مع اقتراب دخول الرئيس الجديد الى القصر الرئاسى لممارسة مهامه تم رفع درجة الاستعدادات ، وبدأت التجهيزات على قدم وساق منذ فترة داخل قصور الرئاسة لاستقبال هذه الحقبة الجديدة من تاريخ مصر لتحقيق تطلعات الشعب المصرى وآماله بعد فترة من المعاناة والتراجع الاقتصادى والسياسى . ليست القصور الرئاسية فى مصر مجرد عقارات فحسب ، وانما هى تاريخ طويل وكنوز وذكريات ، وشاهد حى على حركة التاريخ منذ انشائها حتى الآن . واللافت ان القصور الرئاسية احتفظت بأسمائها حتى الان على الرغم من مرور تاريخ طويل منذ انشائها وتعاقب حكام وأحداث وثورات على مصر، وكانت شاهدا حيا على معظم الأحداث التى مرت بمصر منذ الثورة العرابية ووقفة أحمد عرابى الشهيرة أمام الخديو توفيق أمام قصر عابدين مرورا بثورة 23 يوليو التى قادها مجموعة من الضباط الأحرار بزعامة جمال عبد الناصر انتهاء بثورتى 25 يناير و30 يونيو التى زحف فيها الشعب المصرى إلى قصرى الاتحادية والقبة حيث مقر الحكم ابان فترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك والسابق محمد مرسى . وسلجلت وزارة الآثار جميع القصور الرئاسية كآثار، وبصفة خاصة جميع القصور الملكية، وهى ثمانية قصور، الى جانب الاستراحات الرئاسية، المنتشرة بجميع انحاء الجمهورية . ويؤكد خبراء الآثار ان معظم القصور الرئاسية الموجودة حتى الآن تم انشاؤها فى عهد الخديو إسماعيل بن محمد على باشا الذى أراد نقل مقر الحكم من القلعة التى كانت مقرا للحكم منذ عصر صلاح الدين الأيوبى وحتى محمد على إلى قلب القاهرة .وفيما يلى أبرز هذه القصور: قصر عابدين ... يقع قصر عابدين فى وسط القاهرة وكان آخر استخدام رسمى له عندما حرص الرئيس المعزول محمد مرسى على ارتياده وجلس على كرسى الملك فاروق وأصر على التقاط عدد من الصور التذكارية فى هذا المكان ، وقبل ذلك بسنوات استضافت مصر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى قصر عابدين حيث لم يجد المسئولون أفخم منه لاستقبال الضيف الروسى الذى تتميز بلاده باحتضانها العديد من القصور الفخمة التى تعود معظمها الى عصر الامبراطوريات القديمة . وقد أنشأ هذا القصر الخديو اسماعيل ، وينسب الى عابدين بك وهو أحد الضباط الأتراك وكان يمتلك بيتا فى هذا المكان قام بشرائه الخديو اسماعيل بعد وفاة صاحبه وضم اليه مئات الأفدنة وأمر بتشييد هذا القصر ليكون مقرا للحكم وتكلف 565 ألفاً و570 جنيهاً، بخلاف الأثاث الذى تكلف مليونى جنيه، ويعد القصر البداية الأولى لظهور القاهرة الحديثة . ويضم القصر 500 غرفة، ومكتبة بها أكثر من 55 ألف كتاب، وأهم ما فيه الصالون الأبيض وغرفة مكتب الملك فاروق، وصالون قناة السويس، والقاعة البيزنطية، وقاعة العرش، وصالة للطعام، وحجرة البلياردو التى أهدتها الإمبراطورة أوجينى للخديو إسماعيل، وجناح الحرملك الذى يضم مجموعة من التحف والتماثيل والسجاد والساعات المحلاة بالذهب، إضافة إلى جناح الملك فاروق، وجناح الملكة فريدة، وجناح ولى العهد، وبالقصر ثلاثة متاحف هى متحف قصر عابدين الحربي، ومتحف هدايا الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومتحف الفضيات الذى يضم مقتنيات أسرة محمد على الذى أنشئ فى عهد مبارك. ورغم أنه أصغر القصور مساحة، لكنه أهمها من الناحية التاريخية والرسمية، حيث حكمت مصر منه فى عهد 6 ملوك، تلاهم الرئيس محمد نجيب، والرئيس جمال عبدالناصر وأنور السادات. قصر «الاتحادية » .... أو ... «العروبة». يقع قصر العروبة أو قصر الاتحادية كما يطلق عليه، فى ضاحية مصر الجديدة، ويعد القصر الرسمى للرئاسة فى عهد الرئيس الاسبق حسنى مبارك ومن بعده السابق محمد مرسى ، حيث كان مقرا لاستقبال الوفود الرسمية والزوار . وقد أنشأت هذا القصر شركة فرنسية، وافتتحته كفندق تحت اسم جراند أوتيل سنة 1910، كباكورة فنادقها الفاخرة فى إفريقيا، وقام بتصميمه المعمارى البلجيكى آرنست جاسبار، ويضم 400 حجرة فضلا عن 55 شقة خاصة وقاعات ضخمة . تم تأثيث حجرات المبنى آنذاك بأثاث فاخر من طرازى لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. أما القاعة المركزية الكبرى، فوضعت بها ثريات ضخمة من الكريستال ، كانت تحاكى الطراز الشرقى ويبلغ ارتفاع قبة القصر 55 متراً، ومساحة القاعة الرئيسية به 589 متراً مربعا، وصممها ألكسندر مارسيل، وتم فرشها بسجاد شرقى فاخر ووضعت بها مرايا من الأرض إلى السقف، ومدفأة ضخمة من الرخام و22 عمودا إيطاليا من الرخام، وتوجد بالقصر قاعة فاخرة للطعام تكفى 150 مقعدا، وقاعة أخرى تضم 3 طاولات بلياردو منها اثنتان كبيرتا الحجم من طراز ثرستون. ويعتبر فندق جراند أوتيل الذى أصبح فيما بعد .قصر الاتحادية من أفخم الفنادق فى بدايات القرن العشرين وكان معماره المتميز ما لفت إليه النظر وأصبح عامل جذب سياحى للعديد من الشخصيات الملكية فى مصر وخارجها إضافة إلى رجال الأعمال الأثرياء، وكان من ضمن نزلاء الفندق الملك ألبير الأول ملك بلجيكا وزوجته الملكة إليزابيث دو بافاريا، وعاصر الفندق الحربين العالميتين وتحول فى بعض الفترات إلى مستشفى عسكرى ومكان لتجمع الضباط من قبل سلطة الاحتلال البريطانى فى مصر. فى الستينيات استعمل القصر الذى صار مهجورا بعد فترة من التأمين مقراً لعدة إدارات ووزارات حكومية، وفى يناير 1972 أصبح القصر مقرا لاتحاد الجمهوريات العربية الذى ضم آنذاك كلا من مصر وسوريا وليبيا ومنذ ذلك الوقت عرف باسمه الحالى غير الرسمى «قصر الاتحادية» ، وفى الثمانينيات وضعت خطة صيانة شاملة للقصر حافظت على رموزه القديمة، وأعلن بعدها المقر الرئاسى للرئيس الأسبق حسنى مبارك ومن بعده الرئيس السابق محمد مرسى . قصر القبة .... قام ببنائه الخديو إسماعيل، وتحول إلى أحد قصور رئاسة الجمهورية بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. ويقع هذا القصر شرقى مدينة القاهرة، وتصل مساحته إلى 80 فداناً، إضافة إلى الحديقة التى تحيط به وتبلغ مساحتها 125 فدانا . وخلال فترة حكم الخديو توفيق، صار القصر الذى ولد فيه محلاً لإقامة أفخم الاحتفالات وحفلات الزفاف الملكية. وعندما اعتلى الملك فؤاد ، عرش مصر عام 1917 صار القصر مقر الإقامة الملكية الرسمى، وخلال فترة إقامته فيه أمر بعدة تغييرات على القصر، حيث أمر بإضافة سور بارتفاع 6 أمتار، وبوابة جديدة وحديقة خارجية، كما أضيفت محطة سكة حديد خاصة بالقطار الملكى، حيث كان الزوار يأتون مباشرة سواء من الإسكندرية أو من محطة مصر المركزية للقطارات فى القاهرة . وألقى الملك فاروق أولى خطبه، عبر الإذاعة المصرية، فى 8 مايو 1936 من هذا القصر، إثر وفاة والده فؤاد الأول، واحتفظ فاروق بمجموعاته الخاصة فى ذلك القصر، حيث ضمت مجموعات نادرة من الطوابع والساعات والمجوهرات، ومعظم هذه الأشياء بيعت فى مزاد علنى فى عام 1954 حضره الكثير من المهتمين. وبعد ثورة يوليو 1952، أصبح أحد القصور الرئاسية الرئيسية، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يستقبل فيه الزوار الرسميين ، كما سجى جثمانه هناك بعد وفاته انتظاراً لجنازته فى مطلع أكتوبر 1970، ولا يزال القصر مقراً رسمياً لإقامة الزوار الرسميين لمصر. ومن الذكريات التى يحتفظ بها هذا القصر مشهد خيمة الرئيس الليبى السابق معمر القذافي، الذى اعتاد إقامتها بحديقة القصر ويتم اختياره كمقر لاقامته عند زيارته الى مصر ، ومن المشاهد كان دخول الرئيس الامريكى باراك أوباما الى القصر بعربات تجرها الخيول حتى مدخل القصر، حيث استقبله الرئيس الأسبق حسنى مبارك، على سلالم القصر. وآخر المشاهد تمثل فى استقبال الرئيس السابق محمد مرسى الرئيس التركى عبد الله جول، حيث أقيم مؤتمر صحفى مشترك بحديقة القصر ، وأقيم آخر احتفال لعيد العمال بحديقة القصر قبل رحيل مرسى عن الحكم . قصر «الطاهرة » ... يقع هذا القصر شرق القاهرة بين منطقتى روكسى وحدائق القبة بالقرب من قصر الاتحادية المقر الحالى لحكم مصر ، ويضم معظم دوائر مؤسسة الرئاسة ويعد رغم صغر حجمه من أفخم القصور فى العالم. كان الملك فاروق، اشترى القصر باسم الملكة فريدة عام 1941 بمبلغ 40 ألف جنيه، واشترى الفيلا المجاورة له، وضم إليه عدداً من الأراضي، حتى بلغت مساحته 8 أفدنة، ثم استرده منها، مقابل 117 فداناً بمحافظة الشرقية، ويحتوى القصر عددا من التحف والتماثيل الرخامية لفنانين إيطاليين. واتخذه الرئيس الراحل أنور السادات مقرا لعمليات حرب أكتوبر 1973، حيث أمر بتجهيزه لتدار الحرب من داخله ، وتوجد به صورة شهيرة للرئيس الراحل أنور السادات وحوله رجال الجيش، يقفون حول طاولة كبيرة يناقشون عليها خطة الحرب، وهى نفسها طاولة البلياردو التى كان أحضرها الملك فاروق من قصر محمد على فى شبرا الخيمة وضمها للقصر، كما شهد القصر تصوير فيلم الأيدى الناعمة عام 1963. وتردد أن القصر شهد جلسة تسوية مؤقتة، بين الرئيسين الراحلين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، خلال زيارة الملك سعود بن عبد العزيز فى مارس 1954، كما كان مقراً لإقامة فتحية نكروما، زوجة أول رئيس لغانا كوامى نكروما، وأسرتها لبعض الوقت عقب تشكيل حركة عدم الانحياز، كما كان مقراً لإقامة أرملة شاه إيران عام 1980، وأقام فيه رئيس الوزراء الفرنسى السابق ليونيل جوسبان. وفى عام 1996 رفعت بنات الملك فاروق، دعوى قضائية للمطالبة باسترداد القصر لأنه كان ملكاً لوالدتهم الملكة فريدة، على حد قولهن ولأنها لم تكن من أسرة محمد على، فلا يحق تنفيذ قرار المصادرة على القصر، وخسرن القضية.