تحولت حياة المصريين بناسها وتفاصيلها وروحها الشعبية وشوارعها وبناياتها التاريخية إلى شريط من الصور على أيدي فوتوغرافيين من أجيال مختلفة شاركوا في حدث انطلق للمرة الأولى بمصر، هو “أسبوع القاهرة للصورة”. كل ما في القاهرة من مشاهد معاصرة وتاريخية، حملته الكاميرا إلى الجمهور في الأمكنة الأثرية والهواء الطلق، حيث “أسبوع القاهرة للصورة” الذي اختتم في الثلاثين من نوفمبر الماضي، والذي قدّم المشاركون فيه تجربة فنية على غرار أسابيع الفوتوغرافيا في باريس وميلانو وبعض العواصم الأوروبية. وتعود فكرة الحدث وتنظيمه إلى “فوتوبيا”، وهي مدرسة مستقلة للتصوير بالقاهرة تكرس جهودها لتطوير صناعة الصورة في مصر والمنطقة العربية، وقد وجهت المنظمة الدعوة إلى نخبة من المصورين البارزين والأكاديميين والمهتمين في جميع تخصصات التصوير من داخل مصر وخارجها، واكتسبت الفعالية شركاء محليين وعالميين عملوا على دعمها وأيضا تسويقها تجاريا. وانطلق أسبوع القاهرة للصورة في نسخته الأولى من قلب مزارين تاريخيين سياحيين في وسط القاهرة الخديوية، هما “ممر كوداك” و“مبنى تمارا”؛ الأول، هو ممر أثري متفرع من شارع عدلي أمام المعبد اليهودي، ويتميز ببناياته العتيقة، والثاني، هو أحد المباني الأنيقة في شارع جواد حسني في قلب القاهرة التاريخية، التي حلم الخديو إسماعيل ذات يوم بأن تكون باريس الشرق. الكاميرا في المعارض بدت قائمة بدور الشاهدة على العصر، والراوية التاريخية لمدينة القاهرة بين الماضي والحاضر واشتملت معارض الفوتوغرافيين التي استضافتها حوائط “كوداك” و“تمارا” على توليفة متشابكة من المشاهد والتفاصيل والملامح والمظاهر التي تلخص المحتوى الحياتي لمدينة القاهرة في اللحظة الراهنة، وأيضا عبر الأزمنة، لتبدو الكاميرا قائمة بدور الشاهدة على العصر والراوية التاريخية. واستلهمت الفنانة أسماء جمال طقوس احتفالية “السبوع” (الاحتفال الشعبي بمرور أسبوع على ميلاد الطفل)، لتقدم صورا بصرية تلخص تفاصيل الاحتفال، بما فيها وضع المولود في “الغربال” (المنخل) ودق الطبول و“الهون” النحاسي وإعداد الوليمة وأكياس الحلوى وغيرها. ورأت أمينة قدوس صورة الوطن في هيئة امرأة عجوز تدخن بشراهة، ورصد أحمد ناجي انطلاق “الحنطور” (عربة يجرها حصان) في منطقة شعبية، وإلى جواره “التوك توك”، ووجد صبري خالد ضالته عند “المزيّن” (الحلاق)، مصورا انهماك المقص في تهذيب شعر طفل. ومن بورتريه لوجه رجل ريفي عجوز بعدسة فتحي حواس، إلى “حكايات الجبل الأبيض” لدى محمد علي الدين، وهي التي صورها بعدسته، ويقصد بها مشاهد الحياة في محاجر الجير، حيث الحرارة الشديدة وأعمدة الأتربة والظروف القاسية التي يشتغل فيها العمّال، الذين يكادون يفقدون وجوههم. وتتنقل الكاميرا في كل مكان، مصورة أحوال العباد، والأحياء الشعبية، والمباني التاريخية بجدرانها السامقة وأحجارها البيضاء، والمنازل ذات الطابع الريفي، وتيار السابلة في الشوارع والأزقة، والمقاهي المكتظة بالروّاد الساهرين الذين يشربون الشاي ويلعبون النرد، والبسطاء الذين يسكنون فوق أسطح البنايات ويعلقون ملابسهم على “حبال الغسيل” في الشمس. جسد الفنانون كذلك، ومنهم هبة خليفة ومي الشاذلي وإبراهيم عزت، طقوس المناسبات الاجتماعية المختلفة، كالأعراس و“الحنة” والموالد وغيرها، فضلا عن نشاطات مختلفة مثل العمل في الورش الحرفية والصيد وتسلق الأشجار وغيرها، وقدم حمادة الرسام ولبنى طارق وهبة خميس رؤيتهم للأحياء السكنية الفقيرة والعشوائية على أطراف العاصمة. وإلى جانب معارض الصور في الهواء الطلق، اتسعت التظاهرة الفوتوغرافية لتشمل أنشطة أخرى، منها محاضرات وورش عمل واستوديوهات تصوير ولقاءات مع مصورين وسوق للمعدات والكتب في هذا المجال بحضور صنّاع الصورة ومنتجيها. ومن الأنشطة كذلك تصميم الأزياء والطعام والماكياج والغرافيك، وتحرير المجلات، والإنتاج الإعلامي، والعديد من المنصات البصرية والحوارية والتعليمية، فضلا عن مسابقات “أفضل الصور” للهواة والمحترفين، ومن بين المحاور التي نوقشت “مستقبل الصورة الوثائقية” و“صناعة الصورة في عالم الأزياء” بحضور خبير من جامعة باريس للأزياء.