لا يمكن لمن هم على دراية بتعريفة سموت هولى، التى تمت الموافقة عليها فى عام 1930، أن يستسيغوا احتمال نشوب حرب تجارية بين الولاياتالمتحدة والصين. لكن يبدو أننا مقبلون على ذلك، وربما يجب علينا السير فى هذا الاتجاه. وبالرغم من أن تعريفة سموت هولى لما تسبب الكساد العظيم، فقد أسهمت فى زيادة حدته، عندما حفزت على القيام بردود فعل انتقامية واسعة النطاق. وتهدد المواجهة مع الصين بسبب الدعم الذى تمنحه لصادراتها بحدوث دورة مماثلة من ردود الأفعال الانتقامية، فى وقت مازال فيه تعافى الاقتصاد العالمى محدودا. لكننا لسوء الحظ مضطرون إلى الدخول فى هذه المخاطرة. وخلال عقد من الزمن، تحولت الصين من دولة ضخمة وفقيرة إلى عملاق اقتصادى. وبالرغم من أن متوسط دخل الفرد السنوى فى الصين (6600 دولار فى عام 2009) يبلغ سُبع نظيره فى الولاياتالمتحدة (46400)، فإن حجم الاقتصاد الصينى فى حد ذاته يمنح هذا البلد نفوذا متزايدا على الصعيد العالمى. وقد تجاوزت الصين اليابان هذا العام، وأصبحت ثانى أكبر اقتصاد فى العالم. وفى عام 2009، حلت الصين محل ألمانيا كأكبر دولة مصدرة فى العالم. كما أضحت فى العام نفسه أكبر مستخدم للطاقة فى العالم. وتتمثل المشكلة فى أن الصين لم تقبل قط بصدق القواعد الأساسية التى تحكم الاقتصاد العالمى. ذلك أنها تتبع تلك القواعد عندما تلبى مصالحها، وترفضها أو تعدلها أو تتجاهلها عندما تتعارض مع تلك المصالح. وتود جميع الدول، بما فيها الولاياتالمتحدة، لو تتصرف بالطريقة نفسها. وقد حاولت معظم الدول ذلك بالفعل. لكن مكمن الاختلاف يتمثل فى أن معظم الدول الأخرى تدعم شرعية هذه القواعد التى غالبا ما تتطلب التضحية بالمصالح الاقتصادية المباشرة للدولة وأن أيا من تلك الدول ليس كبيرا كالصين. ومن ثم فإن انحراف الدول الأخرى عن القواعد لا يهدد النظام برمته. ويتمثل أسوأ انتهاك للقواعد من جانب الصين فى تقييم عملتها بأقل من قيمتها الحقيقية، ودعم سياسة النمو الاقتصادى المرتكز على التصدير. ولا تعتبر الولاياتالمتحدة الضحية الوحيدة، لأن تحديد أسعار الصادرات بأقل من قيمتها وتحديد أسعار الواردات بأعلى من قيمتها يضران بمعظم الدول المشاركة فى التجارة العالمية، من البرازيل إلى الهند. وفى الفترة من 2006 إلى 2010، قفز نصيب الصين من التجارة العالمية من 7% إلى 10%. ولعل إحدى طرق العلاج هى إعادة تقييم العملة الصينية، مما يقلل من القدرة التنافسية لصادرات هذا البلد. وقد دعا الرؤساء الأمريكيون إلى ذلك منذ سنوات. وبينما يقر الصينيون بأهمية زيادة الإنفاق المحلى، فإنهم يبدون على استعداد لرفع قيمة الرنمينبى (renminbi (RMB فقط إذا كان ذلك لن يضر بصادراتهم. ومن ثم، فقد جرى التعويض عن زيادة سعر العملة بمقدار 20% فى الفترة بين منتصف 2005 إلى منتصف 2008 بزيادة الإنتاجية (أى زيادة الكفاءة)، هو ما أدى إلى تخفيض التكاليف. وقد أوقفت الصين هذه الزيادة فى سعر عملتها بعد حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية، ولم تعاود السماح برفع سعر عملتها سوى مؤخرا. وعلى الصعيد العملى، لم يتزحزح الرنمينبى سوى قليل. وليس واضحا إلى أى حد يعتبر الرنمينبى مقيما بأقل من قيمته، وما هو عدد الوظائف التى فقدها الأمريكيون بسبب ذلك. ويقول معهد أندرسون، وهو مؤسسة بحثية، إن زيادة سعر العملة الصينية بمقدار 20% سوف يؤدى إلى خلق ما بين 300 ألف و 700 ألف فرصة عمل فى أمريكا فى غضون العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة. ويقدر الاقتصادى روبرت سكوت من معهد السياسة الاقتصادية الليبرالية أن التجارة مع الصين كلفت أمريكا 3.5 مليون فرصة عمل. وقد يكون هذا التقدير مبالغا فيه، لأنه يفترض أن الواردات من الصين تحل محل الإنتاج الأمريكى فقط، فى حين أن هذه الواردات قد تحل محل الواردات من دول أخرى. لكن جميع التقديرات تتفق على كبر حجم الخسائر فى الوظائف الأمريكية بسبب التجارة مع الصين، بالرغم من أن هذه الخسائر تعتبر أقل كثيرا من عدد الوظائف التى فُقدت بسبب الركود، وتقدر ب4.8 مليون وظيفة. وإذا أحجمت الصين عن رفع قيمة عملتها فلا يوجد بديل سوى الرد الانتقامى، مما قد يعطى إشارة البدء لنشوب حرب تجارية، لأن الصين قد ترد بإجراءات من العينة نفسها، ربما عبر تقليل عدد طائرات البوينج الأمريكية التى تشتريها، واستبدالها بطائرات إيرباص الفرنسية، واستبدال فول الصويا الأمريكى بالبرازيلى. ويقوم مقترح مقدم من النائب الجمهورى عن أوهايو تيم رايان، والنائب الجمهورى عن بنسلفانيا تيم ميرفى بتصنيف ممارسات التلاعب بالعملة التى تقوم بها الصين بصورة واضحة باعتبارها بمثابة تقديم دعم للصادرات يستحق «رسوما تعويضية» (أى تعريفة جمركية تعوض الدعم). وبالرغم من وجود منطق اقتصادى وراء فرض رسوم تعويضية، فإن منظمة التجارة العالمية قد تعتبر هذا الإجراء غير قانونى. وقد أقرت لجنة من مجلس النواب الأمريكى هذا المقترح الأسبوع الماضى. ويمكن لمجلس النواب أن يسن قانونا بهذا الشأن خلال الأسبوع الحالى. ولعل النتيجة المثالية لهذا الإجراء هى إقناع الصين بضرورة التفاوض حول زيادة قيمة الرنمينبى بمعدل ذى شأن. لكن النتيجة الأكثر واقعية والأقل مثالية قد تتمثل فى تكرار سيناريو سموت هولى، فى وقت لا يتحمل فيه الاقتصاد العالمى المتباطئ نشوب حرب أكبر عضوين فيه. وبمجرد انطلاق النزعة الوطنية الاقتصادية هنا وهناك، ربما تصعب السيطرة عليها. لكن هناك اختلافات كبيرة بين الوقت الحالى ووقت سموت هولى. إذ كان تشريع سموت هولى حمائيّا بصورة صارخة، حيث تمت زيادة التعريفة الجمركية على عشرات السلع، مما دفع العديد من البلدان إلى القيام برد فعل انتقامى. وعلى العكس من ذلك، سوف يُعتبر اتخاذ أمريكا إجراء من هذا القبيل الآن بمثابة محاولة لكبح السياسة الحمائية الصينية. لقد بُنى النظام التجارى فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على مبدأ المنفعة المتبادلة. وقد استطاع هذا المبدأ الصمود بالرغم من أنه يجرى أحيانا الالتفاف حوله. وتريد الصين نظاما تجاريّا يخضع لاحتياجاتها، ويضمن وجود سوق صادرات واسعة تحافظ على مستوى التوظيف الضرورى كى يظل الحزب الشيوعى فى السلطة، وتدفق لا ينقطع لمصادر النفط، وتوفر المواد الغذائية والمواد الخام الضرورية الأخرى، والتفوق التكنولوجى. وسوف يتوقف فوز أو خسارة البلدان الأخرى على مدى تلبيتها للمصالح الصينية. ولعل التعارض الراهن يتعلق بوجود مفهومين للنظام العالمى. فالولاياتالمتحدة، باعتبارها مهندس النظام القديم وحارسه، تواجه خيارا مرعبا، فإما مقاومة الطموحات الصينية والمخاطرة بحرب تجارية، أو الوقوف مكتوفة الأيدى، مما يجعل الصين تعيد صنع نظام التجارة. ربما يكون الخيار الأول خطيرا، لكن من المحتمل أن يكون الثانى مفجعا.