نال موضوع الطفل في السينما المغربية اهتماما نسبيا في حصيلة السينما المغربية، بشقيها الكولونيالي أو الوطني، واتسم حضورها باجتهادات المخرجين حسب تصوراتهم واختلاف الرؤى والحساسيات. وبهذا المنظور وظفت السينما المغربية الطفل المغربي بطريقة خاصة. وحسب السينما الاستعمارية ففي أغلب الحالات ميزت بشكل واضح بين ابن المستعمر الأنيق الوسيم اللافت للنظر بأسلوبه وطريقة عيشه، المحب للعلم والسلم معا، وابن المغربي العنيف المتسخ المحتاج للرعاية الطبية والنفسية، المفتقر لأدبيات التواصل والحوار والمحتاج للمستعمر من أجل تهذيبه وصقل مواهبه. وقد حفلت السينما الاستعمارية في المغرب بالعديد من العينات من الأفلام بدءا بفيلم «طفل باربس» (1912)، «مكتوب»، «إيطو»، «هرب محمود»، «أبناء الشمس». وعموما لم تتجاوز النظرة الكولونيالية، النظرة الدونية والتقصيرية في تحقير الكائن المغربي وتهميشه حتى لو كان طفلا. وتناولت السينما الوطنية موضوع الطفل بكثير من الاهتمام وخصصت جزءا مهما، سواء كأفلام قصيرة أو روائية بدءا بالفيلم القصير «صديقتنا المدرسة» لتتوالى الأفلام الروائية الطويلة من «الواد اهيه»، «إيمير»، «حادة «، «أيام من حياة عادية»، «شاطئ الأطفال الضائعين»، «علي زاوا»، «أيام من حياة عادية»، «ألف شهر»، «جوهرة بنت الحبس»… ويمكن الوقوف كثيرا عند الفيلمين القصيرين: «الحافة» و»العرض» نظرا لمستواهما الإبداعي ونظرتهما العميقة ذات الملامح والوجوه الإنسانية. هذه الأفلام المغرببية خصصت جزءا مهما لموضوع الطفولة من خلال الوقوف على الجوانب النفسية والثقافية والاجتماعية وأحيانا بأبعادها السياسية، تلك المقاربات المختلفة في معالجة ثيمة الطفولة منحت فرصة الاطلاع على جوانب متعددة من حياة الطفل المغربي وإشكاليات التربية والعنف الممارس على الطفل داخل الأسرة وخارجها. من جانب آخر ولوج الطفل المغربي في السينما في وقت مبكر كممثل من خلال أفلام الكولونيالية ككومبارس، أي كشيء ثانوي يؤثت البناء السردي للفيلم، في هذه الفترة كان محمد عصفور يدخل مغامرة السينما كطفل ومخرج في الوقت نفسه إلى جانب زوجته وثلة من الأصدقاء، مجسدين أدوارا بسيطة ومقلدين ما كانوا يشاهدونه من أفلام تلك الفترة بعناوين مختلفة: «أموك الذي لا يقهر»، «طرزان»، «الابن العاق»، «اليتيم» الذي مثل فيه آنذاك الطفل عبدالرزاق البدوي وسنه 12 سنة. وفي نظري فإن محمد عصفور هو طفل سينمائي بالمعنى الرمزي، عاش من من أجل السينما ولها، تسكنه حد الوجود وتقتحمه في صورها الجميلة والمعبرة، فهو مفتون بالصورة من خلال أفلامه التسجيلية والروائية الجميلة في حدودها النسبية. ساهم محمد عصفور كطفل في إرساء الفعل السينمائي بصورة تلقائية لمرحلة معينة من تاريخ المغرب المعاصر، وتوالى العديد من الأطفال كمحمد البوعناني، محمد الركاب الذين لعبوا في سينما الخمسينيات في المغرب وولعهم بالسينما دفعهم إلى الإخراج السينمائي. وهناك نماذج جميلة أرخت للممثل الطفل داخل السينما المغربية كعبدالرزاق البدوي في فيلم « اليتيم»، توفيق دادة في فيلم «وشمة» والطفلة الرائعة فضيلة مسرور في فيلم «الطفولة المغتصبة» للمخرج حكيم نوري. وهناك العديد من الأطفال الممثلين ككمبارس أو قاموا بأدوار ثانوية ولم تكتب أسماءهم في جنرييك الفيلم المغربي وهو نوع من الإقصاء المتعمد لطاقة الممثل الطفل والتبخيس من قدرته التمثيلية. استخدم الطفل المغربي كما في سياقات مغايرة ككمثل بشكل سلبي وبعقلية الكبار ولم يتم التعامل معه بشكل خاص يستجيب لنفسيته الخاصة إلا لماما، ووظف ليؤثت الفضاء الفيلمي ولاحتياجات متواليات السرد الفيلمي. وهناك أفلام تعاملت مع الطفل في إطار خاص من بينها تجربة «من الواد اهيه» ، «علي زاوا»، «ألف شهر»، «العرض»، «الحافة « مجسدة سينما الطفل كقضية بأبعادها النفسية والسوسيولوجية وبقيمتها الإبداعية الكبيرة. وبشكل عام لم تقم في الجانب النقدي دراسات مهمة في هذا الجانب وهناك تقصير كبير في هذا الباب وما كُتب مجهودات شخصية من النقاد السينمائيين المغاربة لا تكفي للغوص بعيدا في حيثيات الموضوع الشائك في بناء تصور عام حول علاقة الطفل بالسينما سواء كممثل أو كموضوع للحدث الفيلمي، بالإضافة إلى أن المخرجين المغاربة لم يهتموا كثيرا بقضايا الطفل المغربي كالاغتصاب والتحرش الجنسي وقضية الأطفال المتخلى عنهم والاعتداء على القاصرين وأطفال الهجرة السرية وقوارب الموت وأطفال الشوارع… لهذا يجب عدم القول باستهلاك هذا الموضوع بالنظر لأبعاده، نظرا لتجدده باستمرار، يمكن النظر لسينما الطفل في إسبانيا أو في إيران وما قدمته في هذا المجال، من جيل لآخر وحسب حساسية المخرج، لهذا وجب الالتفات لسينما الطفل بكل مرجعياتها لما تقدمه من وعي متقدم بعالم الطفولة واختلالاتها العميقة على أكثر من مستوى وصعيد.