مصر تستضيف المؤتمر الإقليمي للاتحاد الفيدرالي الدولي للمراقبين الجويين    ماذا يعنى إعادة النظر في سياستها النووية ..إيران تهدد "إسرائيل ": الرد سيفوق تقديراتكم    اشتباكات عنيفة بين عناصر «حزب الله» والجيش الإسرائيلي في عيتا الشعب    تحذير أممي: ممارسات إسرائيل تهدد بزوال الوجود الفلسطيني شمال قطاع غزة    صفارات الإنذار تدوى في الجولان بالتزامن مع غارات إسرائيلية على البقاع بلبنان    محمد فاروق يكشف موقف حكام نهائي السوبر.. مصريين أم أجانب؟    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    كواليس جديدة بأزمة كهربا في الأهلي.. حقيقة الألفاظ الخارجة    الهيئة العامة لقصور الثقافة تكرم محافظ أسوان    اشتباكات عنيفة بين عناصر "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في عيتا الشعب    جيش الاحتلال: قلصنا قدرات حزب الله النارية إلى نحو 30%    سامسونج تطلق إصدار خاص من هاتف Galaxy Z Fold 6    ميزة جديدة لتخصيص تجربة الدردشة مع Meta AI عبر واتساب    تجديد عضوية وزارة التربية والتعليم في مركز اليونسكو حتى 2027    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    أضف إلى معلوماتك الدينية| حكم تركيب الرموش والشعر «الإكستنشن»..الأبرز    حل سحري للإرهاق المزمن    لاس بالماس يقتنص انتصاره الأول في الليجا    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    سر استخدام ملايين الأطنان من الألماس في الغلاف الجوي.. «رشها حل نهائي»    حظك اليوم برج الجدي الثلاثاء 22 أكتوبر 2024.. هتقابل شريك الحياة    خذلها.. رد فعل غريب من رجل ماليزي تجاه زوجته بعد اعتنائها به خلال فترة شلله    لطيفة وريهام عبد الحكيم وجنات فى ضيافة الليلة العمانية بمهرجان الموسيقى العربية    تراتون القابضة لشاحنات فولكس فاجن تحقق نتائج أفضل من المتوقع في الربع الثالث    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    الليجا تسعى لنقل مباراة برشلونة وأتلتيكو مدريد خارج الحدود    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    داخل الزراعات.. حبس سائق توكتوك حاول التح.رش بسيدة    عماد متعب: اللاعب بيحب المباريات الكبيرة وكنت موفقا جدا أمام الزمالك    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    طريقة عمل الدونتس السريع بالكاكاو    صحة كفر الشيخ: تقديم الخدمات الطبية ل1380 مواطنا بقافلة فى دسوق    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    "الذكاء الاصطناعي".. دير سيدة البشارة للأقباط الكاثوليك بالإسكندرية يختتم ندوته السنوية    ارتفاع جديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    رانيا يوسف: إشمعنى كلب الهرم يتكرم وكلبي في فيلم أوراق التاروت ما حدش عايز يكرمه؟    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء تواصل الصعود التاريخي.. وعيار 21 يسجل أرقامًا غير مسبوقة    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    إيران: واشنطن ستتحمل المسئولية الكاملة عن دورها في أي عمل عدواني إسرائيلي    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    من بينهم المتغيبون.. فئات مسموح لها بخوض امتحانات نظام الثانوية العامة الجديد 2025    مصرع شاب في حادث انقلاب دراجة نارية بواحة الفرافرة بالوادي الجديد    ابتعدوا عن 3.. تحذير مهم من محافظة الإسماعيلية بسبب حالة الطقس    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«حرب كرموز» ... السينما ضد نفسها
نشر في نقطة ضوء يوم 14 - 07 - 2018

قبل عامين، أُنتج في القاهرة، عرض مسرحي مستقل بعنوان «زِج زِج»، استلهم قصته من أحداث وقعت فعلاً في التاريخ المصري، بعد ثورة 1919 الشهيرة، حين توجه الإنكليز بدافع الانتقام إلى قرية الشوبك الواقعة في ضواحي الجيزة، فاغتصبوا نساء وسرقوا حُليهن وأحرقوا بيوتهن، وهم يُرددون كلمة «زِج زِج» كإشارة عن رغبتهم في ممارسة الجنس، أيامها لم يكن باستطاعة الرجال من أهالي القرية الثأر لشرفهم، ولا تمكنت الشرطة المصرية من التصرف ببطولة حيالهم.
في العام التالي قامت النساء من الضحايا أنفسهن بتغيير شهاداتهن في السجلات الرسمية عن الحادثة، ونفين ما قد تعرضن له فعلياً على أيدي الضباط الإنكليز، كان الدافع ربما هو الخوف من العار، الذي يمكن أن يلاحقهن ويلاحق أولادهن وكان الخيار الأسهل هو الخيار الدارج عربياً، التناسي حتى يتم النسيان. وتكمن المفارقة هنا في أن فريق صناع العرض، وعلى رأسهم مخرجته ليلى سليمان لجأوا إلى أرشيف وزارة الخارجية البريطانية، التي مازالت تحتفظ بتفاصيل واقعة مؤسفة تم محوها من ذاكرة الحركة الوطنية المصرية، ولا يملك التاريخ الرسمي على ما يبدو سنداً عليها. اليوم يقول لنا صناع فيلم «حرب كرموز»، - ويُمثلهم صاحب القصة والممول محمد السبكي المنتج الشهير الذي ابتدع موجة السينما الشعبية في مصر، وظل يبرر ويُنظِّر لها سنوات، وشريكه المخرج الشاب بيتر ميمي وهو أيضاً مَنْ كتب سيناريو الفيلم استناداً إلى قصة السبكي -، اليوم يقول لنا صنّاع الفيلم إذاً، أن «كرموز» يستلهم حقبة الأربعينات في مصر، أي حقبة الاحتلال الإنكليزي، وهم بهذا يرفعون أنفسهم درجة على حساب زملائهم من صناع الأفلام الأخرى التجارية، بحجة أن هناك في صناعة السينما المصرية مَنْ يقرأ القليل في كتب التاريخ ويفكر في تحويل هذا القليل إلى أفلام، مع ذلك يظل من المستحيل تصديق دعواهما الاستثنائية لأسباب عدة.
الغاية تهضم الوسيلة
يحكي «كرموز» مبدئياً عن واقعة اغتصاب فتاة من قبل جنديين من الإنكليز، تبعها مقتل أحدهما وفرار آخر، أدى شيوع قصة الواقعة صبيحة الاغتصاب في الإسكندرية إلى قرار الضابط «يوسف المصري»، (ويلعبه أمير كرارة)، بالاحتفاظ بالضابط المُغتصِب إلى حين محاكمته على فعلته، من دون الرجوع إلى سلطات الاحتلال التي لن تُرضيها مسألة المحاكمة، وستسعى مُمثَّلة بالجنرال آدامز، (يلعبه فؤاد شرف الدين مخرج وممثل ومؤلف لبناني)، إلى محاصرة قسم كرموز، في سبيل استعادة الضابط ومحاكمة المصري على رد فعله المبالغ في شجاعته، إزاء القضية المعقدة.
هذه القصة المثيرة التي ألفها محمد السبكي، لا مكان لها في كتب التاريخ التي نعرفها، (والحقيقة أنه لم يقُل عكس ذلك على رغم أننا كجمهور في السينما تمنينا أن يفعل)، وقد تكون هذه القصة متعارضة نسبياً مع سير الأحداث في السيناريو الذي كتبه ميمي نفسه، فحين يكون الجنرال «آدامز» في حيرة من أمره أمام عناد الضابط يوسف، وهو يمسك الملف التعريفي الخاص به ويفكر، نخمن أنه في خانة الميلاد رأينا العام 1935، وبافتراض أن البكباشي مفتول العضلات يبلغ الآن في زمن الأحداث عشرين عاماً على الأقل، فالحساب المنطقي يؤدي بنا إلى العام 1955، الذي يعني بالضرورة أن يوليو 1952 قد قامت في مصر، وأن جمال عبد الناصر بالطبع لن يكون مرتاح البال، كما كان الملك فاروق، خلال أحداث كرموز التي تحولت من واقعة اغتصاب إلى حرب شوارع تريد أن تشبه الأفلام الأميركية، لكن بهدف الأخذ بالثأر من أجل الشرف، فهل يوجد ما يمكن أن يستفز الجماهير المصرية أكثر من غسل عار النساء والفتيات المصريات المغلوب على أمرهن؟ في الواقع مسألة أن يشبه كرموز «الحروب على طريقة الأفلام الأميركية» هي النية الأكثر صدقاً عند السبكي وميمي والتي جاهرا بها، ومن أجلها ربما اختلقا حادثة المفترض أن تكون جوهرية في تاريخ مصر (على رغم أن الفيلم فعلياً انتهى إلى فقدان المصري عمله وانتصار الإنكليز الذي لم يتم نقله على الشاشة كنوع من التمويه)، واختلقا عالماً يمتلأ نفسياً بألوان من الشخصيات كبائعة الهوى التي تريد رخصة لمزاولة عملها (تلعبها غادة عبدالرازق)، ولا يريد الضابط المثالي «يوسف المصري» إعطاءها لها، أو المجرم البارد عزت الوحش، (يلعبه محمود حميدة)، ويُخفي الفيلم باستمرار جُرمه الخطير على رغم أننا فعلياً نراه لا يتوقف عن معايرة الجميع بكلمته «أمك صاحبتي» التي تُوحي أن مشكلة الوحش قد تكون جنسية، ولمَ لا يكون هو أيضاً قد اغتصب امرأة ما في زمن ما، وتاب الآن عن جُرمه! هذا الاختلاق كله لم يجد طريقاً ينتهي إليه لأن الغرض النهائي كان الوصول لأقرب نسخة أميركية يمكن تخيلها عن الفيلم، مع الحفاظ بالطبع على قيم وعادات المصريين التي ستدغدغ قلوب وجيوب الجماهير.
إذا اعتبرنا أن الأفلام تُعبر، بالضرورة من دون إرادتها، عن موقف ما من اللحظة الراهنة وبالمثل من التاريخ، فإن ضمير «كرموز» يُعبر عن مزاج عام يتجلى في الصحف القومية المصرية وفي الإعلام الرسمي وشبه الرسمي ويسود لدى قطاعات عريضة من الجمهور، مزاج يسعى لترديد اسم مصر كثيراً في سياق «الحياة» يُذكِّر بالإنجازات التي تتلخص في «الحماية» وفي الحفاظ على النظام كأعمال مطلقة تستلزم التضحية بالدم.
وحاول السبكي مغازلة هذا المزاج في حركة يوسف المصري الانقلابية على النظام الذي يعمل ضمنه حين احتجز الضابط الإنكليزي لديه وحين رفض إعطاء بائعة الهوى رخصة بمزاولة عملها. وعلى رغم سلامة نية السبكي، فإن فكرة «انقلابية» البطل لمصلحة القيم الأصيلة هي فكرة خطيرة لأن هذه القيم تتبدل دائماً وتهدد سيرورة تاريخ الاستقرار العليا، فإذا كان يوسف قد أراد أن يحاكم ضابطاً إنكليزياً واحداً على فعلته، فقد أدى في حركته غير المحسوبة النتائج إلى قتل مئات من المصريين على الأقل، جميعهم من الرجال (في سياق الاستخدام الشعبي لتمثيل الوطن كامرأة والمواطن الصالح كرجل يضحي بنفسه لأجلها)، ويمكن أن تكون هناك نساء قد ذهبن ضحايا في سياق الحرب الافتراضية بل وأطفال أيضاً (في حركة استعراضية أخرى للشهامة ينقذ المصري طفلاً باكياً في المعركة) كما أن التكوين النفسي لضابط مسؤول لا يُنفِذ مواد القانون لكن هواه الشخصي الذي يتغير من موقف لآخر، هي فكرة ضد الوطنية كما يروج لها الإعلام الرسمي، والتاريخ يقول إن الشرطة المصرية مثلاً لم تكن إلى جانب ثوار كانون الثاني (يناير) حين اندلعت المظاهرات قبل ثمانية أعوام، على رغم الاتفاق شبه الجمعي على القيم التي نادى بها الثوار.
حكاية «تلطيش»
لا مجال هنا للحديث عن الموقف النسوي من الفيلم، ذلك أن «التلطيش» الذي يمارسه «يوسف المصري» مع شقيقتيه، تلعبهما روجينا وإيمان العاصي، هو أيضاً ابن حالة إهانة النساء «المقدسة» التي تجد مَنْ يستعذبها حتى بين المثقفين، وهي لقطة على الشاشة تحكي أكثر مما يمكنني في هذه المساحة أن أحكي.
أما السؤال الأخير الذي قد يكون من الإنصاف طرحه في هذا السياق فهو سؤال صناعة السينما المصرية نفسها، التي لم يعد عليها أن تكون أكثر انتباهاً لسيطرة مسلسلات التليفزيون، وتفوّقها من جانب التقنية أحياناً والحبكة في أحيان أخرى على الأفلام، بسبب الإنتاج السخي الذي يأتي من دعم الإعلانات، فالجمهور الذي تبقّى على ذمة السينما في مصر يقلّ باستمرار، لأن ما كان يدفع من أجل مشاهدته بالأمس، صار يطارده بالمجان اليوم على شاشة التليفزيون، إن قابلية «حرب كرموز» في التحول إلى مسلسل تلفزيوني بالأبطال أنفسهم يخصم من سينمائية العمل الذي يستند بشكل مطلق تقريباً إلى فكرة «الحرب» وقد جعلتنا نذهب للسينما وندفع من أجل مشاهدته، على رغم الإيرادات المرتفعة لكرموز فإنه في المستقبل القريب لن يكون مُستَبعَداً أن تظهر الدبابات على شاشات التلفزيون، وربما من دون أن تثير سخريتنا من تأخر صوت اللكمات عن صورتها، ومن قبضات الممثلين الرجال التي ضلّت طريقها على وجوه زملائهم الدامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.