في أمسية شعرية صباحية ببيب الشاعر الرائد بدر شاكر السياب (1926 1964) بقرية جيكور ضمن قضاء أبي الخصيب جنوب مدينة البصرة، عاش شعراء مهرجان المربد والنقاد المشاركين في النسخة ال 13 من مهرجان المربد الشعري (دورة الشاعر مهدي محمد علي) لحظة تاريخية مهمة في أجواء ومناخات الشاعر الراحل، استهلها الشاعر المصري جمال القصاص قائلا "هذا صباح الشعر حقا، أن تقول قصيدتك في بيت السياب، هذه لقية مبهجة، بل مصادفة استثنائية من مصادفات الوجود" وتبارى باقي الشعراء في إلقاء قصائدهم في باحة البيت المفتوحة على السماء، وتحلق عدد كبير من الحضور باحة البيت وسطحه خالقين جوا من الألفة والحميمية، وكأن الشاعر الراحل يطل عليهم ويشد على أياديهم. وبينما استقبال مجموعة من الأطفال يرتدون الزي الأبيض الشعراء بالورود والأغاني الحماسية المرحبة بهم والمحتفية بالوطن العراق، ولفت الجميع طفل صغير لم يتجاوز العاشرة، ألقى قصيدة لبدر شاكر السياب بحماس وانضباط لغوي. يظلل البيت من كل نواحيه أشجار النخيل والنبق والأزهار، ويضم مجموعة من الصور الشخصية للسياب وأفراد عائلته، ومكتبة بها أعماله الشعرية وأعمال لشعراء آخرين وبعضا من كتب التراث. والبيت يتكون من طابق واحد يضم عددا من الحجرات المتراصة حول الباحة وهو مشيد على طراز العمارة الفطرية البسيطة التي يعتمد على خامات من البيئة المحلية. وقال أحد المسئولين إن البيت لجد السياب وكان يعيش فيه مع جده وعدد من أفراد العائلة، وأضاف المسئول: أن البيت كان متهدما وأن وزارة الثقافة العراقية بعد رحيل الرئيس صدام حسين قامت بترميمه وجعله منتدى ثقافيا تقام فيه العديد من الأنشطة الأدبية والشعرية. وقد حرص جميع الشعراء والنقاد الحضور على التقاط الصور التذكارية في كنف البيت، وزيارة موقع نهر بويب الذي تغنى به السياب في قصيدة شهيرة له، وهو يقع على بعد خطوات من بيته، و"بويب" يشق بقايا بساتين ممتلئة بالنخيل والأشجار، وقاعه لا يجري فيه إلا القليل من المياه، ويقول السياب في قصيدته "بويب": بويب بويب أجراس برج ضاع في قرارة البحر الماء في الجرار، والغروب في الشجر وتنضج الجرار أجراسا من المطر بلورها يذوب في أنين " بويب .. يا بويب" فيدلهم في دمي حنين إليك يا بويب يا نهري الحزين كالمطر أود لو عدوت في الظلام أشد قبضتي تحملان شوق عام في كل إصبع كأني أحمل النذور إليك من قمح ومن زهور أود لو أطل من أسرة التلال لألمح القمر يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال ويملأ السلال بالماء والأسماك والزهر أود لو أخوض فيك أتبع القمر وأسمع الحصى يصل منك في القرار صليل آلاف العصافير على الشجر أغابة من الدموع أنت أم نهر؟ والسمك الساهر هل ينام في السحر؟ وهذه النجوم هل تظل في انتظار تطعم بالحرير آلاف من الإبر؟ وأنت يا بويب أود لو غرقت فيك ألقط المحار أشيد منه دار يضيء فيها خضرة المياه والشجر ما تنضح النجوم والقمر وأغتدي فيك مع الجزر إلى البحر فالموت عالم غريب يفتن الصغار وبابه الخفي كان فيك يا بويب. وفي البصرة زار عدد من الشعراء تمثال السياب المنتصب على كورنيش شط العرب أيضا في مواجهة مقام الأمير "تيمنا بالإمام علي"، والذي نحته الفنان العراقي الرائد نداء كاظم عام 1969 من البرونز وأزيح عنه الستار عام 1972، والتقطوا صورا تذكارية إلى جواره، واللافت أن البصريين يواظبون على زيارة التمثال والتقاط الصور هم وأبنائهم، وهو ما يعني أن التمثال أصبح أيقونة شعرية لمدينة البصرة. وقد حرص الفنان النحات نداء كاظم على المواءمة بين قيم التجريد والتجسيد في تصميم التمثال، والمحافظة على الفراغ من حوله ككتلة نحتية تساعد على مشاهدة التمثال من كل الزوايا، كما حرص أن يكون التمثال واقفا في حالة شموخ كأنه يلقي قصيدة، كما حرص على عدم تحييد قاعدة التمثال وخلق علاقة عضوية بينها وبين جسد التمثال، وحفر على القاعدة مقطعا من قصيدة "غريب على الخليج" للشاعر: "الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام حتى الظلام - هناك أجمل، فهو يحتضن العراق واحسرتاه، متى أنام فأحسّ أن على الوسادة من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق؟ بين القرى المتهيّبات خطاي والمدن الغريبة غنيت تربتك الحبيبة وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه".