مجموعات كثيرة مختلفة تتعايش فيما بينها بنوع من التعاقد على أساس التنوّع دون أن تصوغ ثقافة مشتركة وانتماء وطنياً واحداً تعيش كندا في السنوات الأخيرة حالة من النقاش المحتدم حول المسائل المتعلّقة ب «التعددية الثقافية». وكانت الحكومة الكندية قد انتهجت رسميا منذ عام 1982 قوانين تؤكّد على التعددية الثقافية القائمة على التساوي في الحقوق والواجبات بين مختلف الأعراق والمعتقدات الدينية التي يتكوّن منها المجتمع الكندي الذي يتشكّل نسيجه من موجات متعاقبة من الهجرات. ويشير المؤلف أن تلك القوانين جرى «فرضها» على منطقة «كويبك» التي لم تصادق عليها أبداً. المسائل المتعلّقة ب«التعددية الثقافية»، التي غدت في البلدان الغربية التي يطلقون عليها توصيف «الديمقراطيات الغربية»، هي موضوع كتاب «التعددية الثقافية كعقيدة سياسية»، كما جاء في عنوان كتاب ماتيو بوك كوتي. وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة كويبك بمونريال الكندية والمعروف عالميا في مجال البحث ب «التعددية الثقافية» ومفاهيمها وآثارها المجتمعية وما ترتب عليها من إشكاليات في العالم الغربي عموما وفي كندا بصورة خاصّة. يشير المؤلف بداية أن حكومة منطقة كويبك الكندية أعلنت في عام 2013 أنها تريد القطيعة مع «التعددية الثقافية». ذلك على اعتبار أنه يراد عبرها «إغراق» كل ما يتعلّق بخصوصيات شعب كويبك ذي العلاقة المتميزة تاريخياً مع فرنسا بمفاهيم التأكيد على التنوّع وإبعاده عن إي «إغراء» قد يدفعه نحو التأكيد على «هويته القومية الخاصّة». واقترحت «كويبك» بالمقابل مشروع ميثاق من القيم التي تؤكّد على المساواة بين المرأة والرجل. والتأكيد على أن مقولة «التعددية الثقافية»، بالطريقة التي يتم استخدامها بها في كندا خصوصا، تقوم على أنه ليس على «المهاجر» أن يندمج مع مجتمع استقباله، كما كان الأمر تاريخياً وتقليدياً، ولكن على هذا المجتمع أن «يحوّل مؤسساته» كي تتأقلم مع مستلزمات التعددية الثقافية والتنوّع. وإشارة المؤلف أن مثل «التحوّل» باتجاه التنوّع يحتوي في مظهره على الكثير من «الشجاعة الأخلاقية» و«نزوع نحو التسامح». لكنه يرى فيه بالمقابل نوعاً من «نفي الهوية التاريخية» وتبنّي «هوية إيديولوجية» ذات مرام سياسية. وتأكيد القول أن مثل هذا التوجّه زادت حدّته، في كندا، بعد وصول الشاب «جوستان ترودو» إلى رئاسة الحكومة الكندية في السياق الراهن. ويطرح المؤلف عدداً من الأسئلة التي تلقي الأضواء على مواقفه من «التعددية الثقافية» حيث يؤكّد بطريقة أو بأخرى أنه من القائلين ب «الخصوصية القومية» وصولا إلى حافة القول بوجود «أمّة كويبك». وهو لا يتردد في التأكيد أن جوهر التعددية الثقافية بالمعنى السائد اليوم لا يتماشى مع أفكار عصر التنوير ومع مبادئه الأساسية، ويجد مرجعياته في ذلك لدى العديد من فلاسفة ومفكري ذلك العصر. أسئلة مثل: كيف نجح بعض المثقفين في أن يفرضوا على الأممالغربية مفهوم «الهويات الخاصّة»، باسم «التعددية الثقافية»؟، وكيف نجحوا في أن يُبعدوا من التداول بالمقابل مفهوم «الهوية المشتركة» التي تتجاوز حدود خصوصيات مكونات المجتمعات المعنية وبالتالي خصوصيات أفراده؟، وماذا «يختبئ» وراء التعظيم الرامي لتكريس التنوّع؟...الخ ذلك بالتوازي مع تحويل «الثقافة الوطنية» إلى «ثقافة الأغلبية» مما يضعها في موقع تلك التي تقوم بنوع من «اضطهاد» الثقافات الأخرى المعبّرة عن «الأقليات».. وما يتعارض مع أولوية «التعددية الثقافية». ويرى مؤلف الكتاب أن ذلك يطرح في بلد مثل كندا مسألة العلاقة بين «الثقافة الوطنية» والثقافات التي ترافق موجات الهجرات الكبيرة إلى البلاد. وبهذا المعنى أيضا يتم التأكيد أن «التعددية الثقافية» لها «مظهر فريد» في كندا. والإشارة أن هذه هي إحدى المسائل المطروحة في مجتمع مثل المجتمع الكندي اليوم فيما يتعلق بالتمييز بين «دمج المهاجرين»، مع احتفاظهم بخصوصياتهم باسم «التعددية الثقافية» وبين «تمثّلهم» بحيث يتم «صهر» الجميع في «ثقافة عامّة مشتركة» تقوم على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وتؤكّد على الانتماء إلى «الهوية الوطنية الجامعة». ويشرح «بوك كوتي» أن مفهوم «التعددية الثقافية» يتغذّى في إطار الديمقراطيات الغربية، كما هي عليه الآن، من مطلب «حق الاختلاف» الذي يتحوّل.. كما يشير، إلى نوع من «امتياز الاختلاف». وهنا تتم الإشارة إلى أعمال العديد من المفكرين الذين يرون أن نفي «حق الاختلاف» ينضوي في مضمونه على ما يمكن أن ينتمي، حسب القاموس الإيديولوجي المستخدم، إلى «التمييز العنصري» على الصعيد الثقافي.