رغم أنه لم يبق سوى عشرة أيام على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يومى 23و 24 من شهر مايو الجارى والتى يغلب الظن على أن تشهد جولة إعادة بالنظر إلى كثرة أعداد المرشحين (13) مرشحاً؛ إلا أنه ووفقاً لما يتداوله المصريون فى مجالسهم.. لا يزال كثيرون حائرين.. مترددين.. لم يحسموا اختيارهم للمرشح الذى سيصوتون لصالحه فى أهم انتخابات رئاسية تجرى منذ قيام النظام الجمهورى قبل نحو ستين عاماً. ولذا فإن نتائج استطلاعات الرأى التى أجرتها ومازالت تجريها بعض الصحف والجهات الإعلامية والسياسية لا تعكس المراكز الحقيقية للمرشحين وفقاً للترتيب الذى تظهره هذه الاستطلاعات، ومن ثم فإن هذه النتائج ليست نهائية، مع ملاحظة أن مثل هذه الاستطلاعات للرأى تفتقد المنهج العلمى الذى يوفّر ضمان دقة نتائجها، وهو الأمر الذى يعنى أن التصويت فى الجولة الأولى قد يسفر عن تغيير فى ترتيب مراكز المرشحين فى السباق يختلف - إلى حد ليس بقليل - عن نتائج الاستطلاعات. غير أنه يبقى فى نفس الوقت أن نتائج هذه الاستطلاعات غير العلمية وغير الدقيقة من شأنها التأثير بدرجة كبيرة على توجهات كتلة كبيرة من الناخبين لدفعهم.. كلهم أو بعضهم لتغيير مواقفهم بعيداً عن مرشحهم المفضّل ولصالح من تُظهر نتائج الاستطلاعات أنه الأوفر حظاً! ذلك هو مكمن الخطر الذى يهدّد عدالة الانتخابات بفعل هذه الاستطلاعات التى تشيع انطباعاً لدى كتلة كبيرة من الناخبين بأن تصويتهم لمرشحهم غير مجدٍ على أساس أن فرصته ضئيلة فى الفوز، وهو الأمر الذى يثير كثيراً من الريبة فى تلك الاستطلاعات بقدر ما تثير الشبهات حول أغراض وتوجهات بعض الجهات التى تجريها لصالح من تريد فوزه من بين المرشحين. *** على سبيل المثال ومن واقع استطلاعى الشخصى لآراء وتوجهات عينة عشوائية من الناخبين تمثل كثيراً من فئات الشعب.. على اختلاف مواقعهم الجغرافية ما بين الريف والحضر وعلى تباين ثقافاتهم السياسية ومستواهم الاقتصادى والاجتماعى والتعليمى.. اكتشفت أن نسبة كبيرة تؤيد المرشح الثورى حمدين صبّاحى ليكون الرئيس القادم. لكن.. وآه من لكن هذه.. فإن بعض الناخبين وتحت تأثير ما تشيعه استطلاعات الرأى غير العلمية وغير الدقيقة عن تراجعه إلى المركز الرابع فى ترتيب المرشحين الأوفر حظاً.. بعض هؤلاء الناخبين كانوا مترددين حائرين ما بين التصويت لمرشحهم وبين التحوّل إلى أحد اثنين ممن توحى نتائج الاستطلاعات بأنهما المتنافسان الرئيسيان الأوفر حظاً! *** غير أن المرشح الرئاسى حمدين صبّاحى نجح بجدارة فى ثلاث ساعات فقط بحضوره «الكاريزمى» الطاغى والمتواضع أيضاً وبحديثه السهل الممتنع فى البرنامج التليفزيونى «مصر تنتخب الرئيس» على قناة (سى. بى. سى) الفضائية منتصف الأسبوع الماضى.. نجح بجدارة فى دفع كل المؤيدين المترددين بتأثير الاستطلاعات إلى حسم موقفهم والإصرار على التصويت لصالحه، بل إنه نجح أيضاً وعن استحقاق فى اكتساب كثيرين من غير مؤيديه وعن اقتناع كامل، وهو مكسب تضاعف عدة مرات فى اليوم التالى وبعد الجزء الثانى من البرنامج. لقد نجح حمدين صبّاحى باستعراضه التفصيلى لبرنامجه الانتخابى الذى بدا مؤكداً أنه يتضمن سياسات واضحة المعالم وآليات محددة فاعلة لتنفيذ كل ما تضمنه البرنامج الذى يرتكز فى المقام الأول على عدالة اجتماعية عاجلة وناجزة وكرامة الوطن والمواطنين ونهضة مصرية شاملة واستعادة دور مصر ومكانتها فى محيطها العربى والإقليمى والأفريقى والإسلامى وعلى الصعيد الدولى وعلى أساس من استقلال القرار المصرى الوطنى بعيداً عن أية تبعيّة. لقد بدا واضحاً أن المرشح حمدين صبّاحى يمتلك رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية شديدة العمق وال «بانورامية».. نجح فى ترجمتها إلى سياسات وآليات فى برنامجه الانتخابى.. مستعيناً بمستشاريه من الخبراء فى كافة المجالات، وحيث يُعد المرشح الرئاسى الوحيد الذى أعلن أسماء هؤلاء المستشارين.. مؤكداً بذلك استناده إلى نهج ديمقراطى ومنهج علمى فى الحكم وإدارة شئون الوطن وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، وهو ما تبدّى جلياً فى ردوده وإجاباته الحاسمة القاطعة على أسئلة محاوريه. *** بقوة وشمولية برنامج حمدين صبّاحى الانتخابى وتحديده لخطط وآليات تنفيذه وعلى النحو الذى ينزع عنه شبهة الكلام المرسل لجذب الناخبين، وبانتمائه إلى الطبقة المتوسطة المكافحة الحارسة للموروث الثقافى والحضارى والقيمى للأمة وأداة التغيير فى المجتمع، وحيث كان المرشح الرئاسى الوحيد الذى قدّم على الهواء إقراراً بذمته المالية بكل شفافية. ثم بانحيازه شديد الوضوح للفقراء والمهمشين ومحدودى الدخل وتركيز برنامجه الانتخابى على أولوية حصولهم على حقهم فى الحياة الكريمة والمسكن الآدمى والخدمة الصحية اللائقة والتعليم المتميز.. فإن حمدين صبّاحى أكد صدقية شعار حملته الانتخابية بأنه وبحق «واحد مننا». إضافة إلى قوة برنامجه الانتخابى وحضوره الشخصى «الكاريزمى» الممتزج بتواضع جم جعله الأقرب إلى قلوب وعقول مشاهديه، فقد نجح حمدين صبّاحى بأعصاب هادئة وبديهة حاضرة وبضربات قاضية طوال ست ساعات فى إفحام مقدمة البرنامج بشخصيتها الاستفزازية الطاغية على زميلها المحاور.. والتى غلب على أسئلتها وطريقة إلقائها التربّص ومحاولة اصطناع الفخاخ الانتخابية، وحيث اتسم خطابها الحوارى بانعدام اللياقة فى محاورة ضيف للبرنامج بوزن مرشح رئاسى، فافتقدت المهنيّة والحيادية وبدت كما لو كانت مندوبة مرشح آخر منافس، وهو الأمر الذى فضحته ملامح الحزن التى ظلت تتبدّى على وجهها كلما أفحمها صبّاحى بإجاباته المنطقية وحيث انقلب السحر على الساحر. وعلى العكس تماماً فقد اتسم أداء الإعلامى عماد أديب بالحيدة والموضوعية ليس بأسئلته فقط لضيفى «ستديو التحليل».. د. المعتز بالله عبد الفتاح ود.عمرو حمزاوى عقب حلقتى البرنامج واللذين اتسم أداؤهما التحليلى أيضاً بالموضوعية، ولكن بحرصه على توضيح ما قد يكون قد التبس على المشاهدين. *** لقد نجح حمدين صبّاحى خلال ست ساعات فى قلب موازين السباق الرئاسى لصالحه أو على نحو أدق فى تصحيح هذه الموازين فى مواجهة الخلل الذى كادت أن تكرّسه استطلاعات الرأى غير العلمية وغير الدقيقة. *** أستطيع أن أزعم أن المرشح حمدين صبّاحى قد تضاعفت فرصته لأن يكون ثانى اثنين يخوضان جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية. *** ويبقى الرهان على فوزه فى تلك الجولة ليكون أول رئيس لمصر بعد الثورة، فهو ابن ثورة يوليو وأحد ثوار 25 يناير.