العراق **عامر موسى ألربيعي الثقافة في اي مجتمع، عبارة عن تراكم لمنتج اجتماعي سابقاً ولاحقاً، حاملاً معه التأثيرات السياسية والأقتصادية وصفة التأثر والتأثير كتحاور حضاري، وهي تكون صورة ذهنية عند الآخر، ربما تشكل عنده كمنتج حضاري قديم او حديت وفق آليات التطور الأنساني، فعندما تُذكر فرنسا تكون صورة برج ايفل والعطور عند العامة وعند المثقف روسو، فكتور هيجو،بودلير،رامبو،جاك بريفيرا وكثيرون غيرهم، اما حين يذكر العراق فتتولد صورة الزقورة والقيثارة البابلية ومسلة حمورابي ملحقةً بمناظر الدم وجسر الصرافيه بعد نسفه، او صورة بغداد وهي تحترق . وهنا يتمثل التناقض في الصورة الحضارية لدى المتلقي، والتساؤل لماذا هذا الفارق الحضاري والأجتماعي ؟ منذ سومر حتى اليوم عرف العراق بتكوين نسيجي لمجتمعه تكون عبر مراحل تاريخية مهمة ومؤثرة، جاءت عبر سقوط وقيام حضارات و( فتوحات) وغزوات أسست لتنوع قومي وأثني وديني وطائفي وسلالي ولغوي ظل محافظاَ علية أجتماعياَ رغم الكثير من المحاولات السياسية الداخلية منها او الخارجية لتغليب شكل على آخر، منها عرفت الثقافة العراقية بالتنوع المتعدد من حيث العادات والتقاليد والتأصيل المعرفي لتكون ثقافة متداخلة ومتراصة في شكل وطني حمل منذ القدم مبادئ الحوار والتسامح حتى كان للكثيرين من العراقيين تعلم اللغات القائمة واحترام متبادل لعادات وخصوصيات المختلف معه عرقياَ أو قوميأ، دينياَ، طائفياَ، وأخذت التجمعات المدنية تمتلك هذا التنوع لتسير الحياة العراقية دون إشكالات مؤسس لها، فالثقافة العراقية امتلكت صفة التعدد النوعي عبر مراحل تاريخية طويلة الأمد وهي من الخصوصيات التي تميزت بها، فهي تحوي الثقافة الكردية، الأشورية، الكلدانية، تركمانية،صابيئية، أزدية وشبك وحتى أواخر منتصف القرن الماضي اليهودية. لايمكن التجاهل لطبيعة التنوع والتعددية الثقافية في العراق أو عدم الاعتراف بها أو التقليل من شأنها، فهي تشكل وحدة ونقاء هذه المجتمعات ولم تتحول إلى إشكالية أوانقسام، وحتى لو تم بحث مشكلة التنوع والتعددية، فهي لم تتكون إلا وفق نظرة أرتيابية نتيجة لممارسات سلطوية استعلائية تظل هي السائدة والمهيمنة، ولذلك فإن الحصيلة السلبية تبقى سائدة بين الساسة المتبرقعين بالخصوصية القومية أو الدينية الطائفية.فالخصوصية الثقافية هي تدعيم لمعايير الانسانية المشتركة مؤكدة هذا التنوع الثقافي، والديني، والسياسي، والتاريخي، ونمط الحياة لمجتمع ما، أي جماعة قومية أو دينية أو لغوية، فإنها تعنى العقلية والتقاليد بين الشعب والوطن، الحضارات والأمم متفاعله في ما بينها متناغمة مع الفكر الانساني، وبهذا المعنى فالخصوصية لا تعني " الانغلاق"، أو التصادم مع الأخرى، أو الارتياب منها بل التعايش معها والتفاعل والتواصل من خلال المشتركات الانسانية، وأن التعايش والتبادل الثقافي لا يبرر التبعية أو الأزدواجية، أو الانتقائية في ما يتعلق بقضايا الأقليات وخصوصياتها الوطنية والقومية والدينية والثقافيه،، هل يمكن اعتبار التاسع من نيسان عام 2003 العتبة التي نحر عليها مشروع الدولة العراقية الحديثة المؤسسة عام 1921 التي سعت لتأسيس ثقافة عراقية عرفت بالتجدد مع الحفاظ على الثقافات الفرعية عادات وتقاليد ولغة ووفق افقٍ وطني . والذي كان جلي الوضوح والتميز في فترة الثلاثينيات حتى نهاية الثمانينيات. السعي الجاري الآن سياسي وليس عفوي، فالمشاريع الدولية والإقليمية حملت فكرة التجزئة وليس حتى التقسيم، سعت إلى تغليب هوية فرعية ( قومية، دينية، طائفية أو قومية - دينية) وفق تخندق حزبوي ضيق الأفق والستراتيج . سار تخلفها المعرفي إلى تشظي داخل الشكل الديني الطائفي أو القومي، أنتجت سلوكيات لا ( ثقافات) مثل الذبح والقتل على الهوية أو الفساد المالي والأخلاقي، وأعطاء الأولوية الى ولاءات فرعية ومحاولات تغليب الفرعي على الهوية الوطنية. شكل غياب النخبة ( ألقسري) عن الساحة خلال الفترة السابقة واللاحقة إلى افتعال أزمات تقولبت في إطار سياسي نفعي ضيق، كالتأكيد على ( صراع الهويات) الفرعية أو ( ثقافة الداخل والخارج)التي تسعى لتهميش والتقليل من النضال الشعبي والمنتج الأدبي والفني بل وسعى البعض إلى تخوين من في الداخل تمهيدا للحصول على منصب ما . أما البدعة الجديدة والمتمثلة ب( المصالحة الثقافية) التي تحمل في مفردتها الشكل السياسي لا الثقافي، الثقافة بطبيعتها تحمل الاختلاف والتنوع وخاصة في المنتج الأدبي والفني، هل يعنون المصالحة بين الشعر العمودي وقصيدة النثر أو بين الرواية والقصة القصيرة جداَ ؟ هل يعلم المؤسس لهذا المشروع إن ( سركون بولص) الذي بدأ قاصاَ وانتهى شاعراَ معروفاَ عراقياَ، عربياَ وعالمياَ هو آشوري، عبدالطيف بندر اوغلو وما قدمه للثقافة التركمانية العراقية أم محي الدين زنكنه وشيركو وغيرهم كثيرون ؟ هاجر الكثير من المثقفين العراقيين وبمختلف الأختصاصات العلمية و الأدبية و الفنية قبل وبعد 2003 لظروف مر بها العراق وأستطاع غالبيتهم الحصول على مواقع متميزة وحياة محترمة، وأصبحت مشكلة العودة للوطن من الآمال البعيدة نظراً لتسيد الضعف السياسي والأجتماعي خاصة الأمني.لم يسعى المنتج الثقافي العراقي الى خطابات طائفية، بل هناك من يسعى الى جر الثقافة والمثقفين لمشاريعة النفعية الضيقة والبعيدة عن المشروع الوطني الثقافي.رغم بعض الممارسات ( للديمقراطية) في الحياة السياسية الأن ورغم التخبط فيها، يمكن ملاحظة غياب الشروع للتأسيس الثقافي الوطني في الدستور العراقي او في سياسة الحكومة بل غابت هذة حتى عن برامج الأحزاب، حتى توسل البعض منهم ( بعدم ترفع المثقف) على برامجهم.منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة، أخذت الثقافة العراقية تأخذ منحى التأثر بالثقافة الغربية كمنتج أنساني، وأصبح للثقافة العراقية تأثيرها في المجتمع لفترات محدوده،و نتيجة لمهيمنات سياسية لاتعرف غير سياسة القمع وما زالت حتى بعد التغيير عام 2003، أزمات وحروب مرت بالعراق والمثقف اما مع المهيمن الأستبدادي او الصمت غالباً والبعض أختار الهجرة اذا لم نقل الهروب، وهنا أطرح بعض التساؤلات: كل هذه الحروب والأزمات، ماهوشكل المنتج الأبداعي ؟ هل تغاير المنتج الأبداعي بالضد من السائد؟ ما هو شكل المثقف الأن ؟ وما مدى حضوره في الساحه ؟ هل هو مؤثر ؟ لماذا ؟ وأخيراً هل لنا ان نتذكر مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين أسس لفلسفات وأفكار أغنت العالم وكانت صرخة مدوية على السياسات والمهيمنات آنذاك . لماذا لايحدث هذا في الثقافه العراقية الآن، وهي المعروفه بالتعددية والأختلاف منذ قرون عدة؟ ** منشور بصحيفة " الصباح" العراقية ، بتاريخ 5 نوفمبر 2009