عنصر آخر يلفت النظر بقوة في تجربة فيلم "عائلة ميكي" يتمثل في مخرجه أكرم فريد، الذي سقط في براثن صيغة إنتاجية واحدة قدم من خلالها أفلاماً تحمل عناوين :"حاحا وتفاحة" و"أيظن" و"آخر كلام" و"الحب كده" لم تكشف عن موهبته كمخرج واعد كان واحداً من أوائل دفعته في المعهد العالي للسينما، وصنفته كمخرج منفذ يساير الموجة التجارية، وجاء هذا الفيلم لينفض التراب عن موهبة واضحة، وأسلوب غاية في الرصانة، سيزداد رسوخاً مع الأعوام.. والأفلام. في "عائلة ميكي"، الذي كتبه عمر جمال صاحب "أوقات فراغ" تتوقف بنا الأحداث عند عائلة مصرية تنتمي إلي الطبقة المتوسطة تتكون من الأب أحمد فؤاد سليم لواء الجيش ، والأم لبلبة مدير الشئون القانونية بإحدي المصالح الحكومية، وجدة ضريرة القديرة رجاء حسين وخمسة أبناء هم : الملازم "مصطفي" حسن حرب خريج كلية الشرطة و"ماجد" عمرو عابد الذي قدمه الفيلم بوصفه طالبا في السنة النهائية بكلية الهندسة، و"مازن" سيف الدين طارق طالب الثانوية العامة، و"ميادة" ايريني فادي الطالبة في السنة الأولي بالمرحلة الثانوية، والطفل "ميكي" محمد طلعت آخر العنقود في هذه العائلة التي رسخ في ذهن الأب والأم أنها نموذجية، ومؤهلة للفوز بلقب "العائلة المثالية" في المسابقة التي أجرتها إحدي القنوات الفضائية العربية، قبل أن يكتشفا، ونحن معهما، أنهما بصدد واقع كارثي ووقائع كابوسية؛ فالأسرة التي بدت وكأنها "الوطن"، لم تفلح اليد الحديدية والنظام الديكتاتوري في ظاهره أب "لواء" وأم محقق قانوني في إحكام السيطرة علي أفراده أو الكشف عن مواطن الخلل في أركانه؛فالأبناء لهم وجوه أخري غير تلك التي يظهرون بها أمام "الأب" و"الأم"، ومشهد بعد آخر يتولي الفيلم اسقاط هذه الأقنعة لنجد أنفسنا أمام عائلة نخر السوس عظام أفرادها وكيانها؛فالابن الأكبر "مصطفي" لم يحلم يوماً بأن يكون ضابط شرطة، لكنها رغبة الأب الحاكم و"ماجد معجزة" كما يطلق عليه رفاقه، أخفي عن "النظام" أنه لم يبارح السنة الثانية بكلية الهندسة، أما "مازن" فيدرك أن القوة هي سلاح الردع الوحيد الذي يعترف به المجتمع، فيلجأ إلي "البلطجة" عساها تحميه من بطش الأشرار، وتضمه إلي مجتمع الأقوياء، أما "ميادة" فتعاني البدانة، وتفتقر الثقة في نفسها، كما تفتقد الحب في حياتها، ومن ثم توجد عالمها البديل القائم علي الكذب والوهم ونسج القصص والأساطير الملفقة، بينما يتحول الطفل "ميكي" إلي ضحية لانشغال الجميع عنه، وعلي رأسهم الأب والأم، فيلجأ إلي تفريغ طاقته في أفعال عدوانية، في المدرسة وفي البيت، وحتي الجدة الضريرة تعيش مأساتها الخاصة؛فهي تشعر أنها عالة علي ابنتها لبلبة وتعاني انصراف ابنها الأكبر الذي تنصل منها، وتظاهر بالسفر حتي لا تقيم في بيته ! انهيار اجتماعي وأخلاقي تتبدي مظاهره تدريجياً، وبحرفية واضحة من المخرج وكاتب السيناريو، من خلال استخدام المخرج للقطات القريبة المكبرة التي تفضح حقيقة الشخصيات، واللقطات العامة التي تكشف عزلة الأم وحيرتها عقب اكتشافها حقيقة المأساة التي تعيشها عائلتها، والتوظيف الجيد لأغنية "ياحبيبي تعال الحقني شوف اللي جرالي"، لكن المخرج يرتكب جرماً في حق الجمهور، بتقديمه لمشهد فاضح يتبول فيه أحد الاشخاص علي حائط الورشة، ولا أظنه يتصور أنها "الواقعية". أما كاتب السيناريو فلا شك أنه يملك قدرة علي نسج المغامرات الطريفة، خصوصاً ذات الصلة الوثيقة بعالم الشباب، لكنه يثقل كاهل الفيلم بشخصيات زائدة، كالرائد "شريف" فريد النقراشي وسائق التاكسي ضياء الميرغني وأيضاً "عزقلاني" سامي مغاوري كما أفرط كثيراً في مشاهد "الرعب الكوميدي" الذي يصيب "الجدة"، نتيجة توهمها أن "البيت مسكون بالعفاريت" بينما الحقيقة أنه مرتع لفساد الابن الأكبر، وطيش الفتاة التي تريد أن تجرب الحب، فالمشاهد افتقدت خفة الظل، وعانت من تكرار أصاب المشاهد بالملل، بعكس المشاهد التي اضطر فيها "الأب" و"الأم" إلي مجاراة البرنامج التليفزيوني، والادعاء بأن "العائلة مثالية" بالفعل؛بينما يدركان في داخلهما، خصوصاً "الأم" حجم الشرخ الذي أصاب هذه العائلة وزلزل بنيانها، فالأب يؤكد أن جائزته الحقيقية في نجاح أولاده بينما هم أبعد مايكونون عن هذا النجاح علي أرض الواقع"، والأم تحاول إصلاح الوضع فلا تجد سوي اجترار"الذكريات" من خلال "ألبوم صور العائلة"، وفي إطار تأكيد الفيلم علي الأمراض التي أصابت المجتمع المصري في الفترة الأخيرة، كالزيف والنفاق الاجتماعي والانهيار الاعلامي، يوافق الأب والأم علي شروط معد البرنامج للفوز باللقب، وعلي رأسها رشوة لجنة التحكيم من خلال منحهما جزءا من القيمة المادية للجائزة، والتي تبلغ ربع مليون جنيه، والتشبث بالأكاذيب التي اختيرا علي أساسها، ومن بينها أن الابن طالب في السنة النهائية بكلية الهندسة، واخفاء تعثره الدراسي، وأيضاً أي ذكر لفساد اخلاقي ! تأتي نهاية فيلم "عائلة ميكي" صادمة ومثيرة للجدل، عندما تلخص كل معاني الرياء والخداع والتفكك الاخلاقي والاجتماعي التي يعيشها المجتمع المصري، من خلال لقطة ترصد فيها الكاميرا صورة العائلة وهي سعيدة ومبتهجة بفوزها بلقب "العائلة المثالية"، وتأكيد لجنة التحكيم أنها منحتها لها "باجماع الآراء، وبمنتهي الشفافية"، بينما هي أول من يدرك دناءة وانتهازية الطريقة التي لجأت إليها للفوز باللقب والجائزة، وهي نهاية تحذيرية كشفت حجم التناقض الذي نعيشه، كما أوحت بأن الكذب والتحايل والانتهازية والوصولية أصبح في نظر الكثيرين الوسيلة الوحيدة لاستمرار وجود العائلة المصرية، والحفاظ علي بقائها، وهي أخطر مقولات الفيلم الذي يمكن القول إنه لم يرصد مشاكل جيل فحسب، بل تحولات مجتمع بأكمله. دليل أخير علي أن أكرم فريد تغير، ووجد نفسه كمخرج، تعبر عنه المشاهد الاستهلالية للفيلم، وكاميرا رءوف عبد العزيز تتجول في شوارع مصر الجديدة، وتقدم لقطات جمالية بدرجة لونية ساحرة، كما نجح في ضبط ايقاع الفيلم عبر مونتاج مها رشدي باستثناء التطويل في مشاهد الجدة في "بيت الرعب"، وتحول الفيلم في لحظات إلي صخب وضجيج وزعيق، وتعثره في التحذير من تنامي ظاهرة البلطجة في المجتمع المصري، بينما أفلح في توظيف قدرات ممثليه، وعلي رأسهم القديرة لبلبة والمخضرمة رجاء حسين، وغير جلد "تتيانا" عندما اختارها لتقمص شخصية المذيعة التليفزيونية، وصدق حدسه وكسب الرهان علي المواهب الشابة التي أثبتت حضوراً لافتاً مثل : ايريني فايد وسيف الدين طارق وحسن حرب.. وقبل كل هذا اعاد اكتشاف نفسه ! [email protected]