التكنولوجيا وشبكة الإنترنت، صارا الملعب الرئيسى الكبير، فى عالم الجاسوسية، وعلى عكس ما يتصوًَّر البعض، فإن مراقبة شبكة الإنترنت، ليست مهمة مستحيلة، بالنسبة للتكنولوجيا، التى تتطوًَّر فى كل لحظة، فعلى الرغم من إبحار مليارات الرسائل والصور والمعلومات، عبر الشبكة العنكبوتية، فى كل لحظة، فإنه هناك برامج متطوًَّرة، يمكنها اقتناص أية رسالة، يمكن أن تثير الشك، من وسط كل هذه المليارات، مهما بلغت درجة تأمينها أو تشفيرها، وهذا قد لا يتفق مع الصورة الخفية، التى يصعب رصدها، دون معلومة مسبقة، أو مراقبة لشخص بعينه، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى الجاسوس البشرى، كأخطر سلاح فى هذا العالم السرى الغامض، والذى يمكنه أن يبلغ الجهة، التى يعمل لحسابها، عن أشخاص بعينهم، تمكن متابعة اتصالاتهم ورسائلهم عبر الإنترنت، بصورة خاصة، وفحص كل ما تحويه، بواسطة مجموعة من الخبراء والفنيين، كل فى مضماره، وهذا يوفًَّر آلاف الساعات، من فحص رسائل تحوى بعض الشك فحسب، ونعود من هذا إلى الحديث عن الجاسوس، الذى مرًَّ بمرحلة (جاسوس نائم)، ثم (جاسوس نشط)، ثم تحوًَّل مع التدريب والخبرة إلى (جاسوس فعًَّال)، يمكنه تزويد جهة عمله بكم مفيد من المعلومات، ويمكنه عقد شبكة من العلاقات المتعدًَّدة، التى تساعده على هذا.. عندئذ يتلقى الجاسوس دورة تدريبة أخرى، الهدف منها نقله إلى مرحلة جديدة، يمكنه فيها أن يدرس دائرة معارفه؛ لتحديد إمكانية تجنيد بعض الأشخاص، ثم يبلغ الجهاز الذى يتبعه؛ لاتخاذ ما يلزم فى هذا الشأن، ولكنه لا يقوم بتجنيد الأشخاص بنفسه فى هذه المرحلة، حرصاً على استقراره وسرية موقفه فى بلد الزرع، إلا أنه، وبعد أن تستقر به الأوضاع تماماً، ويصبح محل ثقة جهاز المخابرات، على نحو لا يقبل الشك، يتحوًَّل إلى (جاسوس مقيم)، وهو الجاسوس الذى يدير معظم عمليات التجسًَّس فى منطقة عمله، وعبره تصل الأوامر والأموال إلى الجواسيس الأقل شأناً، ومنهم تصل إليه المعلومات، عبر (نقطة ميتة)، ويصبح أشبه بالممثل الخفى لجهاز المخابرات، فى تلك المنطقة.. وفى حالات نادرة، ينتهى عمل الجاسوس، دون أن ينكشف أمره، فيعود بعد تقاعده شبه الكامل، إلى حالة (جاسوس نائم) مرة أخرى، كما حدث مع (رفعت الجمال)، وآخرين لم يفصح عنهم بعد، فيستقر به المقام فى دولة الزرع، أو يحتفظ بهويته الجديدة خارجها، دون أن يزاول أية انشطة فى مجال التجسًَّس، أو يجرى أى اتصالات، يمكن أن تحيطه بالشبهات، ويمكن للجهاز الذى زرعه أن يعيد تنشيطه، إذا ما تحتم هذا، أو يحتفظ به كسلاح سرى، ربما لا يستخدم مرة ثانية أبداً.. ولقد تعدًَّدت وسائل التجنيد، فى أجهزة المخابرات المختلفة، وفقاً لمفاهيم كل جهاز، فجهاز الاستخبارات السوفيتى مثلاً (KGB)، استخدم قديماً أسلوباً، أطلق عليه اسم (المخرج الوحيد)، وهو يعتمد على محاصرة الهدف وتوريطه، بحيث يكون مخرجه الوحيد من الأزمة، هو التعاون مع المخابرات السوفيتية السابقة، ففى إحدى الحالات مثلاً، وقع اختيار الجهاز على أحد المبعوثين الدراسين، الذى كان يحصل من دولته على مبلغ مإلى شهرى زهيد، يكفى متطلباته الأساسية بالكاد، والقانون هناك يمنع المبعوثين من العمل خارج الجامعة، طوال فترة الدراسة، ولهذا دسًَّت المخابرات السوفيتية عليه عميلاً، أقنعه بتحويل دولاراته فى السوق السوداء؛ ليحصل بذلك على ضعف المبلغ، الذى يحصل عليه شهرياً، من تحويلها بالطرق الرسمية، ولما كانت عقوبة الاتجار بالعملة مخيفة أيامها، فقد طمأنه العميل بأنه لن يعرًَّض نفسه لأى خطر؛ إذ سيحضر له الروبلات بنفسه، ويتقاضى الدولارات بعدها.. وتم الأمر، ومر بسلام أكثر من مرة، وابتهج المبعوث بالزيادة الكبيرة فى الدخل، واعتاد الأمر، والعيش بهذا الدخل الجديد، حتى اتصل به العميل ذات مرة، وأخبره بأن ظروفه تمنعه من الحضور هذا الشهر، وأخبره بأن صديقاً مؤتمناً سيصل إلى ناصية منزله، وعليه أن يلتقى به، ويتبادل معه النقود، وفى هذه المرة بالذات، ظهرت الشرطة فجأة، واعتقلت المبعوث، متلبساً بتغيير العملة فى السوق السوداء، وتم وضعه فى زنزانة رهيبة، مع عدد ضخم من الملقى القبض عليهم، وكان عليه أن ينظر طوال الوقت إلى نافذة الزنزانة المغلقة، وإلا تعرًَّض لعقاب رادع، لو فتح السجًَّان النافذة فجأة، فى أية لحظة من الليل أو النهار، فوجده ينظر إلى أية جهة أخرى.. وبعد ثلاثة أيام فحسب، صار المبعوث مستعداً لعمل أى شئ فى الوجود؛ للخروج من هذه المأساة، وعندما وافق على العمل مع السوفيت، خرج من الزنزانة، وتناول وجبة ساخنة، وارتدى ثياباً نظيفة.. ووقًَّع على ايصال باستلام مبلغ كبير من الروبلات، مقابل العمل لحساب المخابرات السوفيتية.. وبهذا الإيصال، وقع فى الفخ، وصار مضطراً لاستمراره فى العمل، أوالبقاء على ذمة المخابرات السوفيتية، فى حالة (جاسوس نائم)، أو (جاسوس احتياطى)، قد لا ينتقل إلى حالة (جاسوس نشط)، إلا لو ترقّى فى عمله. ومازال للحديث بقية.