عقدت جماعة "مصريون ضد التمييز" مؤتمرها الثاني يوم الجمعة والسبت الماضيين، وخصصته لمناقشة التمييز الديني في التعليم. وفي تقديري أن هذا الحدث مهم، لكن رغم أهميته فإنه لم يحظ بالاهتمام الإعلامي اللازم. وأهمية هذا المؤتمر تنبع من عدة اعتبارات: الاعتبار الأول هو أن نجاح هذه الجماعة في الاستمرار "علي قيد الحياة" أي الاستمرار في الوجود، وعقد مؤتمر في العام الماضي ثم مؤتمر ثان هذا العام يعد في حد ذاته حدثا مهمًا لأن السياق العام يصب في صالح تكريس التمييز، وبالتالي فإن هذه الجماعة تسبح عكس التيار، ومع ذلك فإن هذه الظروف المعاكسة لم تصبها بالاحباط ولم تكسر شوكتها. الاعتبار الثاني انه إذا كانت هذه الجماعة قد نجحت في عقد مؤتمرها الأول العام الماضي رغم طردها من نقابة الصحفيين في مشهد مشين كانت البطولة المطلقة فيه للبلطجة والغوغائية فإنها نجحت في عقد مؤتمرها الثاني الأسبوع الماضي، رغم أن نقابة الصحفيين أغلقت أبوابها في وجهها للمرة الثانية لكن ب"الديموقراطية" هذه المرة حيث رفض مجلس النقابة بأغلبية كاسحة استضافة هذا المؤتمر ولم يشذ عن هذا الموقف سوي النقيب الأستاذ مكرم محمد أحمد والزميل جمال فهمي عضو المجلس اللذين غردا وحدهما خارج السرب رغم أن المفترض أن نقابة الصحفيين هي حصن الدفاع عن الحريات بما فيها حرية العقيدة، لكن عشنا وشفنا نقابة الصحفيين ترفض فتح أبوابها لمؤتمر يناهض التمييز!! الاعتبار الثالث أن هذه الجماعة واصلت رسالتها وانشطتها خلال هذه الفترة وسط أجواء غير صديقة وصلت إلي حد الافتراء عليها ومحاولة تلويث سمعتها بالزعم تارة بوجود علاقة خفية بينها وبين إسرائيل "والعياذ بالله" وتارة أخري بالادعاء بأنها تتلقي تمويلاً أجنبيًا وبالتالي فإنها تخدم أهدافا أجنبية تتنوع مصادرها لكنها تتفق في غاية أساسية هي النيل من الاسلام!! وهذه الاتهامات لم يتم ترديدها في مجالس خاصة أو الهمس بها في الأروقة وجلسات النميمة وإنها تم ترديدها كتابة في صحف قومية وغير قومية بثقة كبيرة دون أن يهتز جفن من يروجها. وبالطبع.. فإنه ثبت أن هذه مزاعم كاذبة لا أصل لها ولا فصل. وحسنا فعلت هذه الجماعة المحترمة عندما أعادت تقديم نفسها في مقدمة كتاب مهم صدر بالتزامن مع انعقاد المؤتمر الثاني عن "النشأة والأهداف والمواقف". وردًا علي سؤال "من نحن" كانت الاجابة هي: وحددت أهداف حركة "مصريون ضد التمييز الديني" فيما يلي: 1- الدعوة إلي إعلاء قيم حرية الفكر والاعتقاد وتعميق ثقافة حقوق المواطنة، والتصدي الفعال لكل أشكال التمييز الديني أيًا كان مصدره. 2- العمل بكل الوسائل الممكنة علي إلغاء كل أشكال التمييز بين المواطنين المصريين في القوانين والأوراق الرسمية والتعليم والاعلام. 3- الدفاع عن حقوق المواطنة الكاملة لجميع المصريين وتأكيد انهم متساوون تماما في كل الحقوق والواجبات بما في ذلك حرية الاعتقاد والعبادة وإعلاء شأن المواطنة. 4- المطالبة بالتجريم القانوني لكل ممارسات التمييز بين المواطنين وعلي الأخص التمييز علي أساس الدين والملاحقة القضائية لكل من تثبت ممارسته التمييز ضد أي مواطن أو مواطنة بسبب الاعتقاد الديني. 5- العمل علي تحقيق المساواة الكاملة في جميع الاجراءات المتبعة عند إنشاء وترميم دور العبادة بدون تفرقة علي أساس الديانة والسعي لاستصدار القانون المعرض لدور العبادة. 6- السعي إلي القضاء علي التمييز من خلال تنمية الطابع المدني الديموقراطي للدولة المصرية وما يستتبع ذلك من إجراءات لدعمها وإنشاء مؤسسات عامة تضطلع بمهمة تلقي الشكاوي الخاصة بالتمييز والبت فيها. هذه الأهداف ليست "اختراعات" ومع ذلك فإن حركة "مصريون ضد التمييز الديني" تعد "تجربة هامة في السياسة المصرية" وتأتي أهميتها كما يقول كتاب نشأتها من انه لأول مرة يتفق مجموعة من الناس من رؤي سياسية مختلفة بل ومتناقضة ومتناحرة غالبًا، علي العمل المشترك لتنفيذ نقطة وحيدة يتفقون عليها وهي مناهضة التمييز الديني دون الانجرار إلي الموقف التقليدي للسياسيين في مصر "كل شئ أو لا شئ" ولو نجحت هذه التجربة فيمكن أن تنتشر إلي مجالات أخري مشتركة وهو ما يؤدي لتقوية قوي التغيير في المجتمع. وكان الظن أن حركة بهذه الرؤية وتلك الأهداف ستنمو بسرعة وتلتف حولها أوسع القطاعات من جميع الأديان، ومن غير المتدينين علي حد سواء لكن المفاجأة كانت التضييق عليها واغلاق الأبواب أمام انشطتها حتي من جهات كان يعتقد انها في طليعة المؤيدين والمباركين.