يتفق الجميع على أن الثورة الرقمية خلقت أدوات جديدة للتواصل وجعلت المعلومات والمعرفة في متناول أعداد كبيرة من البشر. ولم يتردد البعض في القول إن بمقدور أي مستخدم لشبكة الإنترنت أن يكون مصدر معلومات موجّهة للآخرين. لكن لهذه الصورة الإيجابية في نشر المعلومات واختيار ما يشاء المرء من مصادر وجهها الآخر .. حيث يمكن أن يكون عرضة لتشويه صورته وأن يكون هدفا لجميع أشكال الابتزاز. هذا الوجه الآخر هو الذي يناقشه جون رونسون، الصحفي البريطاني السابق في صحيفة «الغارديان».. وفي محطة ال«بي بي سي» في كتابه الأخير الذي يحمل عنوان: «إذلال أمام الجمهور العريض». يشرح المؤلف أنه هناك الكثير من الحالات لأناس تعرّضوا لتشويه صورتهم ودفع بعضهم الكثير من سمعته إذا لم يكن قد فقد عمله، كما حصل للسيدة «ليندسي ستون» التي وجدت نفسها موضوع صفحة على «الفيسبوك» حملت عنوان «اطردوا ليندسي ستون». كان السبب هو أن إحدى زميلاتها في العمل نشرت لها صورة بدت وكأنها تقوم بحركة تتحدّى فيها ما تقتضيه جملة «ينبغي الصمت والاحترام» عند مدخل إحدى المقابر. ويستعرض المؤلف سلسلة من التعليقات التي صدرت بحق تلك السيدة من قبل مستخدمي الإنترنت على صفحات الفيسبوك. و«جوستين ساكّو» هي سيدة بريطانية كانت في مطار لندن وهي في طريقها إلى أحد البلدان الإفريقية عام 2013 عندما كتبت في تغريدة على التويتر إلى إدارتها حيث كانت تعمل في قسم العلاقات العامّة : «أنا متجهة إلى إفريقيا أتأمل ألا أُصاب بمرض نقص المناعة المكتسب الإيدز. أنا أمزح فأنا بيضاء البشرة». ذلك التعليق، أثار حملة عارمة من التعليقات الغاضبة. ذلك أنه خلال فترة ساعات الرحلة من لندن إلى البلد الإفريقي وجدت السيدة المعنية عند وصولها إلى مطار الهبوط أنها «الموضوع الأول على شبكات التواصل الاجتماعي» مع تعليقات ليس أكثرها حدّة اتهامها بالعنصرية وبأنها «من دون أخلاق».. وفي جميع الحالات تقصد جميعها «إذلالها أمام الجمهور العريض». في المحصّلة العامّة يبدو من الواضح أكثر فأكثر أنه ينبغي على المجتمعات اليوم العمل على إيجاد نوع من التوازن، في حقبة الثورة الرقمية التي يعيشها العالم، بين حريّة التعبير والحياة الخاصّة والمحافظة على خصوصية المعطيات الخاصّة بكل شخص. ولعلّ هذه هي الرسالة الأساسية التي يخرج بها مؤلف هذا الكتاب.