يعتبر قصر الطاهرة واحدا من أهم القصور التي بنيت في عهد أسرة محمد علي بالقاهرة، وظل شاهدا على أهم الأحداث التاريخية التي حدثت في تلك الحقبة الزمنية حتى اندلاع ثورة يوليو عام 1952 وإعلان الجمهورية، فقد ظل في مخيلة رؤساء مصر ليصبح بعد ذلك مقرا لأهم ضيوف العالم. بُني في أوائل القرن العشرين، وبناه المعماري الإيطالي أنطونيو لاشياك للأميرة أمينة ابنة الخديوي إسماعيل والدة محمد طاهر باشا، وقد تم بناؤه على الطراز الإيطالي، ويظهر ذلك جليا في السلالم الرخام الأسقف المرمر الرائعة. يعد أنطونيو لاشياك الذي صمم القصر واحدا من أعظم المعماريين الأجانب الذين جاءوا إلى مصر، ويرجع إليه الفضل في تصميم مجموعة كبيرة من مباني وسط البلد مثل الفرع الرئيسي لبنك مصر وعمارات الخديوية، والمبنى القديم لوزارة الخارجية المصري بميدان التحرير، ومدرسة الناصرية بشارع شامبليون، ومبنى محطة الرمل بالإسكندرية، فقد استطاع أثناء تصميمه للقصر استغلال المساحة الصغيرة نسبيا بالقياس لباقي القصور الملكية، في تصميم المبنى بتوازن وجاذبية في الشكل. مؤسسة الرئاسة يقع القصر شرق القاهرة بين روكسي وحدائق القبة، ويعد رغم صغر حجمه من أفخم القصور في العالم، وقد كان جار طاهر باشا الوحيد خاله الملك فؤاد الذي كان يقيم قصر القبة، وعلى الرغم من زواج طاهر باشا الملكي لفترة قصيرة من واحدة من بنات عمومته، حيث كان هذا الحفيد الوحيد من أحفاد الخديوي إسماعيل الذي عاش أعزب معظم حياته، وقد ولد محمد طاهر باشا في إسطنبول، واعتبر محمد طاهر تركيا أكثر من مصري بعد أن أمضى جزءا من طفولته بين الضواحي الراقية في إسطنبول. كان من أهم ما يميز شخصية طاهر باشا أنه متعطش ومحب للرياضة، ونتيجة لذلك كان أول رئيس للجنة الأوليمبية المصرية وراعى للأنشطة الرياضية الأخرى وتشمل نادي محمد علي، النادي الملكي للسيارات ونادي الفيروزية. أثناء الحرب العالمية الثانية كان طاهر باشا مواليا للألمان وتم وضعه بأمر من بريطانيا تحت الإقامة الجبرية خلال جزء من الحرب العالمية الثانية، أولا في منزل جنوب حلوان، ثم في المستشفى العسكري في القبة وفيما بعد في سجن بسيناء، وكان في ذلك الوقت قصر الطاهرة منزلا مؤقتا لأعضاء آخرين في العائلة المالكة المصرية، أما بالنسبة لطاهر باشا، فإنه انتقل إلى فيلا جميلة في الزمالك. ويؤكد الخبير الأثري عبدالرحمن حلمي، أن الملك فاروق اشترى القصر باسم الملكة فريدة عام 1941 بمبلغ 40 ألف جنيه، واشترى الفيلا المجاورة له، وضم إليه عددا من الأراضي، حتى بلغت مساحته 8 أفدنة، ثم استرده منها، مقابل 117 فداناً بمحافظة الشرقية، لافتا إلى أن القصر يحتوي على عدد من التحف والتماثيل الرخامية لفنانين إيطاليين. ويضيف حلمي قائلا: إن القصر كان يعد مسرحا لعمليات حرب أكتوبر 1973، حيث توجد به صورة شهيرة للرئيس الراحل أنور السادات وحوله رجال الجيش، يقفون حول طاولة كبيرة يناقشون عليها خطة الحرب، وهي نفسها طاولة البلياردو التي كان أحضرها الملك فاروق من قصر محمد علي في شبرا الخيمة وضمها للقصر. ويشير حلمي إلى أن هناك الكثير من الأحاديث التي تردد أن القصر شهد جلسة تسوية مؤقتة، بين الرئيسين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، خلال زيارة الملك سعود في مارس 1954، لافتا إلى أن القصر كان مقرا لإقامة فتحية نكروما، زوجة أول رئيس لغانا كوامي نكروما، وأسرتها لبعض الوقت في أعقاب تشكيل حركة عدم الانحياز، كما كان مقراً لإقامة أرملة شاه إيران عام 1980، وأقام فيه رئيس الوزراء الفرنسي السابق ليونيل جوسبان. وتابع: في عام 1953 تم مصادرة قصر الطاهرة جنبا إلى جنب مع بقية القصور التي تنتمي إلى سلالة عائلة محمد علي، من قبل الدولة بعد سقوط النظام الملكي، والكثير من متاع قصر الطاهرة الثمين ظهر في المزادات التي ترعاها الدولة والحكومة في محاولة لملء خزانتها. وتشير فاطمة علي، أستاذة الآثار، إلى أنه من المفارقات التي شهدها القصر أنه استضاف في العهد الملكي الملك سعود بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية ضيفا واستضافه أيضا في العهد الجمهوري بعد أن ترك الحكم وأقام فيه، كما يمكن الإشارة إلى أنه خلال زيارة قام بها الملك سعود في مارس 1954 إلى مصر جرت جلسة عمل طوال الليل تاريخية وقعت في القصر وحضر من قبل الملك، الرئيس محمد نجيب وجمال عبدالناصر، بهدف إقامة تسوية مؤقتة بينهم، ولكن في نهاية المطاف أطاح عبدالناصر بمحمد نجيب من السلطة. وتوضح أنه خلال عام 1973، شهد القصر لقاءات الاستعداد لحرب أكتوبر المجيدة، وكان هناك نشاط من نوع مختلف، حيث كان هناك تكتم شديد، يجري تحويل أجزاء من القصر إلى غرف متابعة للحرب، فقد غطت الخرائط الضخمة لسيناء المرايا البلجيكية، وأيضا التذكارات واللوحات التي كانت تزين الجدران، غطتها صور منطقة قناة السويس، حيث وجه السادات تعليماته بشأن عبور القناة من ذلك المكان، وبمرور الوقت كان مقر إقامة أرملة شاه إيران في عام 1980. أثر تاريخي وفي مايو عام 2015، نشرت جريدة الوقائع المصرية قرارا باعتبار قصر الطاهرة وملحقاته أثرا تاريخيا، ويسجل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، طبقا لما هو موضح بالحدود والمعالم بالمذكرة الإيضاحية والخريطة المساحية. وجاء القرار في الوقائع المصرية بعد الاطلاع على عدة قوانين وقرارات، أبرزها قانون حماية الآثار، والصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983، وتعديلاته ولائحته التنفيذية، وعلى قرار رئيس الجمهورية، رقم 82 لسنة 1994، بشأن إنشاء المجلس الأعلى للآثار وتعديلاته. وعلى قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، رقم 283 لسنة 2012، وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 72 لسنة 2014، وعلى موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية بجلستها المنعقدة بتاريخ 6/8/2012، وعلى موافقة مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار وعلى ما عرضه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. وجاء في المذكرة الإيضاحية، أن هذا القصر الواقع بشارع سليم الأول بمنطقة الزيتون محافظة القاهرة، أنشأه الخديوي إسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر لابنته الأميرة أمينة هانم، والدة محمد طاهر باشا، وقد أطلق عليه اسم "تحفة القصور" والسرايا الكبرى، وسمي بقصر الطاهرة نسبة إلى الملكة صافيناز ذو الفقار التي لقبت بالملكة فريدة وأطلق عليها الشعب لقب الطاهرة، وقد كانت متزوجة من الملك فاروق.