كنت قد بدأت بالكتابة عن ثورتى يوليو ويناير حيث اهتمت وسائل الإعلام بالربط بين الثورتين، والحديث عنهما، ولكن كان هناك الجديد على الساحة، والذى يجب أن يشار إليه أننا أصبحنا فعلاً أمة فى خطر أمام ما يحدث هذه الأيام. فقد فقدنا لغة الحوار، ولا تجد الآن إلا لغة التخوين والاتهام، والخبر الواحد تسمعه بعدة روايات تختلف اختلافاً بينَّاً، ولا تعرف من تصدق فمثلاً شادى الغزالى حرب قال عن من منع دخول الموظفين مجمع التحرير إن من قام بهذا بلطجية الشرطة أرسلتهم لإثارة المشاكل، و ثائر آخر «عمرو الوزيرى» قال إن الذى منع الموظفين من دخول المجمع نشطاء سياسيون لأن لهم أقارب معتقلين.. الاثنان من شباب الثورة، فالرواية مختلفة ثم تأتى مأساة العباسية، البعض يتساءل لماذا اختير يوم 23يوليو عيد ثورة الجيش للتحرك؟ البعض وضع علامات استفهام.. ولماذا مهاجمة الجيش فى مناطق عديدة؟. الاتجاه لوزارة الدفاع فى مصر، والمنطقة العسكرية الشمالية فى الإسكندرية، فالروايات تتضارب لشهود عيان وقصص مختلفة تماماً. أحد شباب الثوار فى الاسكندرية روى قصة بصفته مشاركًا فى الأحداث بأنهم خرجوا إلى مقر الجيش الميدانى فى المنطقة الشمالية، وبدأوا فى الهتاف ضد المجلس العسكرى، ثم قام فريق بقطع الطريق وحاول واحد من الأهالى اجتياز الطريق بالسيارة فمنعوه فاشتبك معهم، وانضم إليه أهالى الحى وحدثت معركة بين جانبين تبادلوا فيها رمى الحجارة والزجاجات، ولما استمرت المعركة تدخل الجيش لفض الاشتباك والغريب أن الشاب يصف تدخل الجيش بالعنيف، وإن امتنع اتهم بالتخاذل، ولا يعيب على المعركة بين المتظاهرين والأهالى.. وعدم اتخاذ موقف، ويضيف الشاب أن ثلاثة من المتظاهرين أعلنوا أنهم سينتحرون إذا لم يستجب الجيش لمطالبهم، وأن فتاة أصرت على أنها ستنتحر فوراً إذا لم تجب مطالبهم الآن وفى الحال، هل هذا منطق أو عقل؟ لقد دخلوا إلى مقر المنطقة الشمالية لعرض مطالبهم فلما تأخروا سرت شائعة أنهم احتجزوا فثار الثوار فى الخارج فطلب الجيش منهم الخروج فرفضوا، ويقول إن الجيش أصر على إخراج زملائهم بالقوة هذا ما قاله شاب من الثوار لقناة الجزيرة هل هذا منطق مفهوم؟ والأسوأ ما حدث فى العباسية أن فصيلا معينا يصر على الخروج إلى وزارة الدفاع، وهو خطأ بين، فإنهم فى التحرير يستطيعون الضغط بدون إثارة مشاكل فمظاهرات الشوارع تعطل الانتاج فى الدولة. لقد هرب منا الاستثمار والسياحة والانتاج فلا نريد أن يهرب الإحساس بالأمان، وإصرارهم على المرور يومين متتاليين أدى إلى اشتباك مع الأهالى، وهناك أكثر من واحد من أهالى العباسية وصف المعركة التى دارت بين الجانبين ووقعت فيها إصابات ووصلت لثلاثمائة وكسرت محلات وأحرقت سيارات قناة الجزيرة ولن أقول القنوات المصرية لأن البعض يتهم القنوات المصرية بالانحياز مع أنها الآن أكثر انحيازاً للثوار. أخذت أقوال عدد من الأهالى الذين شاركوا فى تلك المعركة وقالوا انهم يحمون منازلهم وأسرهم. لصالح من يواجه المصرى المصرى؟! ونجد مزايدات غريبة من بعض القوى السياسية لكسب أرض لدى الشباب فأحد السياسيين يطلب التحقيق وهذا جيد، ولكن يقول إن الأقوال تعددت وهناك من يقول إن الجيش هو الذى كان يضرب المتظاهرين رغم أن الصور فى كل القنوات الفضائية تؤكد عكس ذلك فى حين أن كثيرين أعلنوا غضبهم من الجيش لأنه لم يتدخل من البداية لفك الاشتباك فالبرادعى يطلب من الجيش ايقاف عنفه، لا أحد ينظر إلى مصر إنما أصبحت مصر كعكة كل يسعى إليها، وأصبحت هناك حرب ميادين، التحرير به 160 ائتلافا و34 حزبا لا نعرف أسماءها، ولم نعد نعرف الثائر الحقيقى من المنتفع! من كثرة الأفراد الذين يظهرون فى التوك شو ويقولون إنهم ثوار، وأخشى أن يحدث انفصال بين الثوار والشعب فمع البداية كان التحريرهوالشعب، ولكن كثرة الخلافات والصراعات والمزايدات بمن ركب الثورة واستفاد منها وأصبح يقول إنه وحده يعبر عن الشعب، وقد بدت هناك فجوة، وارجع إلى الشريط الإخبارى فى قنوات التليفزيون الذى يبدى المصريون فيه آراءهم ستجد ان هناك من بدأ يهاجم الثورة ويعتبرها مسئولة عن توقف الحياة فى مصر، نرجو من الشباب الذى أحبه الجميع ومازلنا ألا يضيع مطالبه العادلة بالدخول فى صراعات جانبية، نريد الثوار والجيش يدا واحدة، ونرجو أن تكون المطالب ممكنة ومعقولة فلا يعقل من دولة تبحث عن المنح من الآخرين أن ترفع المرتبات الآن وفوراً وفقاً للمطالب 1200جنيه وكما قرأ نا فى الصحف لا السعودية ولا قطر ولا أية دولة عربية أرسلت فعلاً ما وعدت به والبنك الدولى يضع شروطا، والغريب أن دول الخليج تعين التيارات الدينية، وأمريكا تدفع 40 مليونا وهذا هو المعلن وما خفى كان أعظم للمساعدة على تحقيق الديمقراطية، وذكر السيد البدوى رئيس حزب الوفد أن أوروبا ساهمت ب 20 مليونا أخرى لنفس الغرض. لمن ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا؟ ولقد ذكرت إحدى الناشطات وتدعى سوزان من ائتلاف قهوة مصر أن شخصاً فى ميدان التحرير اسمه محمود لا تعرف هويته كل همه تحريض الناس والدعوة إلى خروج المظاهرات خارج الميدان. أما بالنسبة لقناة الجزيرة مباشر لماذا خصصت قناة لمصر؟ وهل تقبل قطر أن تخصص مصر قناة لقطر تتحدث عن الشأن الداخلى وترسل مراسليها لأحياء ومدن قطر لتستطلع رأى الناس فى حكومتها ومشاكل أهلها؟ ولماذا لم تخصص قناة لليبيا واليمن وسوريا؟ أما الموضوع الذى كنت أرغب فى الحديث عنه وسأضطر لعرضه بايجاز عن ثورتى يوليو ويناير فالبعض يذكر الشبه القوى بينهما ولكن فى الحقيقة هناك نقطتان بينهما تشابه - وما بعد ذلك فإن هناك اختلافا بيَّناً - أولاهما أن هناك من الأسباب ما دعت لقيامهما الفجوة الطبقية ووجود حاكم شابت سياسته العديد من التجاوزات وكلاهما انتهى بخلع الحاكم الملك ورئيس الجمهورية، وأن كلتيهما رفعت شعار العدالة الاجتماعية والحرية والقضاء على الفساد، ولكن هناك اختلافات بينهما فثورة يوليو لها قيادة محددة، تولت عن الشعب إدارة الدولة وهى ثورة عسكرية قام بها الجيش وأيدها الشعب، ثورة يوليو ألغت الأحزاب والنشاط السياسى وقصرته على حزب واحد، ومنعت التظاهرات بعكس ثورة يناير التى تسعى لإقامة ديمقراطية وحياة حزبية، واذا رأينا الدوافع وراء ثورة يوليو نجد أن مصر آنذاك كانت بها حياة سياسية وأحزاب أكثرها شعبية حزب الوفد وهو حزب الأغلبية وهناك تيارات فكرية وسياسية على الساحة بدأت منذ بدايات القرن الماضى تيار ليبرالى جانب منه شرق أوسطى يرى الاتجاه للغرب والاستفادة من خبراته فى مصر ومثل هذا الاتجاه أعلام كطه حسين وأحمد لطفى السيد، وتيار قومى وتيار دينى كان يمثله الإخوان وحزب مصر الفتاة، وتيار يسارى يمثله سلامة موسى ومحمود أمين العالم وأحمد حمروش ونبيل الهلالى ثم هناك القصر والملك، ولقد بدأ فاروق كملك واعد أحبه الشعب، ولكن بعد حادثة فبراير وفرض وزارة الوفد بقوة الانجليز، وتعرض عرشه للخطر أحاطت به حاشية سيئة منهم بوللى الايطالى وإلياس اندراوس وغيرهما، وازدادت الفجوة الاجتماعية بين الأثرياء وأصحاب الاقطاعات والطبقة الدنيا، ثم رأسمالية أجنبية أغلبها يهودية تسيطر على مصر، ولو تجولت آنذاك فى شارع فؤاد ( 26يوليو ) لوجدت أن كل المحال يهودية كشيكوريل وشملا وبنزيون وعدس وريفولى الخ والصيدليات دلمار والمقاهى كجروبى، وأذكر أن مارسيل شيرازى وهو كاتب شيوعى مصرى يهودى طرد من مصر لا لأنه يهودى بل لأنه شيوعى، حيث قال إن صديق له زار مصر بعد اتفاقية السلام، وإنه قابله وسأله عن أحوال مصر فقال له: زفت، لما تمشى فى شارع فؤاد ما تلقيش إلا مصريين. مما يؤكد أن الشارع التجارى يسيطر عليه الأجانب، وكانت الشركات الأجنبية لا تستخدم العمالة المصرية لذلك فإن قانون 47 أجبرهم على جعل 90% من العمال مصريين و75% من الموظفين مصريين ثم جاءت حرب 48 والهزيمة التى لحقت بالجيش وقضية الأسلحة الفاسدة التى أثارها الكاتب احسان عبد القدوس واتهم الملك بتقاضى عمولة حيث تم شراء أسلحة غير صالحة من بقايا الحرب العالمية الثانية، وكان عبد الناصر قد بدأ الدعوة لعقد اجتماعات مع الضباط الشبان من عام 1942 ولقد سارعت بعض الأحداث للقيام بالثورة ففى 25 يناير اعتدى الانجليز فى الاسماعيلية على الشرطة ثم وقع حريق القاهرة 26 يناير وحمل مسئوليته آنذاك أحمد حسين رئيس مصر الفتاة، ووجهت أصابع الاتهام إلى فئات عديدة، ومع قيام ثورة 1952 تم عزل الملك والتنازل لابنه عن العرش واعلان مجلس وصايه، وفى العام التالى ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية، وكانت هناك فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات فى خلالها يعهد بالسلطة التنفيذية والتشريعية للبلاد لمجلس قيادة الثورة المكون من 13 أغلبهم من دفعة جمال، ومع إلغاء النظام الملكى أصبح محمد نجيب رئيساً للجمهورية، وبدا الخلاف بينه وبين عبد الناصر المحرك الفعلى للأمور، وكان قد صدر قانون تنظيم الأحزاب السياسية، واعادة فرض الرقابة على الصحف وتعليق دستور 1923، ولقد عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وأصبح عبد الناصر رئيساً للوزراء، وهو ما يعرف بأزمة مارس، ولكن مع وجود مؤيدين لنجيب عاد ثانية للحكم، وأعلن عن انتخابات قادمة، وإنشاء جمعية تأسيسية وحرية الصحافة لكن مؤيدى عبد الناصر - وكان له أنصاره فى النقابات - قاموا بعزل نجيب، وتحديد إقامته وتولى عبد الناصر الأمر فهنا الثورة لها قائد وعقل مفكر له كاريزما خاصة، أما عن ادارة الامور فكانت هناك الأحزاب السابقة، والاخوان الذين أيدوا الثورة ويقال إن عبد الناصر قام بتدريب بعض الأفراد منهم على السلاح، وأن عبد المنعم عبد الرؤوف أحد الضباط الأحرار هو الذى عرفه بهم قبل الثورة، كان عبد الناصر من العسكريين السياسيين فلقد كان أيضاً على صلة بالتنظيمات الشيوعية، ومن المؤكد ان لعبد الناصر أسلوبه الحازم فى مواجهة المشاكل وإن كان انتهى بالقضاء على الوجه الديمقراطى فعند قيام العمال فى كفر الدوار بإثارة المشاكل عام 1952 قدمتهم الثورة لمحاكمات انتهت بإصدار الإعدام على البقرى وخميس، وأعلنت حركة الجيش ميلاد هيئة التحرير رسمياً وهو تنظيم مساند للنظام، ولكن هذا تطلب منها القيام بحركة اعتقالات تمهيدية فى 20 يناير 1953 اشتملت على 102 منهم 48 شيوعياً و15 من الأحزاب المنحلة وعلى رأسهم فؤاد سراج الدين وابراهيم طلعت و39 آخرون واتهموا بالاتصال بعناصر أجنبية، وكان قد تم حل الأحزاب، واعتقل بعض الضباط الذين تآمروا على النظام الجديد، وفى عام 1954 تم توقيع عقوبة الحرمان من الوظائف العامة ومن كافة الحقوق السياسية وتولى إدارة النقابات والهيئات لمدة عشر سنوات لكل من سبق أن تولى الوزارة قبل الثورة ، وقدم رموز النظام السابق للمحاكمة، وحل مجلس نقابة الصحفيين. أما الإخوان فكانت لهم طموحاتهم تجاه الثورة وجرى نقاش حول اقتسام السلطة وأرادوا وضع نوع من الوصاية وهو ما لم يوافق عليه مجلس قيادة الثورة.