برغم أن الدوائر من أجمل الأشكال الهندسية حولنا إلا أنها في السياسة تحمل معاني كثيرة، فالدوائر الانتخابية أصبحت مناطق صراع ونفوذ وأموال وبلطجة وعنف، والنتيجة دائمًا اكتساح للحزب الوطني إلا قليلاً. والجيزاة في مقدمة المحافظات التي فقدت دوائرها الانتخابية وبعد أن كانت تضم 14 دائرة انتخابية لتصبح ضمن المحافظات الأربعة الكبار علي مستوي الجمهورية تراجعت دوائرها لتصبح 5 دوائر فقط منهية بذلك أطول وأعنف صراعات انتخابية سقط من ورائها قتلي وجرحي كثر، ولاتزال القاهرة هي الأولي علي مستوي الجمهورية وتضم 23 دائرة انتخابية تليها الدقهلية ثم الشرقية وسوهاج. ولاتزال الدوائر الكلية علي مستوي الجمهورية 222 دائرة تضم 444 نائبًا منتخبًا، وهذا لا يتناسب مع الزيادة السكانية التي ترتفع أكثر من مليون نسمة سنويا، ومنذ عام 1990 وحتي اليوم ظلت أعداد الدوائر ثابتة، فيما ارتفع السكان بأكثر من عشرين مليون نسمة. ولو قسمنا السكان علي الدوائر والنواب، فيمكن القول إن متوسط سكان الدائرة عندما صدر قانون الدول عام 90 كان 270 ألف نسمة، بينما يصل الآن في انتخابات 2010 إلي 360 ألف نسمة، وهو نفس الرقم الذي يمثله النائب في الدائرة التي تتكون من نائبين أحدهما عامل أو فلاح والآخر من الفئات. وينفرد النظام الانتخابي المصري، بمثل هذا التنوع الذي يري المراقبون أنه جاء بلا اتساق ولا تخطيط ولا تكامل، وإنما جاء كل جزء منه ليعالج وضعًا متأزمًا، أو يرسم صورة لتمثيل فئة من الفئات المظلومة. إذن لدينا ووفقًا لنظام الانتخاب الفردي المباشر، دوائر صغيرة نسبيا لنواب الشعب في البرلمان، وأخري أكبر منها بمقدار ثلاثة أضعاف في مجلس الشوري، ودوائر ثالثة أوسع وأضخم تمثل المرأة، وهي دوائر لا مثيل لها لأنها تعتبر المحافظة كلها في 26 محافظة دائرة واحدة فقط، فالإسكندرية والجيزة والمنوفية وأسيوط وغيرها كل منها دائرة انتخابية واحدة أمام المرأة التي لا تقدر عليها حتي لو كانت المرأة الحديدية أو الفولاذية أو الخارقة أو النافذة، وعليها أن تتنافس مع غيرها من السيدات في كسب ثقة الناس في المحافظة بأكملها! ومحافظة مثل القاهرة نجد تمثيل نواب مجلس الشعب فيها يمتد إلي 23 دائرة انتخابية يمثلها 46 نائبًا، نجدها في مجلس الشوري 8 دوائر يمثلها 16 نائبًا، والقاهرة ذاتها في تمثيل المرأة لها نجدها دائرتين فقط يمثلها 4 سيدات فقط. ولأن الخبرات البرلمانية تقول إنه كلما اتسعت الدائرة فإن الأغلب أن ينتهي فيها التمثيل النيابي بالتزكية، لاستحالة الانتخابات في مثل هذه الدوائر الضخمة جدًا، فهل يعقل أن تمثل المرأة النائبة عن القاهرة ما بين سبعة إلي ثمانية ملايين نسمة هم نصف سكان القاهرة! ورغم أن الانتخابات النيابية القادمة سوف تجري وفقًا لنظام الانتخاب الفردي، فإن البعض يري أن الأمر يحتاج لإعادة نظر، ويرون أن الاتجاه للانتخاب وفقًا لنظام القوائم النسبية خاصة بعد التعديلات الدستورية، هو الأفضل للحياة السياسية والحزبية ولتمثيل كل الطوائف والفئات، والأكثر فاعلية في تحجيم التيارات المتطرفة.