من المؤكد ان ما حدث في مؤسسة الاهرام خلال الاسابيع الماضية قد القي بظلاله علي الجميع وان القضية لم تصبح هذا الثغر او ذاك وانما هي اصابت الجميع بشظايا ونيران وامتد التأثير الي خارج الاهرام لنقل الي جميع المؤسسات القومية ولا يمكن ان نفسر حركة التغييرات الصحفية الاخيرة التي حدثت في نهاية الاسبوع الماضي الا بتأثير هذه النيران والشظايا. فقد بدا المشهد واضحا للجميع ان الشرارة التي اطلقتها القرارات الادارية "سبب الازمة في الاهرام" تعكس ازمة كامنة داخل المؤسسات الصحفية وهي ازمة ابطالها هو ما تعارف اسما عليه بجيل الوسط الصحفي وتتراوح اعمارهم من الاربعينيات وحتي منتصف الخمسينيات تقريبا، فهذا الجيل التحق بالعمل بالصحافة القومية منذ اوائل الثمانينيات واستمر يعمل بدون اي تدرج وظيفي او فرصة لتولي المناصب او حتي تحقيق مهني بارز يشار له بالبنان "مع بعض الاستثناءات القليلة جدا". الي ان حدثت انفراجة التغييرات الصحفية الاولي عام 2005 وتولي جيل جديد مسئولية المكان. وفتح معه الباب الي دخول دماء جديدة شابة وصغيرة الي المؤسسات القومية وهكذا وجد جيل الوسط لنفسه او اغلبيته العظمي انه مازال "خارج الكادر" ولكن تزامن مع هذه الاحداث ظهور الصحف المستقلة والخاصة الي الوجود ثم الانفراجة الكبري ايضا في زيادة القنوات التليفزيونية الخاصة والبرامج التليفزيونية والتي كانت هي الاخري تحتاج الي كوادر ومن ثم التقي الطرفان معا فاخيرا شعر جيل الوسط واغلبهم جيل مهني وبعضه له اراء رؤي نفسه ووجد الدور الذي بحث عنه وتمسك الطرفان بالعلاقة وسلمت الفرصة بعد غياب وهنا ظهرت اسماء وكتابات ومناقشات وبرامج وحوارات. فلما حدثت الشرارة من الاهرام وكان طبيعيا ان تحدث لان جميع المؤسسات الصحفية بدون استنثاء مضت بعد التغيرات الاولي كان بها العديد من الطاقات المعطلة وابداعات مؤجلة كان لابد ان يحدث الصدام ويطرح بضراوة ضرورة التغيير وتولي جيل الوسط لزمام المسئولية وكان من الطبيعي ومن القراءة المتأنية للتغييرات الصحفية التي حدثت "بشكل فجائي ودرامي ايضا" وفي نهاية الاسبوع الماضي ان تضم عددا كبيرا من الاسماء "ان لم يكن كلها" ممن أفرزتهم الصحف الحديثة وبرامج التليفزيون. واعتقد ان تلك خطوة تغيير مهمة سوف تظهر نتائجها عما قريب في الوسط الصحفي لانه بصرف النظر عن الاسماء او رأينا فيها سواء بالقرب او البعد عن الارتباط بمراكز السلطة تظل هناك ايجابية اسمها فصل التغيير في حد ذاته وضخ دماء جديدة فعلا من اجيال الوسط. ولكن التغيير نفسه بما طرحه من اسماء وكوادر يحمل ايضا عدة اسئلة مهمة وهي هل يستطيع الزملاء الجدد والمؤسسات القومية التي تضم 85% من الصحفيين العاملين في بلاط صاحبة الجلالة ان يطوروا من مطبوعاتهم ويخلقوا كوادر جديدة واسماء لامعة في الصحف القومية.. مثلما حدث في انفراجة بوجود الصحف المستقلة التي ساعدت علي ابراز مواهبهم. وكيف ستكون العلاقة والمنافسة بين الصحف المستقلة وكتابها وبين الصحف القومية خاصة ان العديد من الاسماء كانت لامعة في هذه الصحف وهل ستحافظ الصحف المستقلة والخاصة وبرامج التليفزيون علي حريتها النسبية في تناول الشأن الصحفي. ام ستتأثر العلاقات نتيجة المصالح السابقة. وكيف ستكون المنافسة بين الجميع، مع الاخذ في الاعتبار ان اغلبية رؤساء التحرير الجدد يعرفون بعضهم البعض جيدا والسؤال الاهم هل ستؤدي التغييرات الجديدة الي تعميق الممارسة المهنية والصحفية والديمقراطية والرأي والرأي الاخر.. داخل المؤسسات القومية التي طال جزء كبير منها التغيير ام سيكون هناك ظلال للماضي وعلاقاته والمنصب وتبعاته هذا ما سوف تعرفه في القريب العاجل. يتبقي جزء مهم في حركة التغييرات الاخيرة وهي ارساء مبدأ فصل الادارة عن التحرير في كل المؤسسات الصحفية وليست الثلاث الكبري مثلما حدث في المرحلة الاولي ولاشك ان هذه خطوة مهمة وضرورية في التطور الاداري ومزيد من التخصص الذي يشهده العصر الحديث لان لسنوات طويلة مضت كانت الادارة تطغي احيانا وفي الاغلب يتخطي العمل الصحفي- حتي وصلت المؤسسات الصحفية لما وصلت اليه اموالها المالية والادارية- لا تتهم احدا ولكن الاصلاح الحقيقي يبدأ حينما يسند عمل واحد لشخص واحد وليس "سبعة صنايع ومناصب" كذلك آن الأوان ان يفتح علي مصراعيه جميع ملفات المؤسسات الصحفية اذا اردنا بالفعل النجاح لهذه المؤسسات والمنافسة في ظل التغيير الكبير في وسائل الاتصال والتكنولوجيا ولا يصلح الان العلاج بالمسكنات فلابد ان نفتح جميع الملفات من لو تم عمل وقواعد للمسئولية والمحاسبة قواعد ايضا لتولي المسئؤلية وقبل كل ذلك عقود عمل تحترم للصحفي وما عليه ومرتبات حقيقية وليست "ابداعًا من قرون مضت". واخيرا اذا كانت الحركة الامنية ققد ادهشت الجميع ففرح من فرح وحزن من حزن لكن يتبقي الأمل انه علي الاقل قد حدث تغير، ولكن ينقصه تفاؤل هو لماذا اختفت المرأة من تولي أي مناصب داخل المطبخ الصحفي فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً والمرأة بعيدة تماماً عن أي مناصب صحفية كبري ولا يصح أن نقصر دورها علي مجلات المرأة والديكور والموضة فنحن لا نطالب بذلك اليوم أو في الغد القريب ولكن علي الأقل يجب من الآن الاعداد للحلم لتتولي المناصب يوماً ما مع الأخذ في الاعتبار أنها تمثل 30% من عضوية نقابة الصحفيين.