كامي لوافييه، شاعرة فرنسية، من الجيل الجديد الذي بدأ بالحضور في المشهد الشعري الفرنسي، وقد زارت بيروت مؤخرا بدعوة من الجامعة اللبنانية (كلية الآداب والعلوم الإنسانية) وبين جامعة رين الثانية (فرنسا)، لتشارك في مهرجان شعري لبناني فرنسي «قولوا معنا» (أقيم في بيروت يومي 24 و25 الحالي) اشترك فيه كل من الشعراء باتريك دوبوست وكامي لوافييه (فرنسا) ومحمد على شمس الدين وجمانة حداد وألان تاسو وباتريسيا الياس (لبنان)، حيث تناوب الجميع على القراءة، مقدمين نصوصهم وباللغتين. . هنا لقاء مع الشاعرة الفرنسية تقدم فيه نفسها للقارئ العربي: سنبدأ بسؤال تقليدي، هلا لك أن تقدمي نفسك للقارئ العربي؟ - ولدت في مدينة نوفير العام 1965، بدأت كتابة الشعر خلال إقامتي في الصين وباللغة الصينية، كنت طالبة هناك. كما أنني ترجمت الكثير من الشعر الصيني، إذ كنت متأثرة جدا بالشعر الكلاسيكي الصيني والياباني. كنت أكتب الشعر غالب الأحيان، لكن هذا لم يمنع من أنني كنت أكتب النثر أيضا.
هل يمكن القول إذاً أنك جئت إلى الشعر عبر ترجمته في البداية؟ - أجل، عبر ترجمة الشعر الصيني إلى الفرنسية، كما أيضا عبر تأثير اللغة الصينية نفسها التي كانت أكبر من تأثير الترجمة نفسها. إذ ترجماتي الأولى لم تكن ترجمات تعتمد الوزن «السكندري» ما كان يجعل النص المترجم، «ينظف» اللغة الصينية بالكامل، أقصد لم يكن القارئ يعرف أنه كان أمام ترجمة، بل يرى فقط أنه أمام «شعر» فقط. كنت أحاول في ترجمتي، أن أظهر هذه اللغة الأجنبية في النص. إذ، كما نعلم، ليس هناك إعراب ولا ضمائر «شخصية» في اللغة الصينية ما كان يعطي اللغة الفرنسية غرابة ما. أغلب الأحيان، أحاول أن أجد شيئا في اللغة، شيئا «يشقلبها»، لا يكون متعارفا عليه، وبما أني أملك تجربة في الترجمة، أشعر دائما أني فقدت لغتي، أي لم أعد أعرف القواعد التي تعلمتها في طفولتي. كل ذلك امتزج ببعضه البعض، ولم يعد لدي الحس بالنحو، لذلك أظن أنني حين أكتب اليوم فأنا أمزج الصينية مع لغتي.
لو حاولنا اصطلاحا أن نتحدث عن تيارات ومدارس إذا جاز التعبير، أين يمكن أن نضع تجربتك هذه في سياق الشعر الفرنسي المعاصر؟ ÷ أعتقد أن شعري ينبثق من جانب الغنائية، أي من شعر ينبع من عاطفة ما، وهذه كلمة لا تزعجني البتة، إذ أعتقد فعلا أن الشعر ينبع من إحساس ما، إنه جواب على عاطفة ما، من دون أن يعني ذلك، الذهاب إلى غنائية مفرطة، بل هي غنائية معقلنة، كما يقال اليوم. هي كتابة مرتبطة بالتجربة والعالم، ولكن ليس بشكل تجريدي...
ما الذي تقصدينه بالقول بتجربة مرتبطة بالعالم»؟ - بالنسبة إلي، الشعر فقط هو الجواب على كل ما يمكن أن أشعر به من أحاسيس، من معرفة بالعالم، وهو أيضا جواب أو صدى لما أتعلمه وأراه وأسمعه. إنه بالضرورة علاقة ما بيني وبين العالم. هذه هي العلاقة ببساطة.
تقولين إنك لا تذهبين إلى غنائية مفرطة، هل تقصدين بأنك تقطعين مع نوع من الغنائية وجدناها في الشعر الفرنسي؟ - أجل أعتقد أنني أكسر مع غنائية ما، إذ على الأقل أجد أن لغتي لا تزال «مقلوبة» قليلا، كما أنني في ما يتعلق بالصورة، فأنا أتجنب جميع الصور الغنائية، كما أنني لا أفكر العاطفة على اعتبار أنها شيء يأتي من الذات وتطفح عنها. بالنسبة إليّ إنها تشكل جوابا بسيطا عن العالم. ليست نوعا من «العواطفية» كما أن موضوعاتي التي أكتبها، غير مرتبطة البتّة بهذه العواطفية. من هم الشعراء، في ما عدا الشعراء الصينيين بطبيعة الحال، الذين أثروا بك في بداية رحلتك مع الكتابة؟ - إذا أردت العودة إلى الشعراء الفرنسيين نجد في البداية أبولينير، الذي حرضني شعره كثيرا. هناك أيضا جاك ريدا الذي اعتبره شاعر الحركة الذي كان يتنقل على دراجته النارية (الصغيرة) بين مختلف الضواحي الباريسية. هناك أيضا بليز ساندرارس كما بيير ريفردي الذي أحب فيه هذا الجانب الرصين كما هذه البساطة في اللغة والصور. أعتقد أنهم الشعراء الذين أثروا بي أكثر من غيرهم. هناك شعراء غير فرنسيين، ينبغي الاعتراف أنهم لعبوا دورا: إميلي ديكنسون، مارينا تسفيتاييفا. أعتقد أنني بحاجة إلى أن أجد خطا من الشعر النسائي لأنتمي إليه، لذلك لو عدت إلى العصر الوسيط لقلت إن هناك أيضا لويز لابيه، أما في العصر الحديث فأعترف أنني أصبت بخيبة أمل من الشاعرات.
في ما لو عدنا إلى الأسماء التي ذكرتها الآن، لوجدنا أنك تبحثين عن «خارج ما»؟ - أجل
أريد أن أقول إنك بحاجة دائما إلى ثقافات أخرى، إلى حضارات أخرى، وكأنك تبحثين فيها عن أجوبة مختلفة؟ - أعتقد لأنني ولدت في مدينة «نوفير» ونوفير مدينة مرعبة.
أنت الآن في لبنان، من أجل ربيع الشعراء، حيث أقمت عدة قراءات، كيف تكونت هذه الرحلة؟ - إنه دانيال ريو (أستاذ الأدب في جامعة رين الثانية ونائب رئيس بيت الشعر في مدينة رين الفرنسية) الذي دعانا. سبق لي أن اشتركت في مهرجان «ديكلامون» الذي يقام في مدينة رين، من هنا رغب ريو في استعادة هذه التجربة هنا في لبنان، مع الجامعة اللبنانية، من خلال دعوته أيضا شعراء لا ينتمون فقط إلى «البرفورمونس»، بل أيضا «شعراء الصوت» العاري، إذ جاز القول، وأعتقد أنه من الجيد أن يكون هناك هذا التناوب. إذ أن التيارين مفترقان في فرنسا وما من أحد يجمع بينهما. من هنا حين عرض علي ذلك، وافقت بسرعة وبخاصة أنني لا أعرف الشرق الأوسط بتاتا.
هي تجربتك الأولى إذاً في هذه المنطقة، ما هو انطباعك الأول عنها؟ - غالبا ما أقارن البلدان الجديدة التي أزورها مع البلدان التي سبق إلي أن زرتها. لا أعرف، ربما هي الصين، لكن من دون الحشود الصينية (تضحك)، وربما هي مارسيليا، أي هذا الجانب المتوسطي، إذ أعتقد أن المدينتين متشابهتان كثيرا من هنا أظن أن ثمة قرابة بين البلدان المتوسطية، ربما هي قرابة عائلية أو ثقافية وهذا ما يدهشني.
بعيدا عن هذه التجربة مع المدينة، هل أوحى لك هذا المكان شيئا على الصعيد الشعري مثلا؟ - في هذه الفترة أكتب كثيرا عن رحلاتي وعن البلدان التي أزورها. لكن حين أكون على سفر لا أكتب شيئا عن البلد الذي أنا فيه، ما من كلمة واحدة، بل على العكس، أترك نفسي تتخضب بكل ما يأتيني، إذ أثق بالذاكرة وما ستحتفظ به، وهذا هو الأهم بنظري. في أي حال، بالنسبة إليّ، هي رحلتي الأولى إلى هنا، وأظن أن أي بلد هو غير موجود إلا إذا عدنا إليه، إذ لا تكفي رحلة واحدة فقط.
لأطرح السؤال بشكل آخر، لقد قرأت مع شعراء لبنانيين، كيف كان صدى ذلك عند؟ - لقد تأثرت وانفعلت مع قصائد محمد علي شمس الدين، وبخاصة أن الترجمة الفرنسية أوصلت النص، لقد أعجبتني مثلا هذه الجملة التي استعادها دوما في نهاية كل مقطع من إحدى قصائده. أضف إلى أن قراءته لقصائده بالعربية – وعلى الرغم من أنني كنت أتمنى أن أفهم النص – إلا أنه من حيث الإيقاع ومن حيث تحريك يديه جعلني أعجب فعلا بهذه القراءة.
هل سيدفعك هذا الأمر مثلا إلى زيادة تعمقك ومعرفتك بالشعر العربي؟ أظن أنه قبل مجيئك إلى هنا لم تكوني على اطلاع على الشعر اللبناني؟ - إلى حد ما، إذ قبل مجيئي إلى هنا حاولت البحث عن أكبر عدد من الكتب الشعرية المترجمة إلى الفرنسية، على الرغم من أنه ليس من السهل إيجاد ذلك بسهولة في فرنسا. وجدت عددا من الشعراء والكتاب الكلاسيكيين.. أعتقد فعلا أنني سأحاول أن استمر في معرفة هذا الشعر.
ما الذي شدك إلى هذا الشعر كي تعتبري أنك ستكملين البحث لاحقا؟ لا أعرف كيف أحدد ذلك بالضبط، وجدته شعرا قريبا مني على الرغم من أنني كنت أعتقد أنه شعر يأتي من مكان بعيد. كنت أظن أنه بلد مجهول، كما أنني لا أعرف ثقافته. في أيّ حال، فقط مجرد الاستماع إلى الشعراء اللبنانيين جعلني أشعر بأنه شعر قريب وهذا ما دفعني إلى القول لِمَ كان يجب عليّ أن أذهب إلى الشرق الأقصى من دون أن أمرّ في الشرق الأوسط الذي يبدو لي في النهاية أقرب إلى ما أحسّ به
عن السفير كامي لوافييه، شاعرة فرنسية، من الجيل الجديد الذي بدأ بالحضور في المشهد الشعري الفرنسي، وقد زارت بيروت مؤخرا بدعوة من الجامعة اللبنانية (كلية الآداب والعلوم الإنسانية) وبين جامعة رين الثانية (فرنسا)، لتشارك في مهرجان شعري لبناني فرنسي «قولوا معنا» (أقيم في بيروت يومي 24 و25 الحالي) اشترك فيه كل من الشعراء باتريك دوبوست وكامي لوافييه (فرنسا) ومحمد على شمس الدين وجمانة حداد وألان تاسو وباتريسيا الياس (لبنان)، حيث تناوب الجميع على القراءة، مقدمين نصوصهم وباللغتين. . هنا لقاء مع الشاعرة الفرنسية تقدم فيه نفسها للقارئ العربي: سنبدأ بسؤال تقليدي، هلا لك أن تقدمي نفسك للقارئ العربي؟ - ولدت في مدينة نوفير العام 1965، بدأت كتابة الشعر خلال إقامتي في الصين وباللغة الصينية، كنت طالبة هناك. كما أنني ترجمت الكثير من الشعر الصيني، إذ كنت متأثرة جدا بالشعر الكلاسيكي الصيني والياباني. كنت أكتب الشعر غالب الأحيان، لكن هذا لم يمنع من أنني كنت أكتب النثر أيضا. هل يمكن القول إذاً أنك جئت إلى الشعر عبر ترجمته في البداية؟ - أجل، عبر ترجمة الشعر الصيني إلى الفرنسية، كما أيضا عبر تأثير اللغة الصينية نفسها التي كانت أكبر من تأثير الترجمة نفسها. إذ ترجماتي الأولى لم تكن ترجمات تعتمد الوزن «السكندري» ما كان يجعل النص المترجم، «ينظف» اللغة الصينية بالكامل، أقصد لم يكن القارئ يعرف أنه كان أمام ترجمة، بل يرى فقط أنه أمام «شعر» فقط. كنت أحاول في ترجمتي، أن أظهر هذه اللغة الأجنبية في النص. إذ، كما نعلم، ليس هناك إعراب ولا ضمائر «شخصية» في اللغة الصينية ما كان يعطي اللغة الفرنسية غرابة ما. أغلب الأحيان، أحاول أن أجد شيئا في اللغة، شيئا «يشقلبها»، لا يكون متعارفا عليه، وبما أني أملك تجربة في الترجمة، أشعر دائما أني فقدت لغتي، أي لم أعد أعرف القواعد التي تعلمتها في طفولتي. كل ذلك امتزج ببعضه البعض، ولم يعد لدي الحس بالنحو، لذلك أظن أنني حين أكتب اليوم فأنا أمزج الصينية مع لغتي. لو حاولنا اصطلاحا أن نتحدث عن تيارات ومدارس إذا جاز التعبير، أين يمكن أن نضع تجربتك هذه في سياق الشعر الفرنسي المعاصر؟ ÷ أعتقد أن شعري ينبثق من جانب الغنائية، أي من شعر ينبع من عاطفة ما، وهذه كلمة لا تزعجني البتة، إذ أعتقد فعلا أن الشعر ينبع من إحساس ما، إنه جواب على عاطفة ما، من دون أن يعني ذلك، الذهاب إلى غنائية مفرطة، بل هي غنائية معقلنة، كما يقال اليوم. هي كتابة مرتبطة بالتجربة والعالم، ولكن ليس بشكل تجريدي... ما الذي تقصدينه بالقول بتجربة مرتبطة بالعالم»؟ - بالنسبة إلي، الشعر فقط هو الجواب على كل ما يمكن أن أشعر به من أحاسيس، من معرفة بالعالم، وهو أيضا جواب أو صدى لما أتعلمه وأراه وأسمعه. إنه بالضرورة علاقة ما بيني وبين العالم. هذه هي العلاقة ببساطة. تقولين إنك لا تذهبين إلى غنائية مفرطة، هل تقصدين بأنك تقطعين مع نوع من الغنائية وجدناها في الشعر الفرنسي؟ - أجل أعتقد أنني أكسر مع غنائية ما، إذ على الأقل أجد أن لغتي لا تزال «مقلوبة» قليلا، كما أنني في ما يتعلق بالصورة، فأنا أتجنب جميع الصور الغنائية، كما أنني لا أفكر العاطفة على اعتبار أنها شيء يأتي من الذات وتطفح عنها. بالنسبة إليّ إنها تشكل جوابا بسيطا عن العالم. ليست نوعا من «العواطفية» كما أن موضوعاتي التي أكتبها، غير مرتبطة البتّة بهذه العواطفية. من هم الشعراء، في ما عدا الشعراء الصينيين بطبيعة الحال، الذين أثروا بك في بداية رحلتك مع الكتابة؟ - إذا أردت العودة إلى الشعراء الفرنسيين نجد في البداية أبولينير، الذي حرضني شعره كثيرا. هناك أيضا جاك ريدا الذي اعتبره شاعر الحركة الذي كان يتنقل على دراجته النارية (الصغيرة) بين مختلف الضواحي الباريسية. هناك أيضا بليز ساندرارس كما بيير ريفردي الذي أحب فيه هذا الجانب الرصين كما هذه البساطة في اللغة والصور. أعتقد أنهم الشعراء الذين أثروا بي أكثر من غيرهم. هناك شعراء غير فرنسيين، ينبغي الاعتراف أنهم لعبوا دورا: إميلي ديكنسون، مارينا تسفيتاييفا. أعتقد أنني بحاجة إلى أن أجد خطا من الشعر النسائي لأنتمي إليه، لذلك لو عدت إلى العصر الوسيط لقلت إن هناك أيضا لويز لابيه، أما في العصر الحديث فأعترف أنني أصبت بخيبة أمل من الشاعرات. في ما لو عدنا إلى الأسماء التي ذكرتها الآن، لوجدنا أنك تبحثين عن «خارج ما»؟ - أجل أريد أن أقول إنك بحاجة دائما إلى ثقافات أخرى، إلى حضارات أخرى، وكأنك تبحثين فيها عن أجوبة مختلفة؟ - أعتقد لأنني ولدت في مدينة «نوفير» ونوفير مدينة مرعبة. أنت الآن في لبنان، من أجل ربيع الشعراء، حيث أقمت عدة قراءات، كيف تكونت هذه الرحلة؟ - إنه دانيال ريو (أستاذ الأدب في جامعة رين الثانية ونائب رئيس بيت الشعر في مدينة رين الفرنسية) الذي دعانا. سبق لي أن اشتركت في مهرجان «ديكلامون» الذي يقام في مدينة رين، من هنا رغب ريو في استعادة هذه التجربة هنا في لبنان، مع الجامعة اللبنانية، من خلال دعوته أيضا شعراء لا ينتمون فقط إلى «البرفورمونس»، بل أيضا «شعراء الصوت» العاري، إذ جاز القول، وأعتقد أنه من الجيد أن يكون هناك هذا التناوب. إذ أن التيارين مفترقان في فرنسا وما من أحد يجمع بينهما. من هنا حين عرض علي ذلك، وافقت بسرعة وبخاصة أنني لا أعرف الشرق الأوسط بتاتا. هي تجربتك الأولى إذاً في هذه المنطقة، ما هو انطباعك الأول عنها؟ - غالبا ما أقارن البلدان الجديدة التي أزورها مع البلدان التي سبق إلي أن زرتها. لا أعرف، ربما هي الصين، لكن من دون الحشود الصينية (تضحك)، وربما هي مارسيليا، أي هذا الجانب المتوسطي، إذ أعتقد أن المدينتين متشابهتان كثيرا من هنا أظن أن ثمة قرابة بين البلدان المتوسطية، ربما هي قرابة عائلية أو ثقافية وهذا ما يدهشني. بعيدا عن هذه التجربة مع المدينة، هل أوحى لك هذا المكان شيئا على الصعيد الشعري مثلا؟ - في هذه الفترة أكتب كثيرا عن رحلاتي وعن البلدان التي أزورها. لكن حين أكون على سفر لا أكتب شيئا عن البلد الذي أنا فيه، ما من كلمة واحدة، بل على العكس، أترك نفسي تتخضب بكل ما يأتيني، إذ أثق بالذاكرة وما ستحتفظ به، وهذا هو الأهم بنظري. في أي حال، بالنسبة إليّ، هي رحلتي الأولى إلى هنا، وأظن أن أي بلد هو غير موجود إلا إذا عدنا إليه، إذ لا تكفي رحلة واحدة فقط. لأطرح السؤال بشكل آخر، لقد قرأت مع شعراء لبنانيين، كيف كان صدى ذلك عند؟ - لقد تأثرت وانفعلت مع قصائد محمد علي شمس الدين، وبخاصة أن الترجمة الفرنسية أوصلت النص، لقد أعجبتني مثلا هذه الجملة التي استعادها دوما في نهاية كل مقطع من إحدى قصائده. أضف إلى أن قراءته لقصائده بالعربية – وعلى الرغم من أنني كنت أتمنى أن أفهم النص – إلا أنه من حيث الإيقاع ومن حيث تحريك يديه جعلني أعجب فعلا بهذه القراءة. هل سيدفعك هذا الأمر مثلا إلى زيادة تعمقك ومعرفتك بالشعر العربي؟ أظن أنه قبل مجيئك إلى هنا لم تكوني على اطلاع على الشعر اللبناني؟ - إلى حد ما، إذ قبل مجيئي إلى هنا حاولت البحث عن أكبر عدد من الكتب الشعرية المترجمة إلى الفرنسية، على الرغم من أنه ليس من السهل إيجاد ذلك بسهولة في فرنسا. وجدت عددا من الشعراء والكتاب الكلاسيكيين.. أعتقد فعلا أنني سأحاول أن استمر في معرفة هذا الشعر. ما الذي شدك إلى هذا الشعر كي تعتبري أنك ستكملين البحث لاحقا؟ لا أعرف كيف أحدد ذلك بالضبط، وجدته شعرا قريبا مني على الرغم من أنني كنت أعتقد أنه شعر يأتي من مكان بعيد. كنت أظن أنه بلد مجهول، كما أنني لا أعرف ثقافته. في أيّ حال، فقط مجرد الاستماع إلى الشعراء اللبنانيين جعلني أشعر بأنه شعر قريب وهذا ما دفعني إلى القول لِمَ كان يجب عليّ أن أذهب إلى الشرق الأقصى من دون أن أمرّ في الشرق الأوسط الذي يبدو لي في النهاية أقرب إلى ما أحسّ به عن السفير