الراحل الكبير الدكتور ثروت عكاشة لم يكن فقط رمزا من رموز الثقافة المصرية، وأعظم وزير ثقافة تولى هذا المنصب على الإطلاق، لكنه كان أيضا صاحب رؤية ثاقبة ومثقفا موسوعيا، وباحثا عظيما فى الفن والتراث والتاريخ..وموسوعته « تاريخ الفن» التى صدرت فى تسعة أجزاء عن مؤسسة دار المعارف، من أهم الموسوعات العالمية فى هذا المجال. ويتجول بنا الراحل المبدع من خلال هذه الموسوعة فى مدارج الفن خلال الحضارات الإنسانية المتعاقبة، بادئا بفن سكان الكهوف فى العصر الحجرى القديم ومختتما بفنون القرن التاسع عشر. وبين هذين الموقعين الحضاريين تتناول الموسوعة الفنون حتى مطلع القرن الحالي: الفن المصري، والفن السومرى والبابلس والأشورى (العراقى)، والفن الفارسى القديم والفن الإغريقى والفن الرومانى والتصوير الإسلامى العربى والدينى والتصوير الإسلامى الفارسى والتركى والتصوير الإسلامى المغولى فى الهند. كما يتناول القيم الجمالية فى العمارة الإسلامية، والفن البيزنظى وفنون العصور الوسطى وفنون عصر النهضة وفنون القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،وتجمع الحديث عن الأساليب الفنية فى تسلسلها واتساقها، والرسوم واللوحات المصورة التى تسجل النماذج المختلفة التى اختارها الباحث لأهم آثار العمارة والنحت والتصوير والموسيقى. كما يعتبر ثروت عكاشة مؤسس جهاز الثقافة الجماهيرية، والذى أتاح الفرص لمئات المواهب فى أقاليم مصر المظلومة، فى الشعر وكتابة القصة والرواية والتمثيل المسرحي، والفن الشعبى للتعبير عن نفسها، ووصل بكل هذه الفنون إلى المحافظات البعيدة والقرى المحرومة من الاهتمام والتقدير الذى لا تحظى به سوى العاصمة. ولو كان مشروع قصور الثقافة الجماهيرية وأنشطتها قد استمر بنفس المستوى والأداء الذى كان عليه الحال فى فترة الستينات، حين كان يحظى برعاية ودعم وزير الثقافة الراحل، لما دفنت المواهب، ولما شعر أهل الأقاليم بالغبن بسبب تسليط كل الأضواء على الأنشطة الثقافية فى القاهرة والإسكندرية..رحم الله المثقف الموسوعى د.ثروت عكاشة، ونفعنا بعلمه وأبحاثه ومؤلفاته.