باقى من الزمن ساعات قليلة.. ويفتتح برلمان ثورة 25 يناير أولى جلساته-ظهر الاثنين- بعد انتخابات حرة ونزيهة فى مراحلها الثلاث.. والتى شهدت إقبالا غير مسبوق فى حياتنا السياسية..واختار الشعب طريق الديمقراطية.. وسجلت الأرقام فى هذه الانتخابات أعلى نسبة مشاركة فى مرحلتها الأولى.. بعد أن أيقن رجل الشارع أن صوته لن يتم تزويره- فى هذه المرة- وأن إرادته لن تغتال من فلول النظام السابق.. كما تعودنا خلال السنوات الماضية.. وكانت أبشع صور التزوير ماحدث فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى فى عام 2010.وقد آمن المواطن المصرى فى المراحل الثلاث للانتخابات أن الصندوق كان هو الحكم والفيصل بين كل الأحزاب والتكتلات والائتلافات التى شاركت فى الانتخابات.. والتى احتل فيها حزب الحرية والعدالة الذى يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين حوالى 60% من مقاعد مجلس الشعب، يليه (التحالف الإسلامى المكون من النور، والأصالة، والبناء والتنمية)، ثم حزب الوفد يليه الكتلة المصرية.. ثم الأحزاب المنشقة عن الحزب الوطنى المنحل (مصر القومى، والمواطن المصرى، والحرية، والمستقلين)، يليهم (حزب الإصلاح والتنمية) ثم الوسط، ثم حزب العدل.. وأخيرا الحزب الناصرى. وأن هذه هى أول ملامح برلمان الثورة الذى حصد فيه الإخوان مقاعد الأغلبية تحت القبة.. ومع ذلك فإننى أتمنى ألا يسيطر نواب حزب الحرية والعدالة على كل تشكيلات مجلس الشعب ابتداء من رئيسه «د. سعد الكتاتنى» ووكيليه وانتهاء بوكلاء اللجان الفنية للمجلس. فنحن فى حاجة إلى التعددية فى برلمان الثورة.. وأن تتفاعل الآراء والاقتراحات والأفكار والاختلافات حتى تخرج القوانين وهى تتضمن جميع الاتجاهات الحزبية والسياسية والعقائدية. لأننى أعتقد أن دورة مجلس الشعب الأولى فى فصله التشريعى الحادى عشر تعتبر من أخطر الدورات التى سنشهدها فى حياتنا البرلمانية نظرا للظروف التى تمر بها بلادنا بعد ثورة 25 يناير. فنحن فى حاجة إلى تكاتف كل القوى السياسية تحت القبة من أجل إنقاذ اقتصادنا القومى من الانهيار بعد أن توقفت عجلة الإنتاج فى بعض مصانعنا وشركاتنا بسبب الانفلات الأمنى.. وفقدت مصر العديد من أسواق التصدير الخارجية، كما أن المطالب الفئوية المتعددة تمثل ضغطا متزايدا على حكومة د. كمال الجنزورى الذى نريد أن يتعاون معه نواب الشعب للخروج إلى بر الأمان.. وأن نبحث عن موارد جديدة لسد العجز فى الموازنة والذى تخطى حاجز المائة مليار.. وحتى لا نلجأ إلى القروض الخارجية والتى تمثل ضغطا على قراراتنا وحتى لا تدفع الأجيال القادمة هذه الفاتورة! كما أننا نحتاج من هذا المجلس التوافق فى اختيار لجنة وضع الدستور الجديد الذى سوف يحدد خريطة الطريق المصرية فى السنوات القادمة بعد سقوط شرعية دستور 1971 بعد الثورة. فالدستور الجديد سوف يحدد ملامح الشكل العام للحكم فى مصر.. وهل هو رئاسى أم برلمانى أو يجمع بين النظامين الرئاسى والبرلمانى؟.. وهل سيبقى الدستور الجديد على نسبة تمثيل العمال والفلاحين تحت القبة والتى لا تقل عن ال 50% أم سيتم إلغاء هذا النص لأننا أصبحنا لا نحتاج إليه بعد ثورة 25 يناير التى صنعها جميع طوائف الشعب؟، وأنه لا فرق بين عامل أو فلاح أو فئات، لأن هذا النص قد فتح الباب كثيرا للتحايل بين المرشحين والانتقال من صفة إلى صفة حتى يضمن مقعدا تحت القبة.. حتى ولو كان لا يستحقه. والعجيب أن وكيل مجلس الشعب السابق عن العمال عبد العزيز مصطفى رغم أنه كان رئيسا لمجلس إدارة إحدى شركات التأمين، لكنه كان يتقدم للانتخابات فى كل الفصول التشريعية السابقة تحت صفة عامل وهو ليس بعامل، وكان ذلك من الحالات الصارخة التى كان يضرب بها المثل فى قاعات البحوث البرلمانية! وأذكر أن المستشار د. عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق- رحمه الله- قد قال لى فى أحد حواراتى معه إن هذه النسبة لولا أن الدستور نص عليها لكانت المحكمة الدستورية العليا قد أبطلتها.. فنص المادة يناقض الحق فى المساواة بين المواطنين.. ولو أن المحكمة الدستورية العليا فى مصر أخذت بالفقه والقضاء المقارن الذى يبطل النصوص الدستورية التى تناقض القيم الأساسية.. لكان على المحكمة الدستورية أن تبطل نص هذه المادة.. حتى ولو كان منصوصا عليها. ولعل من أهم ملامح خريطة العضوية النهائية تحت قبة مجلس الشعب هو التمثيل الضعيف والمتدنى للمرأة المصرية تحت القبة، وذلك بعد إلغاء الكوتة وإحجام الأحزاب عن وضع المرأة على قائمة ترشيحاتها، ولكن تم وضعها فى نهاية القائمة لمجرد تنفيذ شروط قانون الانتخابات الذى كان يشترط وجود سيدة فى قائمة الأحزاب.. ولكنه لم يحدد مكانها فى القائمة، كما أن الأحزاب لم تدعم أية سيدة رشحت نفسها على المقاعد الفردية.. وبالتالى فإن مجلس الشعب الحالى لا يضم من بين أعضائه سوى خمس نائبات فقط.. اثنتين عن حزب الحرية والعدالة هما (عزة الجرف، د. أميمة كامل)، مارجريت عازر عن حزب الوفد، وسناء السعيد عن حزب مصر الاجتماعى، وماجدة النويشى عن حزب الشعب. وأظن أن هذا العدد المتدنى لا يمثل سوى 0.1% من عدد أعضاء مجلس الشعب كلهم.. وبالتالى تجب إعادة النظر فى تمثيل المرأة تحت القبة وأن ينص الدستور الجديد على ضرورة أن يكون ضمن قوائم الأحزاب مقعد للمرأة فى مقدمة قائمة ترشيحات الأحزاب، وأن ذلك ليس بدعة مصرية، ولكن تأخذ به بعض دول العالم مثل السويد أو بنص قانونى مثل ألمانيا والمغرب والجزائر وتونس. أما بالنسبة لقضية «التعيين» فى المجالس البرلمانية.. فإنها تحتاج إلى وقفة وإعادة النظر فى هذا النص الذى صدر فى دستور 1964- لأول مرة- وكان الغرض منه أن من حق رئيس الجمهورية أن يعيّن عددا من الأعضاء لا يزيد على عشرة واستمر هذا النص حتى الآن حتى يمكن تعيين عدد من الكفاءات أو الفئات التى لا تستطيع خوض معركة الانتخابات ويكون البرلمان فى حاجة إلى خبرتها، وقد تم اختيار د.رفعت المحجوب رئيسا لمجلس الشعب عام 1984 رغم أنه كان من المعينين وليس منتخبا وكانت هذه هى المرة الوحيدة. وقد فوجئت بأن العديد من الفئات أو التجمعات يطالب كل منها بأن يكون ضمن الذين يتم تعيينهم فى مجلس الشعب. والغريب أن ممثلا من الجالية المصرية بالولايات المتحدة جاء إلى مصر خصيصا للمطالبة بضرورة أن يكون هناك ممثل للجاليات المصرية بالخارج تحت القبة ولا أدرى كيف سيتابع الجلسات وهو بالخارج أم سيحضر أسبوعيا لحضور الجلسات؟! وأخيرا أقول: إن عيون المصريين كلها على نواب مجلس الشعب.. وأن المصريين يعقدون عليه آمالا عديدة لتحقيقها بعد أن تخلصنا من رموز النظام السابق تحت قبة البرلمان!