هروبا من الفقر وجرياً وراء وعود كاذبة وحلماً بالثراء وابتعاداً عن معاناة المحن والأزمات المالية الشديدة وضعف الوازع الديني وأحيانا الطمع . أمور جعلت مجتمعنا في مواجهة مع قضايا ومستجدات لم نكن نعهدها من قبل. نمط غريب فرض نفسه بقوة كإحدي الظواهر السلبية التي طرأت علي مجتمعنا المصري وهي (ظاهرة زواج القاصرات) تكشف دراسة حديثة أعدتها وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع منظمة " اليونيسيف" أن حالات زواج المصريات من أجانب تزيد علي 40 ألف سيدة مصرية ليصل عدد أبنائهن إلي 150 ألف ولد وبنت وأن نسبة زواج القاصرات في مصر11%. وتكشف أيضاً دراسة قامت بها وزارة الأسرة والسكان علي ثلاثة مراكز بمحافظة 6 أكتوبر أن نسبة زواج القاصرات بهذه المراكز بلغت 74%. أرقام ونسب شديدة الخطورة لكن للأسف الشديد بعد كل ذلك ما زالت هذه الظاهرة لا تنال الاهتمام الكافي علي كل المستويات سواء كان حكومياً أو مجتمعياً. من العيب أن يأتي إلي بلادنا سائح عربي ويتزوج فتاة خلال فترة اقامته (5 أيام _ أسبوع-10 أيام) أيا كانت تلك الفترة مقابل مبلغ مالي ثم ينتهي الزواج بمجرد عودته إلي بلده ليترك الفتاة المخطئة في حق نفسها ومجتمعها لتواجه مشكلات لا حصر لها كانت بعيدة عن تفكيرها. ويبحث عن أخري ثم يعود ليسئ إلي سمعة مصر وبناتها في بلاده وقد يجلب إلينا أصدقاءه لنفس الغرض والمسلسل يتكرر والمشكلة تتفاقم. مصر مليئة بالرجال لكن لكل قاعدة شواذا ولا شك أن هناك طائفة معدومة الغيرة افتقدوا معني الرجولة ولا أظن أن لهم أدني انتماء لمصر وهم سماسرة التزويج الذين يمتهنون تزويج القاصرات مقابل مبالغ مادية ليقوم باحضار الفتاة للسائح العربي ويعطيها نسبة مالية والأدهي أنه قد يكون من أهل الفتاة التي سبق لها الزواج بهذه الطريقة وقد يصبح متعهداً لباقي فتيات العائلة وقد يستقطب فتيات الجيران أوالمنطقة المحيطة به. ناهيك عن صور التحرش الجنسي التي نتجت من الانحلال الأخلاقي وتدني القيم والسلوكيات ومن جراء أطفال الشوارع وضحايا العنف الأسري وخادمات المنازل اللاتي يتعرضن للإساءة الجنسية والمعنوية فضلاً عن التحرش اللفظي من قبل بعض الشباب ضد الفتيات في الشارع وداخل الحرم الجامعي، الصور كثيرة وكلنا نعرفها ونشاهدها كل يوم. ولن نغفل أيضاً دور شبكة الإنترنت كأداة ووسيلة فعالة في زيادة أو معالجة المشكلة فما يحدث علي الساحة العالمية من تقدم علمي وتكنولوجي يجذب بالحاح بعض ضعاف النفوس نحو العيوب أكثر من المزايا وتتعقد المشكلة. لكنني أقول، إننا في أمس الحاجة إلي وقفة ومواجهة صادقة لهذه الظاهرة التي تجعل مصر بمثابة محطة انتقال (ترانزيت) لزواج الصغيرات أو الزواج السياحي، ولن يتأتي ذلك إلا من خلال رفع الوعي وادماج الفتيات في الأنشطة الأسرية والاجتماعية وايجاد ضوابط وقوانين وعقوبات رادعة لنقضي علي تلك الظاهرة المخيفة وتعديل نص المادة 5 من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 المعدل بقانون 103 لسنة 1976 المتعلق بشروط توثيق عقود زواج المصريات من الأجانب. ولابد من إضافة مواد جديدة في القانون المصري تعالج تزويج القاصرات وتتصدي للظاهرة بكل حزم وعلي المجتمع تغيير نظرته التي تحمل المرأة المسئولية كاملة عما يحدث لها من إيذاء جسدي أو معنوي. وحسناً فعل "مركز عيون لدراسات وتنمية حقوق الإنسان والديمقراطية" حين أطلق حملة بعنون (مش للبيع) لمناهضة التجارة بالفتيات وتزويجهن من عرب أثرياء ونأمل أيضاً أن تكلل المساعي الأخيرة التي ناقشت أوضاع ومطالب المرأة المصرية في جنيف بما يحقق دعم وتمكين المرأة ومشاركتها في النهوض بالمجتمع فلا نجاح لأي مجتمع مادامت العقلية الذكورية وحدها هي السائدة والمهيمنة. وعلينا جميعاً أن ننتبه إلي أن تزويج القاصرات ناقوس خطر يدق علي أبواب مصر ويتطلب حشد الجهود الاجتماعية والمدنية وتضافر المجتمع بجميع مؤسساته خصوصاً المؤسسات الإعلامية قبل أن يفوت الآوان ويخرج الأمر من أيدينا.