تحولت التحركات الخاصة بالتسوية السياسية بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى إلى ما يشبه مزادات الأسواق، حيث كثرت التصريحات ومحاولات خدمة المواقف الأساسية لاسيما مع جمود الاتصالات الفعالة المباشرة إلا من بعض التصرفات الثنائية، فى وقت يقدر فيه الجميع نقاط التماس مع استراتيجية وحركة القوى الكبرى ولاسيما الولاياتالمتحدة تجاه المنطقة بأسرها. البداية من واشنطن التى حرصت على إلقاء المزيد من المسئولية على الأطراف المباشرة وإن اتبعت نوعا من الحياد العام بين الطرفين فيما عدا بعض التحديدات والتى تمثلت فى تأكيد موقف واشنطن الرافض للاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى العربية من جهة، وإظهار التزامها بالمفاوضات المباشرة، وبالتالى فإن واشنطن حرصت على تحقيق قدر من الابتعاد الإيجابى عن الانغماس فى المفاوضات ذاتها فى وقت أكدت فيه أمرين أحدهما أن عملية الحوار قد تكون طويلة الأمد إلا أنها تتوقع أن يتم خلال عام التوصل إلى وضع إطار عام شامل للحل والثانى هو التأكيد على اهتمامها بالأمن الإقليمى للمنطقة واستقرارها وهى أساسيات جاءت من خلال: *ما وجهته وزيرة الخارجية الأمريكية للجانبين من تحذير بأنه لا توجد وصفة سحرية يتم من خلالها تسهيل المفاوضات. *البيان المفصل للخارجية الأمريكية فى 22 أكتوبر الجارى حول الالتزام بفكرة المفاوضات والموعد المحدد بعام للانتهاء خلاله من وضع إطار عام للمفاوضات، مع تأكيد أن الأمن الإقليمى فى المنطقة واستقرارها يرتكز على أنه عملية طويلة الأمد. وبالتالى فإن منطق واشنطن يشير إلى حث الأطراف المباشرة على ضبط مواقفها فى إطار يسمح بمزيد من الحركة الإيجابية مع ترك حرية الحركة لهذه الأطراف المباشرة على أن تراعى الأهداف والمصالح العامة لواشنطن فى المنطقة والتى لن تنتظر طويلاً من حيث التوقيت ولا تسمح بتجاوزات على حساب مواقف الطرف الآخر بما يمكن أن يعيق الوصول لنتائج مقبولة فى رحلة تثبيت مسيرة السلام. نعود للموقف الإسرائيلى الذى مازال يحافظ على قدرته فى المساومة من خلال موقفين أحدهما عام والآخر خاص اتضحا فيما يلى: أولاًً : اهتمام رئيس دولة إسرائيل بتأكيد حرص بلاده على علاقات جيدة مع الولاياتالمتحدة وأمله أن تتفهم حكومته مشكلات ومطالب واشنطن بشأن تحقيق السلام، مع إشارته إلى أن انهاء الصراع مع الفلسطينيين سيعزز الوضع الأمنى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وسيؤدى إلى المساعدة فى عزل إيران. ثانيا: استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلى فى تأكيد الاعتبارات الأمنية التى تقف وراء التركيز الإسرائيلى على أهمية التدقيق فى المسائل الخاصة بالأمن والتى يصعب بدونها انجاز التوصل لاتفاق أمنى واضح مع السلطة الفلسطينية، وهو ما يبدو من جانبه كمبرر لمظاهر الإرجاء فى الموقف الإسرائيلى من جهة لاسيما مع إشارته المتكررة إلى مراعاته السيطرة على اتجاهات الاستيطان كنقطة ما زال يغازل بها كلاً من الموقفين الأمريكى والفلسطينى لاسيما مع ظهور العديد من المواقف الأكثر تطرفاً فى هذه المجالات، وبالتالى يظهر نتانياهو نفسه كوسيلة سيطرة أكثر من كونه وسيلة تعطيل وإرجاء. تبقى أبعاد الموقف الفلسطينى الذى يحاول الرد على المناخ الحالى من خلال رسالتين: أ. استمرار بحث إمكانية التوجه للأمم المتحدة كجمعية عامه أو مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية فى حدود عام 1967 وذلك فى حال فشل المفاوضات، مع محاولة جس نبض الموقف الأمريكى بما يضمن إمكانيات نجاح تحركه فى هذا الاتجاه. ب. مواصلة جهود المصالحة بين فتح وحماس وتحقيق انفراجة فى الموضوعات المطروحة وخاصة تبادل زيارات العناصر القيادية والأمنية بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم ما يثيره ذلك من ردود فعل إسرائيلية ترى فى هذا التنسيق ما قد يخل بالموقف فى غير صالحها لاسيما فى ضوء ما يثيره من علامات استفهام حول علاقات بين حماس وإيران.