بعد أن أعلن الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزى» عزمه الترشح لفترة رئاسة ثانية.. اتضحت أولى الخطوات التمهيدية لمنافسيه لخوض الانتخابات الرئاسية التى سوف تجرى فى عام 2012. ليبدأ السباق مبكرا للحيلولة دون فوز الرئيس الحالى بفترة حكم ثانية. إذ أنه فى حال عدم فوز «ساركوزى» سيكون أول رئيس فرنسى يخفق فى الحصول على فترة رئاسة ثانية. الأمر الذى دفعه إلى الإعلان أمام النواب، وأعضاء مجلس الشيوخ الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبية» قائلا: «كما تعلمون فإننى هنا لولايتين لا أكثر.. سأظل معكم لمدة سبع سنوات ونصف السنة لأقدم لكم أفضل مستقبل». فإن «ساركوزى» الذى انتخب رئيسا للبلاد فى عام 2007 هو نفسه الذى دفع لتعديل الدستور فى عام 2008 حتى تصبح عدد الولايات الرئاسية المتتالية ولايتين. فى المقابل وأمام هذا التحدى سارعت المنافسة الاشتراكية السابقة فى انتخابات الرئاسة الفرنسية «سيجولين روايال 57 عاما بالإعلان أمام وسائل الإعلام أنها ستخوض الانتخابات الرئاسية فى عام 2012.. هذا خاصة أن حزب اليمين الحاكم يقوم بالفعل ومن الآن بحملته الانتخابية. كما أن لائحة المرشحين للانتخابات الرئاسية فى ربيع عام 2012 بدت طويلة، وفى حالة عدم ترشح «ساركوزى» قام الحزب الحاكم بطرح عدة أسماء من بينها الوزير السابق وعمدة «بوردور» الحالى «آلن جوبيه» ورئيس الوزراء الحالى «فرانسواه فيون» وسكرتير عام حزب اليمين الحاكم «جون فرانسواه كوبيه» وكسافيه برتران العضو بالحزب الحاكم. قضايا شائكة/U/ فبعد عامين ونصف العام من توليه الحكم اهتزت صورة الرئيس الفرنسى الحالى بشكل ملحوظ حيث أوضحت استطلاعات الرأى أن هناك 60% من الفرنسيين لن يصوتوا من أجله، و22% كان رأيهم فيه سلبيا. ومنذ فضيحة «فردريك ميتران» المالية وإخفاق ابن الرئيس فى تولى أعلى منصب على رأس أكبر مؤسسة اقتصادية فى البلاد «لباد» فى منطقة «لاديفونس» الأمر الذى آثار غضب الفرنسيين ليس فقط لكونه ابن الرئيس ولكن لأنه أيضا لم يكمل دراسته الجامعية بعد، الشىء الذى جعل من شعبية ساركوزى فى تدن مستمر. كما أوضحت الدراسات أن هناك ستة أفراد من بين عشرة لن يجددوا ثقتهم فى رئيس الدولة، معظمهم من الموظفين والكوادر الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى وذلك على خلاف الآخرين أصحاب الرواتب العليا وأصحاب الثروات الكبرى. ولم ينس الفرنسيون أنه عندما تقدم الرئيس السابق «جاك شيراك» لفترة رئاسة ثانية وكان عليه مواجهة الحزب اليمينى المتطرف فمن صوت له وجاء بالفوز هم الاشتراكيون. لذلك احتل «دومنيك شتراوس» عن الحزب الاشتراكى قائمة المرشحين فى سباق الإليزيه مع حصوله على ترحيب غالبية الفرنسيين. وفى استطلاع للرأى نشر فى صحفية «ليبراسيون» تبين أن 44% من الفرنسيين فيه رئيس فرنسا القادم هذا بعد أن حصل ساركوزى على نسبة 24% وأن 55% من الفرنسيين يتمنون فوز الحزب الاشتراكى. فإن رغبة الفرنسيين فى عودة اليسار إلى الحكم كان مرجعه أولا تحدى ومواجهة رئيس الدولة خاصة بعد اندلاع عدة فضائح شهدتها الساحة الفرنسية، وكان على رأسها فضيحة «ليليان تبنكور» ومأساة «كراتشى» التى راح ضحيتها مواطنون فرنسيون أبرياء. وذلك أملا فى محاولة إيجاد حلول لعدة قضايا شائكة مثل قانون المعاشات الذى أثار ضجة كبرى بالبلاد، مع الإصرار على عودة فرنسا لاحترام أخلاقيات السياسة داخليا وخارجيا. أما «سيجولين روايال» التى شبهت نفسها ب «جان دارك» الحزب الاشتراكى، فقد هاجمت حزبها لتردده فى الوقوف ضد «ساركوزى» وخاطبت الشعب الفرنسى مؤكدة أنه لابد من «الاستماع إلى فرنسا» ومع الصعوبات التى تواجهها داخل حزبها الذى يرى أنها لم تعد المتمردة الفرنسية التى تنشدها البلاد كأول رئيسة امرأة محتملة، أعلن رئيس الحزب الاشتراكى «مارتين أوبرى» ضرورة تهدئة التوترات بسبب مطالبة الأعضاء الاشتراكيين بعودة رئيس الصندوق الدولى ووزير المالية السابق «دومنيك شتراوس» من واشنطن على اعتبار أنه صاحب شعبية وأفضل أمل لسحق «ساركوزى». وفى كتاب بعنوان «ساحر الإليزية» قدم الكاتب «فرانسواه بازان» سيرة ذاتية للمستشار السياسى ل «ميتران» و «شيراك» الراحل «جاك بالان» الذى توفى فى عام 1998 تاركا خلفه استراتيجية سياسية ناجحة استفاد منها «ميتران» فى إعادة انتخابه فى عام 1988، وكذلك «شيراك» فى عام 1995. تلخصت هذه الاستراتيجية فى عدة نقاط مهمة تدور حول شخصية «ساركوزى» من حيث نقاط الضعف المتمثلة فى سرعة الانفعال والنرجسية الرئاسية. طرح الكاتب كيفية الاستفادة من استراتيجية المستشار «بالان» إذ على منافس «ساركوزى» تطبيقها مع مراعاة أولا: تكرار حديث الرئيس عن القطيعة ومشكلة الهجرة، ذلك الخيط الذى التقطه رئيس الوزراء السابق «دومنيك دى فلبان» رئيس الحزب الجديد «الجمهورية المتضامنة».. منافسه الشرس على مقعد الرئاسة فراح يتحدث عن الهوية الوطنية وضرورة عودة فرنسا إلى قيم الجمهورية هذا بدلا من الانقسامات والتصدع داخل المجتمع الواحد. إلى الشباب/U/ ثانيا: على خلاف ما فعله «ساركوزى» فى عام 2007 حين حصل على 65% من أصوات الناخبين من هم فوق سن الستين عاما. فعلى المنافس الجديد توجيه حديثه إلى الشباب بحكم أنهم قوة ضاربة وحل مشاكل الإسكان والبطالة وتوفير فرص جديدة للعمل وتطوير نظام المدارس والجامعات. ثالثا: عندما لعب «ساركوزى» على وتر مشاعر الخوف عند الفرنسيين فبالغ فى الحديث عن انفلونزا الخنازير وخطورة النقاب على المفاهيم الفرنسية. فعلى منافسه البعد عن هذه النغمة بمنح الفرنسيين أملا جديدا فى الحياة عن طريق الرغبة الجادة فى الإصلاح وإلقاء الكثير من الضوء على مشاعر التفاؤل والتضامن داخل المجتمع بمختلف طوائفه. رابعا: عندما اختار «ساركوزى» أن يبدو شخصا عاديا له أخطاؤه وتجاوزاته بعيدا عما يجب أن يكون عليه سلوك رئيس الدولة. فعلى منافسه الجديد أن يثبت العكس، ليبدو فريدا من نوعه بعيدا عن الصراعات والمشادات الكلامية خاصة فى مواجهة وسائل الإعلام. إذ المطلوب أن يتحدث قليلا بل ونادرا حتى يعطى نفسه الشرعية الدولية. خامسا: على المنافس أن يكون هادئا متفاعلا وكريما يستمع إلى الشباب بصدر رحب دون تمييز عنصرى. إذن فمن يرد الفوز بمقعد الرئاسة القادم فعليه أن يفعل عكس ما فعله رئيس الدولة.