بعد أن أقر مجلس الشيوخ الفرنسى أخيراً القانون الجديد الخاص بنظام التقاعد.. مازالت الاضطرابات والاحتجاجات تعم كبرى المدن الفرنسية.. حيث أكدت النقابات العمالية الاستمرار فى التعبير عن غضبها خاصة بعد انضمام الطلبة لهذه التيارات التى تساندها قوى المعارضة. بدأت قصة التقاعد هذه، عندما قام الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزى» بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة فى عام 2007، حيث أعلن لناخبيه بوضوح أنه يستبعد أجندة إصلاح نظام التقاعد على المدى القصير، هذا مع إبقائه على لجوء الدراسة التمهيدية لذلك، ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية فى الفترة ما بين عامى 2008 و2010، وزيادة العجز فى الميزانية، اختلفت الحسابات العامة، حيث تبين أن هناك ضرورة لتمويل بند التقاعد بحوالى 25 مليار يورو فى عام 2020، هذا مع زيادة التوقعات التى حدثت فى عام 2010، وفى تقرير نشر أخيراً اتضح أنه فى عام 2050 على الدولة أن توفر للتقاعد حوالى مائة مليار يورو، الأمر الذى دفع الحكومة إلى التعجيل بمنهجها، ومن ثم الالتزام بقانون جديد يضمن إصلاح نظام التقاعد، ففى عام 2007 ارتفعت تأمينات الشيخوخة لتبلغ حوالى 228.6 يورو، و36.6 من هذه القيمة تمثل 52.2% من مجمل عدد أصحاب المعاشات الشىء الذى يتطابق و13% ويفوق المتوسط الأوروبى بصفة عامة. وقد سجل النظام التأمينى الاجتماعى عجزا فى الميزانية بحوالى 4.6 مليار يورو فى نفس هذا العام، وحوالى 5.7 مليار يورو فى عام 2008 وبعد الاضطرابات والاحتجاجات التى شهدتها فرنسا أخيراً، ارتفع معدل ذلك العجز إلى 35 مليار يورو بسبب من بلغوا سن التقاعد من مواليد فترة ما بين عامى 1945 و1950، أى من بلغوا الستين والخامسة والستين فى عام 2010. فما كان من مجلس الدولة إلا أن قدم فى يوم 14 أبريل الماضى تقريراً مفصلاً عن الوضع المالى لنظام التقاعد، وذلك كخطة للتقشف إثر الأزمة الاقتصادية فى عام 2008، ومن ثم المطالبة بسرعة التمويل اللازم، هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن ارتفاع معدل البطالة المتزايد فى البلاد سوف يقلل حتما من حصة الفرد. وفى يوم 16 مايو الماضى، قام وزير العمل الفرنسى «إريك وورث» بتقديم وثيقة تفيد بأن الارتفاع التدريجى لفترة الخدمة يمكن له أن يؤدى إلى ما أطلق عليه «صدمة ديموغرافية» بالبلاد، فسارع بالإعلان عن ضرورة تأخير سن التقاعد دفعة واحدة من ستين عاما إلى اثنين وستين عاما، وبالتوازى عندما قامت الأحزاب السياسية بالإعداد لمشروع آخر لنظام التقاعد، سارع الحزب الحاكم من جانبه إلى الإعلان عن زيادة ساعات العمل. القانون/u/ ويتلخص مشروع قانون إصلاح التقاعد الذى قدمه وزير العمل يوم 7 سبتمبر الماضى فى نقطتين: أولاً الارتفاع التدريجى على مدى ست سنوات للتقاعد فى سن الستين وحتى الثانية والستين، ثانياً ارتفاع سن التقاعد من سن 65 عاماً إلى 67 عاماً، أما النقاط الإضافية فتمثلت فى أن الذين يعملون منذ سن الرابعة عشرة يمكن لهم الإحالة إلى التقاعد فى سن الثامنة والخمسين، وفى حالة التقاعد لأسباب صحية يمكن تقديم شهادات طبية تفيد بذلك بنسبة عجز 20% حيث يمكن أن يتم التقاعد فى سن الستين عاماً، وأنه يمكن للفرد أن يحصل على ما بين 7.8% و10.55% من حصة المالية الخاصة بالتقاعد على مدى عشر سنوات، كما يمكن أن يتمتع بحذف سنتين من سن التقاعد لبعض الفئات المهنية الثقيلة التى تسمى ب «النشطة» ولا يمكن استخدام بأثر رجعى حصص عن الميزانية الاحتياطية للتقاعد إلا فى عام 2020 - مع تجميد ميزانية الدولة من أجل توفير التمويل، وكذلك امتداد فترة الحصص المالية من 41 عاما إلى واحد وأربعين عاما ونصف العام فى عام 2020. أثارت هذه الخطة الممتدة حتى عام 2020 العديد من الجدل والغضب من جانب النقابات العمالية، الأمر الذى كان له انعكاسات بالغة، حيث كان هناك حوالى 182% قد سددوا الاشتراكات فى عام 2006، و170% فى عام 2010، لتصبح النسبة فى عام 2030 حوالى 150%، وفى عام 2050 حوالى 121%، لتعم المظاهرات والاضطرابات أنحاء البلاد بما فى ذلك الحركات الطلابية، وليفتح ملف الفساد بصفة عامة فى البلاد على اعتبار أن هذه الأزمة الاقتصادية لا يتحملها كبار الأثرياء المتهربين من الضرائب، ولكن الطبقات الكادحة، ذلك فى ظل بداية اختفاء الطبقة الوسطى، الأمر الذى يعتبر فشلاً وتصدعاً كبيراً فى النظام الحاكم الذى طرح التهدئة، فإما تخفيض حصص التقاعد، وإحالة النساء من لديهم ثلاثة أطفال إلى المعاش، خاصة أنه طالما يعيش مدة أطول من ذى قبل، فعليه أن يعمل أكثر أى حتى الثانية والستين من العمر. تأثير اقتصادى/u/ فمن أكثر القطاعات التى تأثرت بسبب هذه الاضطرابات الأخيرة فى فرنسا هو قطاع النقل، إذ تكلفت الخسارة فى اليوم الواحد فى قطاع القطارات حوالى 20 مليون يورو، كما بدأت فرنسا مؤخراً فى استيراد الكهرباء وذلك بحوالى 5.990 ميجاوات، أى ما يعادل 6 مفاعلات نووية، ليصبح رقما قياسيا فى تاريخ البلاد، وفى مجال الصناعة بلغت الخسائر حوالى 175 مليون يورو، وفى قطاع الخدمات بلغت الخسارة 25 مليون يورو.. بينما فى عام 2007 وخلال إضرابات دامت 10 أيام كانت الخسارة قد بلغت حوالى 200 مليون يورو، والآن من المنتظر أن تزداد الخسارة لتصل إلى 400 مليون يورو يومياً. فما بعد استمرار الإضرابات فى جميع أنحاء فرنسا، وعلى الرغم من موافقة مجلس الشيوخ على قانون إصلاح التقاعد، إلا أن الحكومة الفرنسية ما زالت متمسكة بموقفها، ليعرض على البرلمان لتأكيد هذه الموافقة، يحدث هذا فى ظل توقف المصافى البترولية عن العمل والحيلولة دون توفير الوقود اللازم، حيث أجبرت الحكومة العمال على العودة إلى وظائفهم. كما انتقدت النقابات العمالية موقف الحكومة فى اللجوء إلى الشرطة لفض الاضطرابات، مؤكدين بذلك على استئناف واستمرار المظاهرات، والآن لا أحد يعرف بعد ما الذى يمكن أن تسفر عنه الأيام القادمة بعد أن فجرت تلك الأزمة الأخيرة مشكلات أخرى تتعلق بفضائح وفساد الأثرياء فى البلاد، وعمليات تهريب الأموال إلى البنوك السويسرية.