لعل بروز التوأم السياسى ملتصقاً بخارطة المملكة المتحدة وهما الأخوان – ديفيد وإدوارد - ميليباند اللذان استحوذا على اهتمام الشارع السياسى البريطانى على الصعيدين الشعبى و الحكومى طوال الشهور السابقة، والتى انتهت بفوز مفاجئ وغير متوقع للشقيق الأصغر إدوارد صامويل ميليباند الملقب ب (أد ميليباند) بفارق لايتعدى 1%. ذلك الفوز الذى قلب الموازين والتوقعات لغرابته وابتعاده عن المقاييس المتبعة لاختيار الرئيس الجديد لحزب العمال البريطانى الذى ينافس دائما فى السباق على البقاء فى 10 داونج ستريت المقر الدائم لرئيس الوزراء البريطانى.وربما السطوع الجديد للرغبة فى التغيير للإدارات والإرادات السياسية فى رقعة الغرب الجغرافية لقارتى أوروبا وأمريكا وما يصاحب هذه الظاهرة الجديدة من تأييد لحماسة الشباب على حساب الخبرة السياسية الممتدة والتى كانت المبدأ السائد لفترات بعيدة هناك ليصبح هذا المفهوم الآن لايتعدى كونه كلمات رنانة ليس لها مدلول على أرض الواقع فكلا الشقيقين المتنافسين على زعامة حزب العمال البريطانى خرجا من عباءة الزعماء السابقين للحزب فالأخ الأكبر (ديفيد) يتبع نهج تونى بلير والأخ الأصغر يتبع نهج (جوردون براون) الزعيمين السابقين للحزب. وكلا الشقيقين لم يتمتعا بالجرأة المطلوبة لإحداث تغيير جذرى لسياسة الحزب كما كان يتوقعه منهما والدهما (رالف ميليباند) المفكر الماركسى يهودى الديانة بولندى الجنسية الذى جاء إلى بريطانيا برفقة زوجته الناشطة اليهودية هرباً من الحكم النازى إبان الحرب العالمية الثانية لينضما لحزب العمال وأعلن رالف عن يأسه وخيبة أمله ووصف الحزب بأنه «لا يتعدى كونه حزب إصلاحات اجتماعية متواضعة فى نظام رأسمالى تجذر فيه الحزب ولايستطيع الهروب». أول قرار خاطئ/u/ فحزب العمال الذى نجح فى الوصول إلى سدة الحكم فى انتخابات 1997 بقيادة تونى بلير ورفع شعار (حزب العمال الجديد) لم يأت بجديد كما جاء فى أول خطاب للزعيم الجديد «إد»، وأضاف أن تونى بلير تورط فى حرب العراق وأفغانستان مع الحليف الأمريكى والتى كانت السبب الأساسى فى فقدان الحزب لأصوات 5 ملايين ناخب، بالإضافة لسقوط الحزب فى خلافات داخلية بين تيار يمين الوسط الذى ابتدعه بلير وتيار يسار الوسط لمنافسه جوردون براون. وقد أدت هذه الخلافات إلى تفتيت أصوات الناخبين وتأتى النتيجة بخسارة جوردون براون وحزبه فى انتخابات مايو الماضى وصعود نجم حزب المحافظين المنافس بقيادة «ديفيد كاميرون» الذى نجح فى تشكيل أول حكومة ائتلافية مع حزب الديمقراطيين الأحرار. ويقدم براون استقالته من زعامة الحزب ليعود حزب العمال لصفوف المعارضة ويبحث عن زعيم جديد. وقد تنافس على مقعد الزعيم خمسة مرشحين، انحصرت المنافسة الفعلية بين الأخوين (ديفيد وإد) ميليباند، فاز فيها (إد) بزعامة الحزب وهو الشقيق الأصغر لديفيد ميليباند والأقل خبرة وهو يبلغ من العمر 40 عاماً ويعد أصغر زعيم سياسى لا دينى يعيش مع خليلته خارج نطاق الزواج وأنجب منها ابنهما وهما ينتظران المولود الثانى بعد شهر تقريباً. ويعتبر المراقبون أن الدخول فى علاقة غير شرعية فى الماضى كان يعنى انتحاراً سياسياً أما الآن فقد تغير الوضع فى بريطانيا الحديثة. فيعيش إد وخليلته منذ 5 سنوات فى حى (بريمروزهيل) بالقرب من منزل أسرة ميليباند وهو حى يفضله الموسيقيون والفنانون واليساريون الميسورين. ويقول إد ميليباند «رغم أنه لايؤمن بالله إلا أنه يحترم كافة الأديان». وتولى إد وزيرتى البيئة والطاقة فى حكومة براون. ويعد إد هو الزعيم رقم 23 فى تاريخ الحزب منذ تأسيسه عام 1900. وجدير بالذكر أن هناك 3 هيئات تتولى انتخاب الزعيم الجديد هى نواب مجلس العموم والبرلمان الأوروبى وأعضاء النقابات والمنظمات الموالية لها وأعضاء حزب العمال. الوجه الآخر لإد/u/ ويقول عنه حلفاؤه إنه رجل يجيد التواصل مع الآخرين حتى أنه كان يفكر فى احتراف التمثيل وهو فى سن المراهقة والذى منعه أنه يتلعثم فى الخطابة. كما يصفه معارضوه بأنه متردد فى اتخاذ القرارات وميوله اليسارية كانت السبب فى تسميته ب (إد الأحمر) ويرد عليهم بأنه رغم تعلمه السياسة على يد أخيه الأكبر ديفيد فهو لم يتردد فى الدخول معه فى منافسة على زعامة الحزب وأنه لايتبع اليمين ولا اليسار بل هو وسطى الفكر وتعهد فور الإعلان عن فوزه بأنه سيعمل على استعادة أصوات الناخبين التى خسرها الحزب فى عام 1997 وعام2010. وأنه يجب على الحزب أن يقر بالأخطاء التى ارتكبها رئيسا الوزراء السابقين تونى بلير وجوردون واشتراكهما فى حرب العراق وأفغانستان وغياب الرقابة المالية التى كانت سبباً فى الأزمة التى تعانى منها البلاد، وأضاف أنه كزعيم للمعارضة سيقف مع قرارات الحكومة الائتلافية لخفض الإنفاق العام لإخراج البلاد من وهدتها الاقتصادية. كما يطالب بتقليل الفوارق بين الأغنياء والفقراء وفرض ضرائب على البنوك باعتبارها السبب فى الأزمة الحالية. ونتيجة لهذه التصريحات ذات الميول اليسارية يتخوف المراقبون من أن يعود (إد) بالحزب للاتجاه اليسارى ويبتعد عن الوسطية التى كانت سبباً فى فوز الحزب فى الانتخابات طوال 13 عاماً مضت. ويرد عليهم ميليباند الأصغر بأنه رجل مستقل وغير خاضع للنقابات العمالية اليسارية رغم أنها كانت السبب الأساسى فى فوزه بكرسى الزعامة، وأوضح «أنه سيضع نصب عينيه هدفاً واحداً هو إعادة حزب العمال إلى السلطة» ورغم ذلك فإن الكل يراهن على صعوبة استمرار توهج وسطوع نجم إد طويلاً على مسرح السياسة الانجليزية إذ يتنبأ البعض الآخر بأنه سرعان ماستنتهى موجة الغزل الصريح بينه وبين النقابات العمالية.. وربما أسرع مما نتوقع.. خاصة بعد رفضه لمبدأ التظاهر واعتبرها أنها تهدد اقتصاد البلاد وتضر بالمصلحة العامة فى حين ترى النقابات أنها حقها الشرعى.