الحاجة لمضمون جديد لقيم المساواة والحرية عجز د. إسماعيل سراج الدين وإدارة مكتبة الإسكندرية عن عقد مؤتمر «العالم العربي يتغير» في مقر المكتبة بسبب المظاهرات والاعتصامات التي ينظمها العاملون بالمكتبة لتحسين أجورهم وللاحتجاج علي ما يقولون إنه فساد في إدارتها. انعقد المؤتمر في فندق وناقش موضوع الثورات العربية وإلي أين تتجه، والعلاقات المدنية العسكرية في هذه الثورات ومستقبل التنوع في ظلها وأخيرا حالة الإعلام العربي.. وفي كلمة الافتتاح حدد الدكتور «إسماعيل سراج الدين» ست قضايا سوف ينشغل بها العرب بعد ربيعهم هي المواطنة والمجتمع المدني والإعلام والفكر البيئي والإدارة المشتركة للموارد وإشكاليات التعامل الواقعي مع تطبيقات المفاهيم المطلقة والمجردة مثل الحرية والمساواة والعدالة حيث تغيرت واتسعت مضامين هذه المفاهيم مع التطور العاصف الذي شهدته الإنسانية مع مطلع القرن الواحد والعشرين.. وأشار «سراج الدين» إلي أنه لابد من وضع معايير يراعيها المشرعون في كتابة الدستور الإسكندرية- خاص بالأهالي: أما «بسمة قضماني» المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي التي انطلقت منذ سبع سنوات وهي شريك مكتبة الإسكندرية في الإعداد بالمؤتمر الذي نحن بصدده، قالت بسمة وهي سورية في تقديمها لمبادراة الإصلاح العربي إن هناك ثلاثة مشاريع تدور كلها حول بناء الرؤية النقدية للواقع سواء العمل مع المفكرين وممثلين عن الأحزاب السياسية إضافة إلي تقصي دور المعرفة في القطاع الأمني واستخدمت في هذا السياق المصطلح الذي صكه الدكتور حيدر إبراهيم «الأمنوقراطيات»، أما القضية الثالثة فهي كيفية إدارة التنوع في المجتمع وهي من صفات الحكم الرشيد، وأضافت «أننا ننطلق الآن من مصطلح التغيير وليس الإصلاح»، إذ أن الشعوب لن تقبل بالإصلاح بديلا عن التغيير، وقد قررت الشعوب أن تدفع ثمن التغيير والتغيير يعني الثورة التي هي لكل منا تجربة حياة مهما كانت أعمارنا وعلينا أن نعطي للشباب الثقة الكاملة فهم الذين يحملون الرؤية الجديدة كما أنهم لا يحملون العبء الثقيل الذي يحمله جيلنا الذي عاش هزيمة 1967. مصر وسوريا وتحدثت مضامني عن الوضع السوري في ضوء ما يحدث من عنف في مصر وأضافت.. إن القوي الدولية تكتفي بإعطائنا نصائح ومحاضرات حول ضرورة احترام التنوع. وإذا نظرنا إلي الدور الدولي إزاء هذه الثورات سنجد أن هناك علاقة جدلية، وللضغط الدولي فائدة كبيرة دون أن يفرض علينا أجنداته، ويتوجه الثوار السوريون إلي دول مثل الصين وروسيا التي تساند النظام قائلين لا تتركونا لنسقط في أحضان الغرب إذا لجأنا إلي الأممالمتحدة، وفي سوريا هناك جرائم ضد الإنسانية وجرائم ضد المجتمع إذ يحاول النظام أن يمزق النسيج الاجتماعي بإثارة الطائفية. ورغم انشغالاتها الفائقة وضعت الثورة السورية مبادئ حاكمة للدستور، ومشروع قانون لمنع التمييز. خندق كفاية وتحدث جورج إسحق أحد مؤسسي حركة كفاية الذي قال إن هذا اليوم 12-12 يوافق الذكري السابعة لتأسيس حركة كفاية التي أطلقت أول مظاهراتها في مثل هذا اليوم عام 2004 قائلا إنها أول مظاهرة ضد النظام متجاهلا الدور الذي قامت به الأحزاب المعارضة ضد النظام قبل ذلك التاريخ بزمن طويل أي منذ بدء سياسة الانفتاح بل حتي قبل ذلك مع انقلاب مايو 1971 ضد اليسار الناصري. أطراف خارجية أما «إبراهيم الهضيبي» أحد ممثلي شباب الثورة فقد أعلن أن المفهوم الجيلي هو مفهوم تمييزي وأن موقف الشخص بصرف النظر عن سنه هو الحاسم مؤكدا أن هناك نخبة جديدة ترفض أن تضع أيديها في أيد ملطخة بدماء المصريين لأن الثورة التي حررت المجتمع أفرزت نخبة جديدة ونحن كشباب نفكر في آليات جديدة جربتها بعض بلدان العالم لإسقاط الدستور أو بعض مواده عبر جمع عدد من التوقيعات، مضيفا أن هناك تجارب بوسعنا التعلم منها مثل تجربة البرازيل وتركيا. وأضاف «الهضيبي» أن افتراض أن أطرافا داخلية فقط هي التي تتدخل في ثورة مصر يعبر عن جهل. ورفض «أحمد الجمال» فكرة تداولها بعض الحاضرين تقول إن ثورة 25 يناير بلا آباء وقال إنها علي العكس حلقة من حلقات التاريخ المصري الحديث مضيفا أن أول من استقوي بالخارج هو التيار الإسلامي، كما أن إدخال الدين في السياسة بدأ مع معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص. وأضاف: كتب جمال مبارك وحبيب العادلي سيناريو الفوضي حتي يتولي «الننوس» حكم مصر وقامت الثورة لتقطع الطريق علي هذا السيناريو. تونس النساء متقدمن وعرضت د. آمال قرامي للوضع في تونس الذي يتجاذبه اتجاهان وقراءتان الأولي إيجابية تري أن الانتخابات نزيهة، وأن إنشاء مجلس تأسيسي للدستور خطوة إيجابية في اتجاه بناء ديمقراطية توافقية. وبرزت احتجاجات المجتمع المدني وشعارها إن عدتم سنعود، وتغذي المجتمع المدني علي التنوع الداخلي والحيوية التي يتمتع بها المجتمع التونسي وعلي الجانب الآخر فإن ما يوجد في تونس هو جماعات إسلامية وجماعات سلفية لا جماعة واحدة، وتظهر قوة الشباب وتحتل الفضاء العام جنبا إلي جنب الفئات النسائية التي تقف بالمرصاد لمحاولة الرجوع للخلف، وقوي تطالب بالعدالة الاجتماعية حيث هناك مليون عاطل عن العمل، وتأسست جمعيات لأسر الشهداء وجمعيات للقضاة، ولعب كل من الفيس بوك والتويتر أدوارا كبيرة في تحصين حرية التعبير وبرزت ظاهرة تدخل المواطنين بإيجابية في مناقشات منابر الحوار. أعيدوا أصواتنا أما الوجه الآخر والقراءة الثانية فتبدأ من هشاشة الوضع الأمني، وأعلنت الترويكا الإسلامية السياسية أنها تحضر للخلافة السادسة «فبعض الإسلاميين يعتبر عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد الخامس» كذلك هناك ازدواجية في الخطاب، فقد أصيب الإسلام السياسي بالاستعلاء في تونس بعد نتائج الانتخابات فأخذ يردد نحن أغلبية وأنتم أقلية، وحدث انقلاب علي مستوي القيم إذ أخذت مجموعة توزع شهادات التكفير وتقرر نيابة عن الله حتي أن مجموعات لا يستهان بها من المواطنين خرجت تقول لقد أخطأنا في الانتخابات، أعيدوا لنا أصواتنا، نحن أسقطنا ديكتاتورية ولا نريد ديكتاتورية جديدة. وتحدث وائل السواح عن الوضع في سوريا، فقال إنه لا يوجد حد عال للفقر بل هناك قمع شديد وخوف شديد، ولكن الثورة فاجأت كل من النظام والمعارضة، وتتوزع المعارضة بين كتلتين. «1» المجلس الوطني ويضم مجموعة اسطنبول ومثقفين ليبراليين ويدعو لحماية دولية. «2» هيئة التنسيق للتغيير الوطني الديمقراطي وتضم ستة عشر حزبا بينها حزب الاتحاد الاشتراكي الناصري الهوي وحزب العمال الشيوعي، ويدور برنامجهما حول إسقاط النظام الاستبدادي الأمني الفاسد أي جزء فقط من النظام مع السماح بالتظاهر السلمي. وهناك خلافات داخل كل مجموعة، فالدعوة لعسكرة الثورة والرد علي عنف الأمن بعنف آخر ليست موضع اتفاق إذ قال الدكتور «برهان غليون» إنه سيكون إجهاضا للثورة واتفق المجلس علي ضرورة الحفاظ علي سلمية الثورة وتحويل المظاهرات إلي عصيان مدني وهو طريق شاق وطويل لكنه سوف يجنب الشعب السوري التدخل الخارجي مع العلم أن هناك نسبة من السكان ما بين 25% و40% مازالت تؤيد النظام. مباركة سعودية ومن اليمن قال عبدالرقيب منصور إن علي عبدالله صالح وصل إلي الرئاسة بمباركة سعودية بعد مقتل رئيسين وتغير ولاؤه من السعودية لصدام، ثم إلي معمر القذافي وأمريكا ثم إلي السعودية مرة أخري. وحين قامت الوحدة سنة 1990 سرعان ما أشعل الحرب في عام 1994 ليفض الشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني، وتصرف مع جنوب اليمن كما تصرف بريمر مع العراق فأخرج عشرات الآلاف من أعمالهم وتعالي عليهم فنشأ الحراك الجنوبي الذي طالب بفك الارتباط بينما قدم صالح مشروعا للبرلمان بمد مدد الرئاسة إلي الأبد والآن هناك ثلاثون ساحة في اليمن يؤمها ملايين المواطنين، وارتكب النظام مجزرة في 18 مارس حين اعتلي قناصة أسطح البنايات واستشهد ستون مواطنا، وعلي إثر هذه الجريمة انشق عدد من الضباط وقدم سفراء استقالاتهم ثم قدم الخليجيون مبادرتهم التي تنص علي عدم ملاحقة صالح وأعوانه بعد أن يتركوا السلطة التي سلمها لنائبه. . وتم تتويج مشاركة المرأة اليمنية الهائلة بحصول توكل كرما المتحدثة باسم الثورة علي جائزة نوبل. وقال أحد المشاركين ليس هناك ثورة في سوريا وكل ما يحدث هو أن أمريكا تريد دورا جديدا بعد خروجها من العراق بينما قالت المعارضة اسورية إنها ستعقد سلاما مع إسرائيل، وأن ما يحدث في العالم العربي ليس ربيعا، بل هو خريف لأنه أتي بالإسلاميين الذين يدعون لتحجيب النساء وتنقيبهن ويعودون للطرح الوهابي. بينما أكدت إحدي المشاركات - سمية الألفي - أن المشروع الذي يجتاح المنطقة هو مشروع وهابي سعودي. وقالت الباحثة الجزائرية ايمان رياح إن للجيش الشعبي الوطني وضعا خاصا لأنه هو الذي أسس الدولة بعد حرب التحرير، وكان وصول «بومدين» للحكم هو بداية الارتباط الكلي بين الجيش ومؤسسة الرئاسة وفي عام 88 تدهورت الأوضاع الاقتصادية وحدثت انتفاضة الخبز وقصف الجيش المواطنين وسقط ما بين 200 و300 قتيل وبعدها ولدت التجربة التعددية وفي انتخابات 1991 فازت الجبهة الإسلامية للانقاذ في الانتخابات فتدخل الجيش لمنع هذا الحظر، وكانت نتيجة ما نسميه بالعشرية السوداء 20 ألف قتيل وعشرات الآلاف من المفقودين والمهاجرين، وبدلا من أن يصبح الجيش ضامنا للصراع السياسي أصبح صانعا له وقامت اصلاحات بوتفليفة الأخيرة بتهدئة الاحتجاجات التي قامت بتأثير الثورات العربية. كذلك فإن الشعب الجزائري اعتبر أنه قام بثورته عام 1988 لذا هناك استبعاد لسيناريو الثورة في الجزائر. وفي واحدة من أهم جلسات المؤتمر عن مستقبل التنوع في ظل الثورات العربية تحدث الدكتور حيدر ابراهيم علي عن تجربة حكم الإسلاميين في السودان، فقال إن الاخوان المسلمين هناك هم الذين لم يتعرضوا لأي اضطهاد ، بل إنهم أول من ادخلوا التعذيب في التاريخ السوداني، وأول من أسس بيوت الأشباح. وأضاف «حيدر» إن لديهم مشكلة في قضية التعدد الذي يعتبرونه فتنة وفرقه، وهناك فرقة ناجية واحدة من 72 فرقة. وفي الفكر الإسلامي عامة هناك نفور من التعدد وهم يترجمون اعتصموا بحبل الله باعتبارهم هم حبل الله. والتحدي الرئيسي أمامهم هو قبول الآخر وحكموا بالإعدام علي محمود محمد طه عام 1983 بسبب أفكاره، وأصدر الحكم شخص درس القانون في فرنسا وهم مرتاحون جدا لانفصال الجنوب إذ يقولون إنهم يريدون دولة إسلامية نقية. وأنا لا أناقش النصوص وإنما الممارسات وعندما استلموا السلطة حولوا الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب إلي جهاد وعندما يتلقون العزاء يقولون إنه عرس الشهيد. وكانو يمنعون الأقباط من ركوب الدواب ويخلقون عدوا وهميا، ومشكلتنا ليست إغلاق البارات وإنما إغلاق العقول إنهم يرفعون الآن في مصر شعار مليون لحية فهل هذا معقول؟ ومع ذلك فأنا مع الحوار والحوار الجاد جدا مع الإسلاميين. الحوار في أمريكا اللاتينية بين الكنيسة والماركسيين ولد لاهوت التحرير، ولعل الحوار معهم يؤدي للاهوت تحرير إسلامي ، ونواصل في العدد القادم قضايا المسيحيين العرب وحالة الإعلام في الثورات العربية واستخلاصات المؤتمر.