لا تتورع الحكومة الاسرائيلية عن التمادي في لعبة خداع العالم.. فبعد ايام من اعلانها الوهمي عن التجميد الجزئي لبناء المستوطنات في الضفة الغربية لمدة 10 اشهر اذا بها تفاجئنا باعتماد موازنة اضافية تبلغ 41 مليون دولار لتوسيع مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلةوالقدس تحت عنوان خادع اطلقت عليه اسم "الاولوية الوطنية" مما يؤكد انها حكومة حرب وعدوان وليست حكومة تفاوض.. كما انها تواصل وضع العراقيل امام جهود استئناف عملية السلام مثلما وصفها المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابوردينة. وقد جاءت الهجمة الاستيطانية المذعورة لتفضح الاعيب نتنياهو وعصابته اليمينية المتطرفة.. واقرب الي رد علي هدية الاتحاد الاوروبي للفلسطينيين المتمثلة في قرار اعتبار القدس عاصمة لدولتين فلسطينية واسرائيلية بما يعني رفض ضمها للدولة العبرية او البت في مصيرها خارج طاولة المفاوضات. والمؤكد ان تمادي نتنياهو في مخططه لابتلاع المزيد من الاراضي المحتلة راجع الي هشاشة الموقف الفلسطيني وتناحر حماس وفتح علي السلطة الي جانب- وهذا هو الاهم- ميوعة موقف الرئيس الامريكي باراك اوباما وعجزه عن ممارسة ضغوط حقيقية علي رمز التشدد الاسرائيلي.. والادهي من ذلك انه واصل تراجعه المهين امامه بداية من تمرده علي المطالبة بوقف كامل وفوري للمستوطنات كمقدمة لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.. بدليل ان جولات مبعوثه الخاص للشرق الاوسط جورج ميتشيل لم تجعل نتنياهو يتراجع خطوة واحدة للوراء. والاسوأ من ذلك ان مواقف وتصريحات مساعدي اوباما باتت رويدا رويدا اقرب الي الرؤية الاسرائيلية بدليل حملة الترحيب التي رافقت اعلان تل ابيب قبل نحو اسبوعين عن وقف جزئي للاستيطان. ولا ندري ماذا يفعل اوباما واركان ادارته ازاء التطور الاسرائيلي المستفز وهو الذي من شأنه ان يضعف موقف معسكر الاعتدال الفلسطيني وانصار اوسلو لصالح المتشددين من شاكله حماس والجهاد الذين يتمسكون باستعادة كامل اراضي فلسطين التاريخية من النهر الي البحر. نتنياهو الذي يقود حكومة من المتطرفين والصقور لم يبد اي مقاومة للمشروع الذي يتبناه حزب الليكود لكنه استسلم تماما للخطة التي اعدها وزير المالية يوفال شتينتر وبما يعني ان المصادمات التي نقلتها الوكالات بين الشرطة الاسرائيلية والمستوطنين ليست سوي محاولة لخداع الرأي العام العالمي والبحث عن ذريعة لاطلاق "غول" الاستيطان من عقاله.. فاذا كان نتنياهو قد قرر تخصيص 28 مليون دولار يستفيد منها نحو 110 الاف مستوطن في الضفة بالتزامن مع ما يسمي التجميد الجزئي للاستيطان.. فما بالنا لو لم يتخذ هذا القرار الذي نجح في تسويقه لادارة اوباما.. وماذا ننتظر منه عقب انتهاء فترة الاشهر العشرة.. لا شك اننا يتعين ان نتوقع ابتلاع المزيد والمزيد مما تبقي للفلسطينيين علي نحو يجعل اقامة دولة فلسطينية متصلة الاجزاء.. في حكم المستحيل. وحتي ننفي اي مظنة للتحامل علي حكومة نتنياهو نكتفي بالاشارة لما قاله وزير ماليته بشأن خطة توسيع المستوطنات والتي اعتبرها بمثابة رسالة للمستوطنين مفادها ان الحكومة الاسرائيلية تتفهم مصاعبهم وتريد مساعدتهم رغم قرار التجميد الجزئي للاستيطان. المخطط الاسرائيلي الذي يستفيد منه 110 آلاف مستوطن بالضفة وثيق الصلة باعتزام تل ابيب هدم 200 منزل عربي في القدسالمحتلة.. بما يعكس استخفافا ب "اعلان بروكسل" وهو الذي ايدته واشنطن ويتسق مع قرارات الشرعية الدولية والقرارات التي صدرت الاسبوع الحالي عن الجمعية العامة للامم المتحدة وكلها تصب في الحفاظ علي حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وحقه في اقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية وعدم الاعتداد بقرار ضمها لاسرائيل او اجراء اي تغييرات علي حدود 4 يونيو 1967. الهجمة الاستيطانية الجديدة ليست منفصلة عن تنامي عدوانية المستوطنين واقتحاماتهم المتوالية للمسجد الاقصي تحت حراسة الشرطة لتأدية شعائر توراتية او عدوانهم علي منازل ومزارع الفلسطينيين وكذا تدنيس المقدسات علي غرار ما حدث من انتهاك صارخ لمسجد قرب مدينة نابلس شمل احراق مصاحف وكتب دينية وهو ما ندد به نتنياهو واعتبره منافيا لجميع المباديء الاخلاقية لاسرائيل وواجبها في احترام جميع الاديان. وعلي ذكر هذه العبارة نقول لنتنياهو ان هذا التنديد "كلام فارغ" بلا ادني معني او مردود فلسطيني لانه لو وجد المتطرفون اليهود اي جدية من الامن الاسرائيلي لما اعتدوا مرارا وتكرارا علي المسجد الاقصي ولما تكررت الاعتداءات بصورة اسوأ علي مسجد نابلس.. ولو ان حكومة نتنياهو تتبني نهجا تصالحيا مع الفلسطينيين لما بلغت عنصرية وتطرف المستوطنين هذا المبلغ الذي بات ينذر بنقل الصراع العربي- الفلسطيني الي صراع اديان. ولو ان نتنياهو ايضا يعي معني كلمة "اخلاق" لما اعلن عن تجميد جزئي للاستيطان لمدة 10 اشهر ثم يوافق وباغلبية 21 وزيرا مقابل اعتراض خمسة وزراء علي تخصيص اعتمادات اضافية للمستوطنات تري هل يضحك نتنياهو علي الفلسطينيين والعالم ام ان ما يفعله من صميم اخلاق اسرائيل. ووسط هذه المشاهد المفرقة في التشاؤم تطل الجهود المصرية الدءوبة والعنيدة لاعادة قطار القضية الفلسطينية الي القضبان وهو ما تجلي في اعتزام القاهرة دعوة الفصائل الفلسطينية لاجتماع فوري للتباحث حول ورقة المصالحة قبل توقيعها.. وبدون تتويج الجهد المصري بتوقيع المصالحة ووضع حركتي فتح وحماس ايديهما في ايدي بعض علي اعتبارات وطنية وفلسطينية.. فلا ينبغي ان نلوم نتنياهو الذي يفترض انه يخدم المشروع اليهودي الاستيطاني ولا اوباما الغارق حتي اذنيه في مستنقعي العراق وافغانستان.. لكن عندما يلتئم الصف الفلسطيني مجددا وتعود غزة الي احضان الضفة.. ويعاود الفلسطينيون مسيرتهم وفقا لقاعدة "يد تفاوض ويد تقاوم" ساعتها فقط يمكن تلمس الطريق للوقوف في وجه مخططات نتنياهو.. واعادة القضية الفلسطينية الي المربع الصحيح.