معرض مصممي السينوغرافيا بالقاهرة يستحضر أشهر العروض المسرحية التي شهدتها مصر من خلال صور فوتوغرافية ولوحات نادرة تستثير مشاعر المشاهدين وتذكرهم بزمن انقضى. القاهرة - يستحضر معرض مصممي السينوغرافيا بالقاهرة من جديد أشهر العروض المسرحية التي شهدتها مصر، ويسترجع المسرح شبابه على هامش مهرجانه القومي للمسرح من خلال صور فوتوغرافية ولوحات نادرة تستثير مشاعر المشاهدين وتذكرهم بزمن انقضى ولا يمكن تكراره. “من فات قديمه تاه”، مثل شعبي بسيط اتخذه معرض مصممي السينوغرافيا (الخط البياني للمنظر المسرحي) شعارًا له، فالمعرض الذي شهده مركز الهناجر للفنون في ساحة دار الأوبرا بالتوازي مع المهرجان القومي للمسرح منذ 19 يوليو إلى 2 أغسطس، هو احتفالية لإحياء الماضي المسرحي الزاهر، الزاخم بالعروض المحلية والعالمية المتميزة. أكثر من ثلاثين مسرحية من العروض التي لا ينساها الجمهور، جرى اختزالها بصريًّا في صور فوتوغرافية ولوحات في أروقة معرض الهناجر، ليجد المشاهدون أنفسهم في قلب الأحداث مرة أخرى، إذ ترسم السينوغرافيا بتصميماتها وتقنياتها وأزيائها وديكوراتها وأكسسواراتها خارطة كاملة للدراما المسرحية وتشكلاتها الباقية في الوجدان الجمعي على مر السنوات. هي حيلة فنية ذكية بلا شك، أن يجري استدعاء الأعمال المسرحية البارزة من خلال معرض للسينوغرافيا على وجه التحديد، وليس من خلال معرض لصور الفنانين مثلًا، فالمراد هو إحياء العروض وتلبيسها روح الحياة ونبضها وإيهام المشاهدين بعودتها، كما لو أنها من لحم ودم. وتتعدد مجالات “السينوغرافيا” المسرحية وعناصرها لتشمل كل تصميم فني وتقنية وديكور يصاحب الدراما النصية، بالإضافة إلى أزياء الممثلين وأضواء المسرح ومؤثراته البصرية والسمعية الخاصة وغيرها من المفردات المنتظمة وفق رؤية شاملة، ويعود أصل المصطلح إلى اليونانية، ويدل على “وصف كل شيء يحدث على خشبة المسرح”. إن إقامة معرض لمصممي سينوغرافيا المسرح هو بمثابة خشبة مسرح افتراضية لبث العروض، وهذا الطرح يتسق مع بعض تعريفات المختصين لفن السينوغرافيا، بوصفه تحريرا بصريًّا للنص المكتوب وخلقًا لعالم تتحسسه العيون وينتقل إليه المتفرجون ليعيشوا فيه. في لوحات وصور معرض الهناجر، تتفجر النوستالجيا (الحنين إلى الماضي) في قلوب المشاهدين الذين يستعيدون أياما محببة إلى نفوسهم، كما يبحرون مرة أخرى في رحلات فنية إلى أعمال مسرحية يفضلونها، فهم على موعد ثان مع “حلاق بغداد” و”دائرة الطباشير القوقازية” و”عطيل على الربابة” و”المتزوجون” و”الحرافيش” و”الكراسي”، وغيرها. إلى جانب صور ولوحات مسرحيات القرن الماضي، يتضمن المعرض كذلك عددا من المسرحيات المتميزة التي لقيت صدى نقديّا وجماهيريّا طيبا خلال السنوات الأخيرة، منها “أحلام فترة النقاهة” عن قصص نجيب محفوظ، و”كوميديا البؤساء” عن رواية الفرنسي فيكتور هوغو، وقد صمم السينوغرافيا لهما عمرو الأشرف، الذي يرى أن البناء المعماري للمسرح هو بناء للأحداث الدرامية ذاتها وللشخوص أنفسهم. انبنت سينوغرافيا “أحلام فترة النقاهة”، التي عُرضت على المسرح الكبير بالأوبرا منذ عامين للمخرج مناضل عنتر، على فكرة التشابكات البنائية العشوائية المعتمدة على الخط كوحدة أساسية في التصميم من خلال تراكيب على هيئة بوابات. وأوضح عمرو الأشرف مصمم سينوغرافيا العرض، أن هذه البوابات تمثل فضاءات العقل التي يُطلق منها أبطال العرض من ممثلين وراقصين أفكارهم المتوالدة. وقال في تصريح ل”العرب” إنه استخدم أسلوب التفكيك وإعادة البناء وتقنية التجزئة، حيث تتحلل الأجسام والأشياء من شكلها المدرك بالعين لتعاد صياغتها وفق نسق مغاير. هكذا، فإن مُشَاهِد المسرحية، حتى من خلال معرض السينوغرافيا، عليه بذل جهد في تأمل المناظر يضاهي الجهد المبذول في طرح الأفكار وفي الأداء الحركي لأبطال الأحلام على خشبة المسرح. ويحلق معرض الهناجر بخيالات المشاهدين في أجواء عروض كلاسيكية وتاريخية واجتماعية وأيضًا كوميدية، حظيت بإقبال كبير ومردود طيب عند عرضها الأول، منها “دائرة الطباشير القوقازية” التي عُرضت في ستينات القرن الماضي، لبرتولت بريشت (1898-1956)، وقد صممت سكينة محمد علي سينوغرافيا العرض، بما يلائم تاريخية المباني والأزياء وبيئة الأحداث. وتعود سينوغرافيا إميل جرجس بالمشاهدين إلى مسرحية “حلاق بغداد” للكاتب ألفريد فرج (-1929 2005)، التي أطلقها في العام 1963، كما صمم جرجس أيضا ديكورات “عطيل على الربابة”، ويتسم أسلوبه بالبساطة في البناء، وإبراز الملامح الشعبية للأمكنة والشخوص من خلال الطقوس النفسية جنبًا إلى جنب مع الشكل الخارجي. ويجد عشاق الكوميديا ضالتهم في استرجاع مسرحيات ثلاثي أضواء المسرح، ومنها “موسيكا في الحي الشرقي” (1971) و”المتزوجون” (1979)، وقد صمم السينوغرافيا لهما الفنان مجدي رزق (1939 2011-)، وهو فنان صاحب ذاكرة حاضرة لاقطة، يعنى بالتفاصيل والمفردات الصغيرة، ويبرز بذكاء من خلال التناقضات في الديكورات والملابس الفوارق بين الطبقات الاجتماعية. وتتعدد الأعمال المسرحية التي صممت سكينة محمد علي السينوغرافيا لها، ومنها “على الكرسي” التي عرضت على مسرح الجيب في 1963، و”الحرافيش” التي شهدها مسرح البالون في 1965. معرض سينوغرافيا المسرح، التفاتة جيدة إلى أعمال لم ينل منها الصدأ الذي أفسد كثيرا من جوانب الفعل المسرحي والمشهد الثقافي بمصر، لكن الحياة الكاملة في الماضي على هذا النحو تعكس وجها آخر من جوانب امّحاء الحاضر وتآكله.