احتضن مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بمدينة أصيلة ندوة حول الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية، الأربعاء 27 يوليوز 2016، وشاركت في هذه الندوة مجموعة من الأساتذة من داخل المغرب وخارجه، وهي الندوة التي تأتي كخاتمة لمجموعة من الندوات التي انعقدت ضمن منتدى أصيلة الثقافي في دورته ال38. في كلمة ألقاها، اعتبر أستاذ التعليم العالي ومنسق الندوة المغربي شرف الدين ماجدولين، أن الانتقال من الورقي إلى الرقمي ومن الحسي إلى المفترض، هو ما فرضته ثورة الاتصالات وفق قوله، حيث أن ذلك يمثل أفقا يمكّن الرواية العربية من تخطي محدودية التلقي الذي مثل لعقود طويلة حواجز أمام النشر والتوزيع بين أقطار الوطن العربي. ويؤكد ماجدولين في مداخلته أن كتابة الرواية الرقمية بما هي نص متعدد العلاقات والروابط تسمح بممكنات وإبدالات جديدة لا تتأتى للمكتوب الورقي. ويتساءل في الآن نفسه عن واقع تأثير الرواية الرقمية على المشهد التداولي العربي لهذا الفن؟ وهل يمكن تقديم معالم تصور جديدة لقراءة النصوص الروائية العربية؟ وكيف يمكن لهذه الوسائط التواصلية الطارئة أن تسهم في إنضاج الوعي العربي المعاصر بفن الرواية؟ أسئلة عديدة طرحها ماجدولين، لكنه أكد في كلمته على أن الإنسانية قد سجلت طفرتها الثانية في تاريخ القراءة والتلقي حين انتقلت من الشفاهي إلى المكتوب كمرحلة أولى، ثم وصلت إلى المكتوب البصري المتصل بالمكتوب السمعي، وهي مرحلة تتفتح فيها كل حواس الكائن الإنساني لتلقي العمل الروائي وتذوّقه بصريا والإنصات إليه إنصاتا فنيا. ويفترض موضوع الندوة الحديث عن أمرين اثنين بين مؤيد لإبداع رواية رقمية عربية، ومعارض يقر بأن الأوان لم يحن بعد لذلك. ومن جهته أوضح الناقد المغربي عبدالفتاح الحجمري، أنه لا أحد يمكنه أن ينكر دور التقنية الرقمية في خلق أفق جديد أمام الكتابة الروائية العربية، وهذا أهم مدخل لمحاولة فهم لماذا التجأ بعض المبدعين إلى الاعتماد على التقنية من أجل ابتكار شكل من أشكال الإبداع الأدبي؟ وبعد تأكيده على أن الأشكال الأدبية تتطور عبر العصور والقرون والثقافات وأنه لكي يولد جنس أدبي أو نوع أدبي نحتاج إلى حضارات، تسائل الناقد هل أن الكاتب والروائي الرقمي قادر على مواكبة ما يمكن أن تنتجه مايكروسوفت من تقنيات متطورة لا يقدر على استخدامها إلا المهندسون الراسخون في علوم الهندسة والذكاء الاصطناعي؟ وهل على الأديب الرقمي أن يتبرأ من إبداعه السابق كلما تطورت التقنية الرقمية؟ وشدد الحجمري على أنه لا وجود لأدب رقمي ورواية رقمية من دون خلفية فلسفية. ثم إن آفاق الرواية العربية في علاقتها بالتكنولوجيا الرقمية اليوم، لا يمكنها أن تعطي إبداعا رقميا يمكننا الاطمئنان إليه، لأن تخلص الكتاب من رقابة هيئات التحرير ولجان القراءة فتح الباب على مصراعيه أمام الجميع، علما وأن النصوص الرقمية تتمتع بقدر من الحرية في التعبير لا يتوفر للنصوص الورقية التي تخضع لسلطة ورقابة دور النشر وغيرها. كما يحتاج الأدب الرقمي والرواية الرقمية إلى ثقافة وخبرة إلكترونية ومعلوماتية معينة، وهذا ليس متوفرا في البلدان العربية. ويطرح الأدب الرقمي تساؤلا حول مدى الحصانة التي تضمن حقوق الملكية والنشر والتوزيع؟ وهنا يؤكد الحجمري على عدم قدرة الأدب الروائي الرقمي على البقاء، ففي العديد من الأحيان تختفي أعمال إبداعية بشكل كامل من مواقعها على شبكة الإنترنت بسبب قرصنتها. إشكاليات مفتوحة تركز الرواية الرقمية، بحسب مداخلة عبدالفتاح الحجمري، على الشكل أكثر من المضمون، فالشكل لديها مقترن بالتقنيات المعلوماتية والبرامج الإلكترونية أكثر من المحتوى النصي والنتيجة هي خلق أدب بلا مشاعر إنسانية، وليست متاحة قراءة الأدب الرقمي في أي مكان لارتباطه بوساطة تقنية عكس الأدب الورقي الذي يمكن قراءته في كل آن ومكان. ويقر الحجمري بأننا “أدبنا الروائي المكتوب لا يزال فتيا ومازالت أمامه أعمار حافلة بالتجارب القادرة على ابتكار أشكال من الكتابة البديعة البهية”. أما الناقد اللبناني لطيف زيتوني فقال في معرض مداخلته، إن الرواية الرقمية ليست نوعا سرديا بقدر ما هي إمكانية مفتوحة على التجريب وتطور التقنيات، فالإمكانيات التي توفرها وسائط المعلومات الرقمية، فجرت ثوابت الفن الروائي وتقاليد الكتابة الروائية الورقية. وشدد زيتوني، على أن قارئ الرواية الرقمية يقرؤها على خلفية الرواية المكتوبة، فيتعامل مع هذه الوسائط التقنية باعتبارها بدائل لأصل النص اللغوي. ويعتبر الناقد أن انفتاح هذا الأخير على وسائل التعبير من صوت وصورة وحركة، ليس مستجدا فقد ارتبط النص باللحن والغناء والألوان والرسوم والأشكال الهندسية وارتبط بالخط لا بالحروف بل بالأشكال، وكل هذه المحددات كانت ترافق النص،ولم تدخل مرة في نسيجه. فالرواية الرقمية، كما يقول الباحث اللبناني، تغير من طبيعة النص فحين يضع المؤلف صورة المكان عوضا عن وصفه وصورة الشخصية بدلا من وصفها ويستبدل بالحوار المكتوب تسجيلا صوتيا له ويحل مقطع فيديو محل جزء من السرد، فإنه يفجر نصية الرواية وينقل النص من سجن اللغة إلى الآفاق الواسعة الجامعة لكل أنواع الفنون السردية. وفي المقابل يؤكد الناقد والكاتب سعيد يقطين على أن الرواية العربية لكي تكون رقمية عليها أولا أن تكون رواية بمعنى أن تتوفر فيها الخصائص السردية التي تتميز بها الرواية المكتوبة، وأضاف يقطين أن الروائي العربي الذي له خبرة رواية متميزة غير قادر على الانخراط في التجربة الجديدة، والروائي الشاب الذي ينخرط في التجربة الجديدة لا يمتلك خبرة وتجربة روائية راسخة، وهذا الإكراه لا يمكن أن يجعل الرواية الرقمية المقبلة تنجز وفق شروط الرواية الورقية. ويؤكد الناقد سعيد يقطين أن الذي سيكتب رواية رقمية، يجب أن تكون ثقافته الأساسية هي لغوية وبالتالي سيكون صعبا عليه إقحام عوالم الثورة الرقمية من مقاطع فيديو وصور وغيرها داخل المتن الروائي الذي يود إنجازه. أما المتدخل نادر علي حسن الكاظمي، الأستاذ الجامعي بمملكة البحرين، فرغم اعتقاده بأن الرواية الرقمية ليست لتجاوز قصور في الكتابة الورقية وإنما لاستثمار أقصى حد من إمكانيات العالم الرقمي الكبيرة لتساهم في كتابة الرواية، إلا أنه لا يبدو متحمسا إلى الرواية الرقمية ككتابة في المستقبل، وأكد في كلمته أن حجم المنتوج النقدي للرواية الرقمية أكبر من تواجد المتن نفسه وهذه أكبر مفارقة، وخلص الكاظمي إلى أن الرواية الرقمية ستبقى شكلا من أشكال التعبير الأخرى متاحة أمام الكتاب والمبدعين ولن تستطيع مجاراة الكتابة التقليدية.