لم يكن الموقف الأخير الذى أقدمت عليه الحكومة التركية ورئيسها رجب طيب أردوغان بطرد السفير الإسرائيلى وتعليق العلاقات التجارية والعسكرية بين البلدين كرد فعل للتعنت الإسرائيلى وعدم تقديم اعتذار رسمى عما اقترفه جيشها بحق سفينة المساعدات التركية (مرمرة) لفك الحصار عن غزة العام الماضى، هو الموقف الأول من نوعه. فقد سبق لأردوغان أن اتخذ موقفًا حازمًا إزاء خرق إسرائيلى للمعاهدات الدولية وقتلها للمدنيين العزل خلال حربها على غزة التى أطلقت عليها عملية (الرصاص المصبوب) فى أواخر عام 2009، وقام بجولة فى الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن تلك القضية، وكان تفاعله وانفعاله واضحين الأمر الذى أقلق إسرائيل للغاية، وحول كل هذه المواقف وغيرها ننشر السطور التالية عن السيد رجب طيب أردوغان والذى يحل ضيفًا على مصر خلال هذا الأسبوع.. ولاننسى بطبيعة الحال موقفه فى مؤتمر دافوس عندما غادر المنصة احتجاجًا على عدم إعطائه الوقت الكافى للرد على الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريز الذى دافع عن الحرب الإسرائيلية على غزة وقال (إسرائيل لا تريد إطلاق النار على أحد لكن حماس لم تترك لنا خيارًا)، فرد أردوغان على أقوال بيريز بعنف وقال: (إنك أكبر منى سنًا ولكن لا يحق لك أن تتحدث بهذه اللهجة والصوت العالى دليل على أنك مذنب.. إن الجيش الإسرائيلى يقتل الأطفال فى شواطئ غزة). ولم يترك له مدير الجلسة الفرصة حتى يكمل رده، فانسحب مخاطبًا المشرفين على الجلسة قائلًا: ( شكرًا لن أعود إلى دافوس بعدما حدث فأنتم لا تتركوننى أتكلم)، ولد رجب طيب أردوغان باسطنبول فى 26 فبراير 1954، ونشأ فى أسرة فقيرة ولم يكن أمامه - على حد قوله - غير بيع البطيخ والسميط فى المرحلتين الإبتدائية والإعدادية لكى يستطيع معاونة والده وتوفير جزء من مصاريف تعليمه الذى أتمه فى مدارس (إمام خطيب) الدينية ثم فى كلية الاقتصاد والأعمال بجامعة مرمرة. انضم إلى حزب الخلاص الوطنى بقيادة نجم الدين أربكان فى نهاية السبعينيات، لكن الحزب تم إلغاؤه مع باقى الأحزاب فى أعقاب الانقلاب العسكرى عام 1980. ومع عودة الحياة الحزبية عام 1983، مارس أردوغان نشاطه السياسى من خلال حزب الرفاه، وفى عام 1994 رشحه الحزب لمنصب عمدة إسطنبول، واستطاع أن يفوز فى الانتخابات وتولى المنصب. انتشل أردوغان بلدية اسطنبول من ديونها التى بلغت مليارى دولار وحولها إلى أرباح واستثمارات ومعدل نمو بلغ 7 % بفضل عبقريته ويده النظيفة وقربه من الناس ولاسيما العمال حيث عمل على رفع أجورهم ورعايتهم صحيًا واجتماعيًا. ومع بروز انجازاته فى المدينة التى جعل منها معلمًا سياحيًا كبيرًا، اكتسب أردوغان شعبية كبيرة فى سائر أنحاء تركيا، لكن هذه الشعبية لم تشفع له عندما خضع لاجراءات قضائية من قبل محكمة أمن الدولة عام 1989 انتهت بسجنه بتهمة التحريض على الكراهية الدينية ومنعه من العمل فى وظائف حكومية ومنعه بالطبع من الترشيح للانتخابات العامة. كل هذا بسبب اقتباسه بعض الأبيات من الشعر التركى وأثناء القائه خطابًا جماهيرًا.. تقول الأبيات: قبابنا خوذاتنا / مآذننا حرابنا / والمصلون جنودنا / وهذا الجيش المقدس يحرس ديننا. ولم تثن هذه القضية أردوغان عن مواصلة مشواره السياسى، بل نبهته إلى أن الاستمرار فى ذلك قد يعرضه للحرمان من العمل السياسى إلى الأبد مثلما حدث مع أستاذه نجم الدين أربكان، فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء منهم عبدالله جول ليؤسس حزب العدالة والتنمية عام 2001، وأعلن أن الحزب سيحافظ على أسس النظام الجمهورى وأنه سوف يتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذى رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر فى إطار القيم الإسلامية التى يؤمن بها 99% من مواطنى تركيا. وفى عام 2002 خاض الحزب الانتخابات التشريعية وحصل على 363 مقعدًا مشكلًا بذلك اغلبية ساحقة. ولم يستطع أردوغان أن يترأس الحكومة بسبب تبعات سجنه فقام بالمهمة عبد الله جول، إلى أن تمكن فى مارس 2003 من تولى رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه.