يتابع المشاهد فى رمضان حلقات دراما الجواسيس «عابد كرمان» من بطولة النجم السورى «تيم حسن» الذى اشتهر بدور الملك «فاروق»، المسلسل الذى كان من المفترض أن يُعرض فى العام الماضى من إخراج «نادر جلال»، والحلقات مأخوذة عن كتاب «كنت صديقاً لديان» الذى ألفه «ماهر عبد الحميد» عن قصة من ملفات المخابرات المصرية، وكنا نتابع هذه الحلقات بشكل كبير فى الطفولة عند نشرها فى مجلة «آخر ساعة» طبعاً من المبكر جداً أن نقوم بتقييم عمل لم ينته بعد، ولكن من الأفضل أن نفتح ملف «دراما الجواسيس» فى التليفزيون لنبحث عن أسباب جاذبية هذه الدراما، وأسباب تذبذب مستواها ما بين السذاجة والنضج. أتذكر فى بداية السبعينات، أن الإثارة كانت من خلال حلقات تليفزيونية فيلمية بعنوان «جاسوس على الطريق» من بطولة «زيزى البدراوى» و«يوسف شعبان» و«إبراهيم خان». أتصور أنه كان عملاً جيداً يُجبرنا دائماً على متابعته، كما أن أبطاله كانوا من الشجاعة فيما يتعلق بقبول وإتقان دور الجاسوس الخائن للوطن فى حين رفضت نجمة مُخضرمة مثل سعاد حسنى دور «عبلة» فى فيلم «الصعود إلى الهاوية»، فلما قبلته «مديحة كامل» أصبح سبباً فى شهرتها وانتقالها إلى خانة نجمات الصف الأول، ولكن القفزة الكبرى بلا شك كانت مع مسلسل «دموع فى عيون وقحة» بطولة «عادل إمام» و«معالى زايد» و«محمود الجندى» وإخراج «يحيى العلمى» وسيناريو وحوار «صالح مرسى»، كان أفضل ما قدمه المسلسل عرض شخصية «جمعة الشوان» أو «أحمد الهوان» بكل طبيعتها البشريّة بدون إضفاء لحالات ملائكية، ومع نجومية «إمام» وملاءمة «معالى» و«الجندى» لدوريهما، ومع موسيقى «عمار الشريعى» أصبح العمل راسخاً فى أذهان مشاهديه رغم أن هناك مشاهد تؤكد أن الإنتاج لم يكن قوياً خاصة فى لقطات المجاميع، أما مسلسل «رأفت الهجان» للثنائى «صالح مرسى ويحيى العلمى» وبطولة «محمود عبد العزيز» فقد حقق شهرة أكبر رغم أنه أقل فنيا بكثير سواء من حيث السيناريو الممطوط أو فى عدم ضبط الديكورات والملابس خاصة فى مشاهد إسرائيل، ولكن المسلسل فتح شهية الجميع لتقديم دراما الجواسيس سواء فى السينما أو فى التليفزيون الذى قدم عملاً مهماً لم يأخذ حظه من المشاهدة هو «السقوط فى بئر سبع» وهو آخر أعمال الراحل «نور الدمرداش» كمخرج، وقام باستكمال مونتاجه زميله الراحل «أحمد توفيق»، وهو أيضاً مأخوذ عن ملفات المخابرات العامة ولعب فيه «سعيد صالح» و«إسعاد يونس» دورين فى منتهى الصعوبة لأب وأم يمارسان التجسس باحتراف، كما توالت الأعمال التليفزيونية متفاوتة المستوى سواء بين نجوم الجيل القديم «نور الشريف» مثلاً وحلقات «الثعلب» مع «إيمان»، أو فى الأجيال الجديدة «مصطفى شعبان» وحلقات «العميل 1001»، و «منّة شلبى» وحلقات «سامية فهمى». سرّ جاذبية دراما الجاسوسية هى أنها مثالية فى تقديم التشويق والإثارة مع عرض وجهات النظر السياسية والوطنية واستغلال تنوع أماكن التصوير فى تقديم مشاهد ثرية بصرياً، وهى أيضاً فرصة رائعة للممثل لكى يقدم شخصية ثرية خاصة إذا كانت تعيش تحولات متنوعة ومُعقدة، وتعيش حالة حيرة وقلق وخوف وثقة وكلها أطياف من المشاعر والأحاسيس تُبرز القدرات والإمكانات، ولكن صعوبة هذه الدراما فى قدرتها على الإقناع سواء بالزمن الذى وقعت فيه، أو بالأحداث نفسها دون استغراق فى إضفاء بطولات زائفة تثير السخرية، مع ضرورة دراسة المؤلف لعالم الجاسوسية وآليات العمل به وتفصيلاته الدقيقة، وتستطيع بتطبيق هذه العناصر أن تكتشف بنفسك ما إذا كان «عابد كرمان» فى ثوبه التليفزيونى الرمضانى خطوة على الطريق السليم أم أنه خطوة ولكن إلى الخلف!