لم يكد العالم يخرج من أسوأ تباطؤ اقتصادى منذ الحرب العالمية الثانية وأزمات مالية ومعارك تجارية على أكثر من جهة حتى دخل فى غمار حرب من نوع آخر وهى حرب العملات.. التى بدأت مؤخراً عندما ضغطت الولاياتالمتحدة على الصين فى الأشهر الأخيرة لرفع قيمة عملتها حيث ترى واشنطن أنها مُقوّمة بأقل من قيمتها الفعلية بما يتراوح بين 25 إلى 40% الأمر الذى يمنح الصادرات الصينية ميزة تنافسية غير عادلة ويؤثر على الصادرات الأمريكية وفرص العمل وفى المقابل ترى بكين أنها مسألة سياسية بحتة لا يتعين لأى طرف خارجى التدخل فيها وتؤكد أنها ستمضى قدماً فى عملية إصلاح آلية سعر الصرف تدريجياً وبما يتفق مع ظروفها ومعطيات العرض والطلب بعيداً عن أى ضغوط خارجية. وتقوم استراتيجية تخفيض أسعار العملات على التلاعب بأسعار الصرف لإنعاش الاقتصاد ولو على حساب التعاون الدولى، وتزامن الحرب والخلاف المتعلق بسعر العملة بين الولاياتالمتحدة والصين مع مظاهر الركود الذى يشهده الاقتصاد الأمريكى وتباطؤ انتعاشه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس وفى الوقت الذى تمكنت فيه الصين من تحقيق فوائض ضخمة فى ميزانها التجارى مع الولاياتالمتحدة وتوسع اقتصادها يتعرض الاقتصاد الأمريكى للكثير من المتاعب. من جهتها حذرت الصين من أن سعر صرف «اليوان» يجب ألا يدفع ثمن المشاكل الداخلية الأمريكية فى حين حذرت «الادنكتاد» من أن العالم يتجه نحو «حرب عملات» أو أنها نشبت بالفعل إذ تحاول بعض الحكومات خفض سعر صرف عملاتها لجعل صادراتها أكثر تنافسية معتبرة أن خفض سعر العملة يؤدى إلى تعثر القدرة التنافسية ويعتبر سلاحاً ذا حدين فيما يتعلق بالاستثمار العالمى إذ أن اتباع سياسة خفض العملة من شأنه أن يجذب الاستثمارات الأجنبية ويعزز قدرة الصادرات على المنافسة إلا أن خفض العملة له آثار سلبية حيث إنه يتسبب فى تراجع قيمة أرباح الشركات من وحداتها الأجنبية مما سيقلل من جاذبية الاستثمار بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات. وحذر وزير الخزانة الأمريكى «تيموثى جيثنر» من أن التنافس على تخفيض سعر صرف العملات قد يؤدى إلى ضغوط تضخمية فى أسعار الأصول فى الاقتصادات الناشئة وسيحد من النمو الاقتصادى وسيزيد ظاهرياً حجم الصادرات دون فائدة حقيقية تنعكس على تحسن النمو الاقتصادى وقد طغت قضية حرب العملات على الاجتماع الوزارى لمجموعة العشرين الذى عقد الأسبوع الماضى فى «جيونج جو» بكوريا الجنوبية حيث تعهدت الدول العشرين بالامتناع عن أى تخفيض تنافسى فى سعر عملاتها مؤكدة أنها ستتجه إلى نظام تقوم فيه بتحديد سعر صرف العملات كما أنها ستسعى فى قمتها المقبلة فى مدينة سول بكوريا الجنوبية الشهر المقبل للتوصل لتسوية العديد من القضايا وعلى رأسها قضية عدم التوازن الاقتصادى وحرب العملات وهو ما فشلت فى التوصل إليه فى القمم الأربع الماضية فى واشنطن وبستنبرج ولندن وتورنتو. وترى مؤسسات اقتصادية دولية أن الخروج من المأزق الحالى يستلزم تبنى اتفاق دولى لتعزيز التعاون بين كافة القوى الاقتصادية فى العالم لاقتراح حلول فعالة تراعى مصالح كافة الأطراف بدلاً من تبادل الاتهامات بشأن الطرف المتسبب فى حالة عدم التوازن الاقتصادى الحالى على الساحة الدولية حيث تشكل اجتماعات دول المجموعة العشرين المقرر إجراؤها الشهر المقبل فرصة مواتية للتوصل إلى إجماع دولى بشأن ضرورة تعزيز التعاون لمواجهة حرب العملات بعيداً عن الإجراءات المنفردة. وتوضح المؤشرات الحالية أن كافة القوى الاقتصادية الدولية ومن بينها الولاياتالمتحدة والصين لن تستطيع حسم معركة العملات لصالحها بينما سيكون الاقتصاد العالمى هو الخاسر الأكبر من جراء تلك الحرب.