تحتل دراما الجاسوسية أهمية كبيرة عند المشاهد العربى، فإلى جانب ما تكشفه من أحداثٍ مثيرة وحقيقية وقعت بالفعل فإنها توقظ روح الوطنية والانتماء عند الأجيال الجديدة، والمتابع للأعمال الدرامية خاصة خلال شهر رمضان يلحظ العودة القوية لهذه النوعية من الدراما، بداية من مسلسل الجاسوسية الأشهر «رأفت الهجان»، وقبله «دموع فى عيون وقحة»، ومرورا ب «العميل 1001»، للفنان الشاب مصطفى شعبان،ومسلسل «حرب الجواسيس» العام قبل الماضى للنجمة الشابة منة شلبى وهشام سليم وكلها أعمال تميزت بالإثارة والتشويق . ويعرض فى رمضان هذا العام مسلسل «عابد كرمان» سيناريو وحوار بشير الديك وإخراج نادر جلال و بطولة الفنان تيم حسن، عن قصة حقيقية كتبها اللواء ماهر عبد الحميد حول شخصية «عابد» وهو شاب من عرب 48 يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويعانى من عقدة كره شديد للاسرائيليين بعد أن قاموا بقتل شقيقه أمام عينيه، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد ذلك جندته المخابرات المصرية، ليصبح عميلاً لها فى إسرائيل.. كما يعرض أيضا مسلسل «رجل لهذا الزمان» بطولة الفنان أحمد شاكر والذى يجسد فيه شخصية العالم الشهيد مصطفى مشرفة، ويؤكد المسلسل تورط الموساد الإسرائيلى فى اغتياله، وهناك مسلسلات أخرى توقف أو تأجل تصويرها بسبب اعتراضات رقابية، منها «الفهد والسنجاب» للمخرج محمد النجار، ومسلسل «الرقص مع المجهول» الذى يتناول المجتمع الصهيونى من الداخل، ومسلسل «يا عزيز عينى» للمخرج مدحت السباعى، ويرصد أكبر صراع لأجهزة المخابرات قبل عام النكبة، ومسلسل «فرقة ناجى عطا الله» بطولة نجم الكوميديا عادل امام وتأليف يوسف معاطى وإخراج رامى إمام، وقد تأجل عرضه فى اللحظات الأخيرة بعد أن تم التنويه عن عرضه فى رمضان هذا العام،وتدور قصته حول موظف تنتابه فكرة مجنونة بسرقة أكبر بنك إسرائيلى، فيجمع فرقته من الشباب ويبدأ العمل. ? وتؤكد الناقدة ماجدة خيرالله أن أعمال الدراما الخاصة بالجاسوسية ليست جديدة علينا، فقد كان هناك ما يقرب من خمسة أو ستة أعمال بعد مسلسل «رأفت الهجان» إلا أنها لم تكن بنفس القوة، لذلك قد ينساها البعض.. وأضافت أن دراما الجاسوسية بوجه خاص لديها الكثير من المقومات التى تجعلها قادرة على جذب الجمهور وفى الوقت نفسه تقديم مضمون جيد و لكن هذا مرهون بعدم العبث فى أحداث هذه الأعمال وتقديمها كما هى موجودة فى ملفات المخابرات. ? أما المخرج نادر جلال الذى أخرج مسلسل «عابد كرمان» ومن قبله «حرب الجواسيس» فأوضح أن مثل هذه الأعمال تعتبر واجبًا وطنيًا يجب أن تهتم الدراما بها لكن ليس كل عمل وطنى سيلاقى نفس النجاح الذى يريده البعض فلابد من الاختلاف فى شكل الكتابة والإخراج حتى ننجح. ?فيما قال السيناريست بشير الديك صاحب سيناريو المسلسل إن الفنانين المصريين اكتشفوا بعد ثورة يناير أنه كانت تتم محاربتهم من قبل النظام، لأن النظام كان يعادى الوعى حتى لا نرى أعداء الخارج حتى جاءت ثورة يناير المصاحبة للتنوير ولتحرير العقل العربى. وأكد أن عرض المسلسل هذا العام أفضل كثيرًا من عرضه العام الماضى الذى كان يتسم بالزحام الدرامى الشديد، مشيرا إلى أن الظروف الآن تغيرت فى مصر وتجب عودة الأشياء إلى أصلها وموافقة الرقابة على السماح بعودة المشاهد المحذوفة من مسلسل عابد كرمان. موضحا أن الشباب اليوم فى حاجة ماسَّة إلى أعمال تزرع فيهم روح الوطنية والأمل من جديد، لافتا إلى أن نسبة المشاهدة العالية التى تحققها دراما الجاسوسية تؤكد أن الشباب العربى لديه رغبة قوية للاطلاع على بطولات الأجيال السابقة وقصصها. واكد الديك أن هذه الأعمال تتطلب مهارة خاصة فى الكتابة، وتعتبر من أصعب أنواع الدراما نظرا إلى اعتمادها على الإثارة والتشويق طوال أحداثها فضلاً عن ذلك فمن يتصدى لكتابتها يجب أن يكون ملمّا بأحدث الدراسات والأبحاث والآراء التى كُتب عنها كما يجب أن يكون مدركا جيدا للزمن الذى كتبت فيه. فيما يرى المخرج تيسيرعبود أنه مع تزايد حجم الانتاج الدرامى وعدد المسلسلات التى يتم تقديمها خلال السنوات الماضية، كان من الطيعى أن يزيد عدد مسلسلات الجاسوسية،وهى ليست موضة بقدر ما هى فن واقعى يبحث عنه الجمهور ويحب أن يشاهده، وأنا أشبهه بفاكهة الدراما التى لابد أن نجدها كل عام. ? من جانبه قال السينارست أحمد عبد الفتاح إن انتشار موجة الأعمال المخابراتية فى الفترة الأخيرة السبب فيه أن هناك بعض المنتجين أخذوا الموضوع تجارة، فتحول الأمر من قصص واقعية إلى حواديت لذا اختلف الأمر ومن ثم حدثت بعض المشاكل بين بعض الأعمال والجهات السيادية فى الدولة. ? وقال الدكتور والناقد حسين عبد القادر إن ما نريده الآن صناعة دراما فاضحة لمشروع الاستعمار الاستيطانى وليس تسطيح الصراع فى كونه صراعاً دينياً أو فى أساطير مثل بروتوكولات حكماء صهيون واكد أنه حان الوقت بعد ثورة يناير العودة إلى القضية الأصلية وأن ندحض ما تروج له الصهيونية العالمية ونسف فكرة الدولة المزعومة وطالب كل القنوات بفتح أبوابها أمام هذه الأعمال لتوضيح ملامح العدو وطباعه وتاريخه والقوى التى تسانده أما الناقد طارق الشناوى قال إن الأعمال الدرامية التى تتطرق لعلاقة مصر بإسرائيل تقدم الصورة النمطية لليهود وليست الصورة الحقيقة كمسلسلات العام الماضى فى حين أننا كعرب لا مشكلة لدينا مع اليهود بل مع السياسات الإسرائيلية العنصرية. ويؤكد الشناوى أن أحد الأسلحة الإعلامية التى يستخدمها اليهود ضد العرب فى الدول الغربية هو تصويرنا كأننا نعادى الديانة اليهودية وننتقص منها. وأوضح أنه لابد من وجود أعمال تزيد وعى الجمهور بالأعمال الإسرائيلية الصهيونية ومخططاتهم. ويضيف أن العمل الذى يقدم لمحة فارقة فى تاريخ الأمة سيكون هو الأفضل وأكد الشناوى أن موجة المسلسلات الجاسوسية التى نشهدها حاليا وإقبال الجمهور عليها بغض النظر عن المضمون الموضوعى يعود إلى أن هذه الدراما تلعب دورا تنفيسيا تفرغ غضب الجماهير من حالة الإحباط التى تعيشها. أما الناقدة خيرية البشلاوى فإنها تؤكد أن معظم أعمال دراما الجاسوسية وثقت للنجاحات التى حققها رجال المخابرات على جهاز الموساد الإسرائيلى واختراق تحصناته الأمنية وإذا كانت شخصيتا رأفت الهجان وجمعة الشوان عاشتا فى ذاكرة الناس ووجدانهم فإن المحاولات الدرامية الأخرى تكاد تكون جميعها قد باءت بالفشل لأنها مثل الدراما الكوميدية فإما أن تحقق نجاحاً عالياً فى بناء الشخصيات وتناول الأحداث والوقائع بالغة الحساسية أما تسقط فى المبالغات سواء فى تقديم صورة العدو أم الصديق وأكدت البشلاوى أن مثل هذه الأعمال التى ترصد قضايا مهمة من الأفضل لها أن تعرض خارج رمضان حتى تأخذ حقها من النقد والتحليل والمشاهدة وطالبت بتقديم المزيد من هذه الأعمال التى ترسخ معانى الوطنية والشهامة عند الشباب العربى.