مضي نحو شهر ونصف الشهر علي إعلان نتائج الانتخابات العراقية وهي الثانية منذ الإطاحة بنظام صدام حسين دون أن تلوح في الأفق أية بادرة علي تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. ويبدو أن جهود تشكيل هذه الوزارة تمضي في حلقة مفرغة أو أقرب إلي "حوار الطرشان" ناهيك عن المماحكات والتحايلات لاستلاب الأغلبية من "القائمة العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق أياد علاوي. وأغلب الظن أن تشكيل الحكومة العراقية يفوق قدرة العراقيين ونخبته التي تسيطر علي الحكم الآن لأكثر من سبب، فرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لم يتصرف بمنطق رجل الدولة ويسلم بهزيمته في الانتخابات ولم يسهل تشكيل الحكومة لإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة لكنه عمد إلي اللجوء لكل الحيل المشروعة وغير المشروعة لقطع الطريق علي منافسه من العودة إلي السلطة تارة بتأليب هيئة المساءلة والعدالة بحرمان قرابة 500 مرشح سني من المشاركة في اقتراع 7 مارس الماضي بزعم أنهم بعثيون وتارة أخري بالطعن علي بعض المرشحين الفائزين لحرمان علاوي من الأغلبية في البرلمان وتارة ثالثة بإعادة الفرز اليدوي في بغداد وهو الأمر الذي قبله علاوي علي مضض قبل أن يعاود الاشتراط بقبول نتائجه في حال الاستجابة لمطالب قائمته.. بما يعني أنه لا يستبعد أن يطالب بالشيء نفسه في محاولات الجنوب الموالية للمالكي والذي تتحدث تقارير عديدة عن حدوث تزوير وتلاعب لصالح المالكي وبالتالي ربما يفتح الباب لإلغاء الانتخابات العراقية والدفع باتجاه إعادتها وهو أمر يفوق قدرة العراق ويفوق أيضا احتمال الولاياتالمتحدة التي تتعجل سحب قواتها من بغداد لنقلها إلي جبهة أفغانستان.. الجبهة الرئيسية للحرب علي الإرهاب. وإذا كان المالكي قد فشل في الاندفاع مع الائتلاف العراقي الذي سبق أن انشق عليه ودخلت المفاوضات بين الجانبين في طريق مسدود فإنه فشل أيضا في التوصل إلي نقطة التقاء مع غريمه علاوي ودراسة أفكار عديدة لتسوية الأزمة سواء عبر تناوب رئاسة الحكومة أو عن طريق تشكيل حكومة اتحاد وطني. ولم يركن علاوي لألاعيب المالكي حيث قام بزيارة خارجية شملت تركيا والأردن ومصر والإمارات لحشد الدعم لقائمته في معركة تشكيل الحكومة.. كما دعا إلي تدخل الأممالمتحدة لتسوية الأزمة وهو نفس ما دعا إليه وزير الخارجية العراقي "الكردي" هوشيار زيباري وهي الدعوة التي هاجمها المالكي واعتبرها بمثابة تفريط في سيادة العراق. وقد تناسي المالكي أن العراق لم يسترد كامل سيادته وأنه لا يزال تحت الاحتلال والفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة.. كما أنه ليس بعيدا عما يجري في المنطقة من صفقات ومساومات أو تسخين وتوتير. إن من حق علاوي أن يسلك كل السبل التي تكفل له تشكيل الحكومة المقبلة لإنقاذ العملية السياسية من الانزلاق إلي قاع سحيق ولاسيما مع حدوث تطور مهم وغير مسبوق منذ الغزو تمثل في عقد أول اجتماع علني لجبهة المقاومة العراقية بما في ذلك جناحي حزب البعث في دمشق وتأكيد الهيئة رفضها الانخراط في العملية السياسية. تري هل يؤدي استضافة دمشق لمثل هذا الاجتماع إلي مزيد من التوتر مع بغداد وواشنطن لتزيد التوتر الحاصل أصلا علي خلفية مزاعم تزويدها حزب الله بصواريخ سكود.. أم تستخدم دمشق هذ التطور كورقة مساومة للتقارب مع واشنطن وتخفيف الضغوط الخارجية عليها.