بعد نجاح الربيع العربى فى إحداث تغيير سياسى يؤكد على كرامة الإنسان وحقه فى التعبير ورفضه لظلم الأنظمة الغاشمة التى حكمت الشعوب العربية بمنطق القوة لسنوات طويلة، ظهرت سلسلة من الاضطرابات والاختلافات فى مسار الثورة مما دفع البعض للاعتقاد بأن تلك الثورات مجرد انتفاضات لإصلاح الأنظمة القادمة وليس إسقاطها.. من هذا المنطلق نظم منتدى الحوار بمكتبة الإسكندرية مؤتمراً تحت عنوان «العالم العربى يتغير» بالتعاون مع مبادرة الإصلاح العربى، وشاركت فيه مجموعة كبيرة من المثقفين والباحثين والسياسيين والنشطاء من مصر وتونس وسوريا واليمن والجزائر والسودان والبحرين.وقد تناول المؤتمر القضايا محل النقاش الموسع فى الوقت الراهن، وفى مقدمتها مواقف القوى السياسية من الثورات العربية، ودور الإعلام فى الثورات العربية، والعلاقات المدنية العسكرية فى الثورات العربية، ومستقبل التعددية فى العالم العربى. وفى البداية أكد الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية أن الدساتير العربية الجديدة يجب أن تحارب الجمود الفكرى الذى هيمن على الدساتير الماضية وأن تحمل الوطن العربى إلى آفاق المستقبل، مضيفا أن الفكر الدستورى بحاجة لتفكير خارج الصندوق المعروف، والاعتماد على أفكار يمكن أن تٌطبق فى ظل أى نظام حكم، وعدم الاعتماد على أفكار الدساتير القديمة لوضع دستور جديد يحل إشكاليات الحاضر والمستقبل. كما تطرق سراج الدين إلى أهمية إعادة التفكير فى مفاهيم متعددة، مثل المواطنة والمجتمع المدنى، مشيرًا إلى أن المجتمع الحديث يتشكل الآن من سلطات أخرى منها المجتمع المدنى، الذى أصبح طرفاً رئيسياً فى صنع السياسات العامة، بالإضافة لضرورة إعادة التفكير فى التعامل مع الإعلام، والبحث عن وضع دستور جديد يبحث صيغة جديدة لمفهوم الإعلام الجديد، الذى أصبح يتخطى المفهوم التقليدى لسيادة الدولة. تغيير جذرى من جانبها، أكدت الدكتورة بسمة قضمانى المدير التنفيذى لمبادرة الإصلاح العربى على أهمية الانطلاق من مصطلح الإصلاح إلى مصطلح التغيير، مشددة على أن الشعوب العربية لن تقبل بعد الآن بالإصلاح بدلاً من التغيير، بعد التغيير الجذرى الذى عاشته مصر وتونس. وأوضحت قضمانى أنه لا يمكن لأحد أن يضع رؤية لمسار التحول فى الدول العربية، مشيرة إلى أن الشباب يحملون الرؤية فى طريقة عملهم، إلا أن المجتمعات مازالت لا تعطيهم الثقة الكافية. كسر الخوف وفى كلمته، أكد جورج إسحق الناشط السياسى وأحد مؤسسى حركة كفاية، على أن تجربته الأخيرة فى خوض الانتخابات البرلمانية تعد من أثرى التجارب التى عاشها، حيث إنه تمكن من النزول إلى الشارع فى بورسعيد والتحدث مع كافة أفراد الشعب. ووجه دعوة إلى المثقفين بالنزول إلى الشارع والتحدث مع الشعب بدلاً من التحدث فى الغرف المغلقة. وقال إن أول مظاهرات لحركة «كفاية» بدأت فى مثل هذا اليوم عام 2004، مبينًا أن حركة «كفاية» تمكنت من كسر ثقافة الخوف، واقتناص حق التظاهر وحق انتقاد رئيس الدولة. وأكد إسحق أنه متفائل بمستقبل الثورة فى مصر، مشددًا على أنه سينتج عنها مرحلة جديدة فى تاريخ المصريين. من جانبه، تحدث إبراهيم الهضيبى الباحث فى الشئون السياسية عن ظهور «النخبة الجديدة» فى الثورة المصرية، والتى تحالف جزء منها مع الإدارة الحالية، وأدت إلى إفراز بعض ممارسات النظام القديم. وأكد أن الدستور الجديد يجب أن يركز على قضايا أساسية، كالاقتصاد والسياسة الخارجية وغيرها، وعدم الالتفات إلى الإشكاليات المصطنعة التى تركز عليها النخبة. وتضمن اليوم الأول للمؤتمر جلسة بعنوان «العلاقات المدنية العسكرية فى الثورات العربية»، تحدث فيها كل من الخبير الأمنى والاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل، والباحث سلام الكواكبى من سوريا، وإيمان الرياح من الجزائر، ووسام باسندوة من اليمن، وأدارها الكاتب والمفكر جميل مطر. حكم الإسلاميين وشهد اليوم الثانى من المؤتمر جلسة بعنوان «مستقبل التنوع فى ظل الثورات العربية»، تحدث فيها كل من الدكتور حيدر إبراهيم من السودان، وأندريا زكى، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر، والباحثة الجزائرية لبنى شطاب، وأدارها أحمد بهاء الدين شعبان. وتحدث أندريا زكى عن موقف المصريين المسيحيين من قضية مستقبل التعدد، مشيرًا إلى أنه فى السنوات الماضية، تراجع تمثيل الأقباط بشكل مذهل فى البرلمان المصرى، واقتصرت الأدوار السياسية على رجال الدين الأقباط، إلا أنه بعد ثورة 52 يناير، عادت القيادة السياسية إلى العلمانيين المسيحيين، وشارك المسيحيون بفاعلية وقوة فى الحركة السياسية، وعادت التظاهرات إلى خارج الكنيسة والحضور والتواجد أمام مؤسسات الدولة. وتناول زكى مخاوف المصريين المسيحيين من الفترة المقبلة فى مصر، مشيرًا إلى أن زيادة الهجرة بعد ثورة 52 يناير مرتبطة بالخوف من طبيعة النظام القادم. وشدد على أن الديمقراطية لا يمكن أن تمارس أبدًا فى ظل مجتمع مقسم على أساس دينى. وشهد المؤتمر جلسة ختامية بعنوان «حالة الإعلام فى الثورات العربية»، تحدث فيها كل من جونى عبو من سوريا، والخبير الإعلامى المصرى ياسر عبد العزيز، والناقد البحرينى الدكتور على الديرى، والباحث الجزائرى لخميسى شيبى، وأدارها الكاتب هشام جعفر. وقال على الديرى إن الإعلام البحرينى فى تغطيته لحركة 41 فبراير حوّل الاختلاف السياسى إلى التخوين، واعتبر كل شخص مختلف مع النظام شخصاً خائناً وله أجندات خارجية، كما اعتمد الإعلام على صناعة الفبركات وتشويه التقارير والبيانات الدولية. فى الختام، تحدث ياسر عبد العزيز عن ظاهرة «أعلمة الثورة المصرية»، فبدلاً من أن ينقل الإعلام المعلومات والحقائق وما يدور فى الثورة، انتقلت الثورة إلى الإعلام وتحول عدد كبير من الوجوه البارزة التى شاركت فى الثورة إلى مقدمى برامج. وأشار أيضًا إلى زيادة تأثير الإعلام الجديد الذى ينطوى فى الكثير من الأحيان على الأكاذيب والشائعات. وشدد على أن أنماط ملكية الإعلام فى العالم العربى أحد أهم أسباب الأخطاء التى يقع فيها الإعلام العربى، فالتليفزيون العام المصرى على سبيل المثال ارتكب جرائم كاملة أثناء الثورة لأنه ارتكز على خدمة الحكومة لا الشعب.