عادة ما ينظر لمذكرات الرئيس الامريكى على انها منجم الأسرار التى تكشف ما حدث خلف الكواليس فى المكتب البيضاوى طوال فترة رئاسته، خاصة ان الجميع يعلم بأن القابع على عرش البيت الابيض لا يحكم فقط اقوى دولة فى العالم ولكن قراراته تؤثر فى الكرة الارضية كلها، فما بالنا بمذكرات جورج بوش الابن التى زخرت فترة رئاسته بأهم الاحداث التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة بداية من احداث 11 سبتمبر إلى الحرب العالمية على الارهاب وغزو العراق وأفغانستان إلى فضائح جوانتانامو وسجن أبو غريب وأخيراً الازمة الاقتصادية التى ادت إلى انهيار شعبية الرجل الذى ينظر اليه الجميع بأنه أقل الرؤساء شعبية فى تاريخ أمريكا.. مذكرات بوش التى تحمل عنوان «نقاط القرار» كشفت العديد من الأسرار والمفاجآت ودافع فيها بوش عن نفسه أمام سيل الانتقادات التى يوجهها له الجميع، وأهمها بالطبع قراره المثير للجدل بغزو العراق والذى يؤكد أنه شعر بالصدمة عندما لم يعثر على أسلحة الدمار الشامل فى العراق والتى كانت الحجة الرئيسية التى تذرع بها بوش للغزو ومع ذلك فهو مازال مصراً على أن أمريكا والعالم أكثر أمانا بعد الاطاحة بصدام حسين. المفاجأة الكبرى التى فجرها الكتاب هى اعلان بوش انه فكر فى إقالة نائبه ديك تشينى الرجل الذى كان ينظر اليه الجميع على أنه المحرك الرئيسى للأحداث فى واشنطن وأنه الحاكم الفعلى فى البيت الابيض وذكر بوش أن تشينى عرض عليه خلال مأدبة غداء فى عام 2003 الانسحاب من بطانته الانتخابية لانتخابات الرئاسة عام 2004، ويؤكد بوش فى مذكراته انه فكر فى الأمر حتى يثبت للجميع أنه صاحب القرار، وبالفعل تلقى طلباً من السيناتور «بيل فريست» لكى يكون نائبه فى الانتخابات ولكنه فى النهاية رفض الفكرة. الأمر نفسه تكرر مع وزير دفاعه دونالد رامسفيلد الذى يشير بوش أنه فكر فى إقالته مع بداية تكوين فريقه للأمن القومى لفترته الرئاسية الثانية عام 2004 إلا أنه على حد وصف بوش فإن الأمر لم يكن سهلاً وتكرر الأمر بعد سنتين مع تدهور الأوضاع فى العراق بعد ان طالب عدد من الجنرالات المتقاعدين بإقالة وزير الدفاع فى 2006 ولكنه رفض أيضاً لأنه اعتبر الأمر كأنه انقلاب عسكرى إلا أن بوش خضع فى النهاية بعد الهزيمة الساحقة التى منى بها حزبه الجمهورى فى انتخابات الكونجرس فى نفس العام والتى بدا واضحاً أن رامسفيلد كان أحد أسبابها. الطريف أن الكتاب أثبت أن بوش كان كما يؤكد المراقبون آخر من يعلم فى البيت الأبيض وأن السلطة كانت فى يد تشينى ورامسفيلد والآخرين من صقور المحافظين الجدد وأن الرئيس كان يعرف الأخبار من التليفزيون مثله مثل بقية الأمريكيين. ففى حديثه عن فضيحة سجن أبو غريب ذكر بوش أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عن فداحة ما حدث خاصة أن كل ما اخبره به وزير دفاعه أن هناك تحقيقات تجريها وزارته عن حدوث مجرد «تجاوزات» فى السجن، ولم يكتشف بوش بشاعة ما حدث إلا عندما تمت إذاعته للمرة الأولى عبر برنامج 60 دقيقة ووقتها نبه على مساعديه أنه لا يريد أن يؤخذ على حين غرة مجدداً ولكن الأمر تكرر خلال الأزمة الاقتصادية التى فوجئ بها بوش هى الأخرى. أخطر ما جاء بالكتاب هو اعتراف بوش بأنه أعطى الضوء الأخضر لعملاء وكالة المخابرات الأمريكية لاستخدام وسائل التعذيب عن طريق الايهام بالغرق للحصول على معلومات من المتهمين بالإرهاب خاصة خالد شيخ محمد المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر وهو الاعتراف الذى يمكن أن يقود بوش نفسه للوقوع تحت طائلة القانون بحسب تأكيدات عدد من المنظمات الحقوقية الأمريكية، على الرغم من تأكيد بوش أن استخدام هذه الوسيلة قانونى وأن المعلومات التى تم الحصول عليها من خلالها قد أنقذت أرواح الأمريكيين الذين كانوا من الممكن أن يكونوا ضحايا عمليات إرهابية أخرى. أسوأ اللحظات فى تاريخ بوش الرئاسى كانت عندما اتهمه مغنى الراب الشهير «كانى ويست» بأنه لم يهتم بضحايا إعصار كاترينا لأنهم من السود وأوضح بوش انه شعر بالاشمئزاز من هذا الاتهام الذى يشير إلى أنه عنصرى مشدداً على أن هذا بعيد تماماًً عن الواقع، معترفاً فى الوقت نفسه بخطأ إدارته فى التعامل مع الأزمة وأنه كان عليه التدخل على نحو أسرع مما حدث مشدداً على أنه حاول إقناع «كاثلين بلانكو» حاكمة ولاية لويزيانا التى وقع فيها الإعصار بإرسال قوات فيدرالية للانقاذ ولكنها رفضت.