جاءت تجربة فيلم "ريكلام" الذى كتبه "مصطفى السبكى" وأخرجه "على رجب" أفضل مما قد تتوقعه وأقل بكثير مما يجب، هناك عناصر جيدة، وهناك طموح فى تجاوز موضوع يتحدث عن فتايات الكباريهات اللاتى تنحرفن إلى الدعارة "بكل ماقد يوحى به من استغلال تجارى" إلى مايقترب من دراسة أربع حالات من الانحراف، ولكن هذه المحاولة سرعان ماتصطدم بمشكلات فى السيناريو، وبهذا الإطار "الميلودرامى" الذى يعتمد على المصادفات ولاسراف العاطفى مع تحويل الشخصيات إلى ضحايا لظروف عاتية لا يستطيعون لها دفعاً مثل أفلام رائد هذا النوع الراحل "حسن الإمام". "ريكلام" تعبير يعرفه عالم الملاهى الليلية، ويشير إلى تلك الفئة من جو الأنس والفرفشة، ويشير الفيلم من ناحية إلى أنهن ينزلقن بالضرورة إلى ممارسة الدعارة التى يبدو وأنها التطور الطبيعى "لفنون الريكلام"، يقوم بناء السيناريو المركب إلى حدما على الانتقال بالتوازى بين الحاضر حيث اجراءات القبض على أربع فتيات فى فيلا بالمريوطية فى قضية آداب، وبين الماضى حيث نتعرف على حكاية كل واحدة منهن، ويتقاطع الخطان حتى ينتهى الفيلم، يجمع بين الحكايات الأربع أن الحاجة المادية هى السبب الوحيد للانحراف: "شادية" (غادة عبد الرازق) الخادمة الاسكندرانية الفقيرة التى تعانى فى حياتها لدرجة زواجها وانجابها من تاجر مخدرات سرعان مايُقبض عليه، و"دولت" (رانيا يوسف) الفتاة الفقيرة مندوبة المبيعات التى تستدرجها زميلتها السابقة إلى عالم الكباريهات، ولدينا وجهان جديدان يلعبان دورى "سوزى" وهى من أسرة ثرية أفلس والدها فى البورصة فانحرفت إلى نشاط خالتها المشبوه، وشكرية الفقيرة المضطهدة من اخوتها التى يخدعها حبيبها الطبال، ويدفعها إلى احتراف الرقص ومنه إلى عالم الدعارة. ظلت المشكلة الواضحة فى عدم تمكن مصطفى السبكى من تحقيق التوازن بين هذه القصص الاربع لدرجة اننا كنا ننسى بعض الفتيات ثم نعود لنتذكرهن من جديد، كان واضحاً أيضاً أنه رغم التفاصيل إلا اننا تقريبا امام حكاية واحدة تروى أربع مرات حيث يقود الفقر إلى الانحراف، وحيث تدفع الاحداث بطلاتنا دفعا إلى عالم الكباريه، ورغم جهد المخرج "على رجب" فى ضبط الانفعالات والمشاهد إلا إنه لم يستطع ان يمنع الفيلم من الوقوع فى فخ الميلودراما، حيث تتعدد المصادفات كأن يكتشف خطيب "دولت" وجودها فى حجرة المليونير الذى يعمل عنده كسائق، وكأن تحدث الإنقلابات العنيفة مثل وفاة ابنة "شادية" كعقاب لها، وبدلاً من أن ينتهى الفيلم مع استكمال الحكايات، الا ان الفيلم يجد وقتا لحكاية رومانسية بين "شادية" وأحد زبائنها (صبرة فواز)، بالاضافة إلى صراع جانبى بين الفتيات الأربع والمعلمة "ليالى" (علا رامى) التى تمارس القوادة، والتى تنتقم من الجميع بالابلاغ عنهن. لا بد أن نعترف ان هناك جهدا حقيقيا فى تقديم تفاصيل هذا العالم الغريب المأخوذ عن قصص حدثت بالفعل، ولكن مجرد حدوث شىء لا يجعله فناً بالضرورة إذ يحتاج الأمر إلى بناء واختيار وإضافات، وكلّ ذلك كان فى اتجاه الميراث الميلودرامى للأفلام القديمة، حيث تبدو البطلات ضحايا للظروف ومع ذلك مستحقات للعقاب الشديد! لابد أيضا من الاشارة إلى ان مصطفى السبكى صاحب "شارع الهرم" يقدم هنا مايشير إلى ان لديه "نانسى عبد الفاتح"، ولكن يؤخذ عليه كمخرج سوء اختيار الوجوه الجديدة التى بدت متواضعة تماما امام "غادة عبد الرازق" و"رانيا يوسف" ومن العناصر الجيدة أيضاً الملابس والديكور وموسيقى "تامر كروان".