ممثلة فى وزارة العدل عن السلطة القضائية ونقل تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى فالمستشار محمود مكى وهو الشقيق الأصغر للمستشار أحمد مكى ينتميان إلى عائلة قضائية عريقة تقطن بالإسكندرية وتعود جذورها إلى مركز منيا القمح بالشرقية، ويعمل معظم أبنائها بالسلك القضائى حتى إن المنزل الذى يقطنه الشقيقان بمنطقة سموحة بالإسكندرية ويملكه الشقيق الأكبر كتب على الجراج الخاص به (جراج خاص لرجال القضاء والنيابة العامة). وقد تخرج المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية فى كلية الشرطة وعمل ضابطاً بقطاع الأمن المركزى، قبل أن يستقيل من العمل الشرطى ويلتحق بسلك النيابة العامة، حيث تدرج فى المناصب ليصل لدرجة نائب رئيس محكمة النقض. انخرط المستشار محمود مكى منذ منتصف الثمانينيات مع عدد كبير من شيوخ قضاة مصر فى تيار الاستقلال القضائى الذى كان ناشئاً آنذاك بقيادة المستشار يحيى الرفاعى، رئيس نادى القضاة وقتها، حيث أقام النادى فى عهده مؤتمر العدالة الأول عام 1986 الذى وقف فيه الإخوان أحمد ومحمود مكى إلى جانب المستشار حسام الغريانى وآخرين يطالبون بفصل السلطة التنفيذية عن المحاكم نهائياً، ونقل تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى. وفى عام 1992 قاد نائب الرئيس أول حراك قضائى معارض مع المستشار هشام البسطويسى، حيث دخلا مع زملائهما من تيار الاستقلال فى إضراب عن العمل احتجاجاً على وقف قاضيين تعسفياً عن عملهما، واستمر الإضراب 25 يوماً، قبل أن يرضخ مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل آنذاك فاروق سيف النصر لإعادة القاضيين للعمل والتحقيق معهما بشفافية. وفى 2005 كان المستشار محمود مكى رئيساً لغرفة عمليات الانتخابات البرلمانية فى نادى القضاة، حيث لاحظ ورصد العديد من حالات التجاوز بحق القضاة وتزوير إرادة الناخبين والتلاعب بالأوراق بعد توقيعها من القضاة، وكانت الطامة الكبرى عندما رصد تعاون بعض القضاة مع أمن الدولة على تزوير الانتخابات فى بعض الدوائر، فما كان منه إلا أن تعاون مع البسطويسى على إعداد قائمة أسمياها «القائمة السوداء» بأسماء القضاة المتورطين فى هذه الوقائع، وقاد مع شقيقه المستشار أحمد مكى، وزير العدل الحالى، والمستشار هشام البسطويسى المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، والمستشار ناجى دربالة، مظاهرات القضاة بالأوشحة الخضراء فى شارع عبدالخالق ثروت احتجاجاً على تزوير إرادة الناخبين فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005. وقد كشف وزير العدل الراحل المستشار محمود أبو الليل، فى حوار له بإحدى الصحف فى مارس 2011 عن أنه تلقى تعليمات من الرئيس مبارك شخصياً بإحالة كل من محمود مكى وهشام البسطويسى إلى مجلس الصلاحية، ومحاكمتهما تأديبياً، وتم هذا بالفعل، لكنهما حصلا على البراءة. وكانت جلسة محاكمة مكى والبسطويسى فى دار القضاء العالى مشهودة، حيث ترافع عنهما عدد كبير من المحامين المشهورين أبرزهم الدكتور محمد سليم العوا، وشهدت الدار مظاهرات حاشدة لأنصار جماعة الإخوان المسلمين تأييداً لهما، وبعد البراءة سافر مكى والبسطويسى فى إعارة طويلة الأجل إلى دولة الكويت - يبدو أنها كانت اختيارية - للابتعاد عن المشهد السياسى فى آخر سنوات مبارك. وأثناء انتفاضة القضاة عام 2006 وأمام الجماهير الثائرة والمحتشدة فى واحدة من ذروات الحراك السياسى فى مصر خلال ذلك الوقت، فوجئ الجميع بالمستشار محمود مكى وهو يندفع نحو اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة آنذاك، ويذكره بانفعال بابنه المتوفى «عمر» طالباً منه قراءة الفاتحة له وأن يتوقف عن سحل وضرب الشباب المتضامنين مع القضاة، لتكون جملته الأخيرة قبل أن يتركه هى «تذكر يا إسماعيل بيه إنهم فى عمر ابنك الله يرحمه». وقتها لم يكن المتضامنون مع القضاة والذين يسحلون بواسطة الشرطة فقط من الشباب، حيث كان هناك الكثير من الكهول الذين قرروا تدعيم تلك الانتفاضة ضد دولة «مبارك»، ومن ضمنهم كان الدكتور محمد مرسى، عضو مجلس الشعب السابق عن جماعة الإخوان المسملين ورئيس الجمهورية الحالى، يقف ضمن الحشود الداعمة، قبل أن يعتقل صباح 18 مايو 2006، ويقضى سبعة أشهر فى السجن بسبب رفضه إحالة المستشارين هشام البسطويسى ومحمود مكى إلى لجنة صلاحية بعد كشفهما للتزوير فى الانتخابات البرلمانية. وتوجد بالمنزل الذى يقطنه الشقيقان فى سموحة بالإسكندرية مكتبة قانونية كاملة، وتتكون أسرة المستشار محمود مكى، نائب رئيس الجمهورية، من الزوجة وثلاثة أبناء، أحمد ومصطفى وهبه، الأول والثانى تخرجا فى كلية الحقوق، والثالثة لا تزال طالبة فى نفس الكلية، وكل أبناء عائلة مكى من خريجى كلية الحقوق، ومنهم عمر أحمد مكى، ابن وزير العدل، وابن شقيق نائب الرئيس وهو يعمل مدير نيابة شرق الإسكندرية الكلية، ومعار كمستشار قانونى إقليمى للجنة الدولية للصليب الأحمر فى دول مجلس التعاون الخليجى. ورغم تقاليد مهنة القضاة فالمستشار أحمد مكى لم يمانع فى أن تكون السيدة كريمة عبدالجبار زوجته ناشطة سياسية وتتفاعل مع الأحداث السياسية التى تجرى من حولنا فى مصر والخارج، فقد كانت عضواً بالجمعية الوطنية للتغيير وشاركت فى جميع مظاهرات قل وبعد 25 يناير حتى التظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلى والجدار العازل وحصار غزة. وقد عاد المستشار محمود مكى من دولة الكويت المعار إليها عند اختياره كنائب لرئيس الجمهورية وقد سبق أن عرضت عليه جماعة الإخوان المسلمون دعمه كمرشح لرئاسة الجمهورية فى الانتخابات الماضية قبل ترشيح د. محمد مرسى إلا أنه رفض وقتها ليتم تعيينه الآن نائبا لرئيس الجمهورية.