يبدو أننا لسنا وحدنا الذين فوجئنا بإعلان القائمين علي مهرجان القاهرة للإعلام العربي تكريم الإعلامية الكبيرة ملك اسماعيل في الدورة القادمة للمهرجان،فقد فاجأتنا عندما قالت لنا،بصراحتها المعهودة، أنها متوجسة،أيضاً،من هذا التكريم الذي لا تدري الهدف من ورائه،ولا السر في اختيار توقيته ؛فمازالت الإعلامية الكبيرة تشعر بمرارة شديدة من النهاية التي أرادوا لها أن تكون ختاما لمسيرة طويلة من الدأب والمثابرة لم تتوقف يوماً خلالها عن الانحياز لرجل الشارع البسيط،وأبت أن تقبع في مكتبها،كغيرها،ونزلت الي الشارع المصري لتواجه الفساد في حملات منظمة ألبت ضدها مافيا الفساد،ولم تخش مواجهة أباطرة المخدرات،وبؤر الإجرام،وراحت تواجه السلبيات والانحرافات في كل مناحي الحياة ؛فحذرت،مبكراً، من خطورة التلوث،وكانت أول من دخل معاهد الأورام الخبيثة،وألقت الضوء علي هذا المرض اللعين،ونجحت في أن تقود حملة تبرع ضخمة بعدما جندت نفسها لمحاربته. وبدلا من أن تُرفع علي الأعناق فوجئت بمن يقصيها عن موقعها بلا رحمة ! هكذا وجدنا الإعلامية الكبيرة ملك اسماعيل عندما ذهبنا لنهنئها باختيارها ضمن كوكبة من الإعلاميين للتكريم في الدورة الرابعة عشر لمهرجان القاهرة للإعلام،التي تنطلق في الفترة من 1 إلي 11 نوفمبر المقبل ؛فقد بدت حزينة بل غاضبة،وهي تتلقي تهنئتنا،وعلي غير العادة في مثل هذه الأحوال لم تجد الفرحة طريقها إلي وجهها،بل خلّفت شعوراً لدينا بأننا نكأنا جرحاً غائراً لم يندمل بعد،ولم تنجح الأعوام في محو آثاره. وكأنك غاضبة من قرار تكريمك؟ - الصحيح أنني حائرة ؛لأنني لا أفهم سببه،ومن الطبيعي في حالة كهذه ألا أشعر بأي سعادة ؛فهل يصدق أحد أنني لم أتلق دعوة لحضور المهرجان في عهد الوزير أنس الفقي،علي الرغم من أنني واحدة من مؤسسي هذا المهرجان،وعلي الرغم أيضاً من أن الوزير أنس الفقي يعرفني جيداً منذ سنوات طويلة،ولم يتذكرني سوي الآن. ألا يشفع له أنه قرر تكريمك في الدورة الثالثة التي تقام في عهده بينما لم يتذكرك أحد طوال الدورات التي أقيمت في عهد الوزير صفوت الشريف؟ - بالطبع لا.. وانتهز الفرصة لأؤكد أنه علي الرغم من الخلاف الذي وقع بيني وبين صفوت الشريف،والمشاكل التي تعرضت لها في عهده، إلا أنه كان يرسل لي،وبانتظام،دعوات حضورالمهرجان،بل إن برنامجي"علي الطريق" فاز في إحدي الدورات كأفضل برنامج جماهيري،وسلمني الوزير صفوت الشريف الجائزة بنفسه،ومؤخراً تواجد في حفل أقيم لخريجي الصحافة، وكنت واحدة من المكرمين، ومنحني الجائزة في الوقت الذي لم أتلق فيه دعوة واحدة لحضور المهرجان طوال عهد الوزير أنس الفقي. مادمت جئت علي ذكر الخلاف الشهير بينك والوزير السابق صفوت الشريف. حدثينا عن حقيقته؟ - وقت أن كنت أتولي رئاسة القناة الأولي حدث أن تم اختلاق مشكلة من لا شيء،وكان واضحاً منذ الوهلة الأولي أن الهدف منها الإطاحة بي من منصبي تمهيداً لتعييني في منصب مستشار منزوع الصلاحيات ؛إذ طلبت مني سهير الإتربي رئيس التليفزيون وقتها أن أذيع خبر وفاة الفنان فريد شوقي،وقالت بالحرف:"يبدو أنه يوم الوفاة العالمي"؛حيث شهد اليوم نفسه وفاة الشيخ الشعراوي،وكان ذلك علي مرأي ومسمع من عدد من المخرجين والمصورين، وسرعان مااتضح أن خبر وفاة فريد شوقي مجرد شائعة، وكانت النتيجة أنني دفعت الثمن،بعدما تعرضت للعقوبة،وأنكرت "سهير" كل ما حدث ! ولماذا لم يتدخل الوزير صفوت الشريف وقتها ويراجع سهير الاتربي؟ - أولا لأنه رفض الاستماع إلي وجهة نظري، وثانياً لأنني شعرت أن الحكاية كلها مقصودة، والأمر مجرد لعبة، لكنني لم أصمت،وساندتني الصحافة بكل انتماءاتها،ولجأت إلي القضاء برغم كل المحاولات التي بُذلت لاقناعي بالعدول عن قراري هذا، غير أنني صممت، وبالفعل حكم القضاء الاداري لصالحي، وأمربتعويضي بمبلغ قيمته 50 الف جنيه كنوع من التعويض الأدبي. وكيف استقبل صفوت الشريف قرار لجوئك للقضاء الإداري؟ - غضب بشدة،ومن هنا كان الخلاف الحقيقي بيننا ؛فقد تصورت أنه سيساندني في مشكلتي، ويرفض الموافقة علي قرار الإطاحة بي،وحتي عندما أنصفني القضاء قال لي إنه لن يعيدني إلي منصبي كرئيس للقناة الأولي، وأصدر قراراً بتعييني في منصب نائب رئيس التليفزيون، ووقتها استحدث منصباً جديداً لم يكن موجوداً من قبل،وهو نائب رابع لرئيس التليفزيون، وعلي الرغم من انني عانيت،وأنا نائب لرئيس التليفزيون أيضاً إلا أنني حمدت الله لأنني خرجت من منصبي واقفة علي قدمي وسمعتي لا غبار عليها. بعد كل هذه الأعوام.هل وجدت تفسيرا لما تعرضت له ؟وهل كان لنجاحك كإعلامية تطارد الفساد دخل في هذا؟ - بكل تأكيد له دخل ؛فهناك من يحاربون أي نجاح، ويكفي أنني لم أفعل مثلما فعلت زميلاتي فتركت التكييف، واستغنيت عن المكياج،وكنت الإعلامية الوحيدة في ذلك الوقت التي كانت تتواجد في الشارع،وتفتح النار علي المُفسدين من خلال برنامجي " علي الطريق " الذي قدمته لما يقرب من 20 عاماً،وتعرضت بسببه لمخاطر كثيرة،فتم حرق سيارتي أمام منزلي أما برنامجي الآخر "سلوكيات" فقد أثار حفيظة واعتراض زملائي علي اسمه، لكنني تمسكت به،وها نحن الآن نجد كلمة "سلوكيات" منتشرة ومتداولة في كل الحوارات والخطب الدينية. ألا تقتنعين بأنك اخترقت سقف الحرية المحدودة وقتها، وأنك تعمدت دخول عش الدبابير مما كان سبباً رئيسياً لمطاردتك ومحاربتك؟ - أبداً، فقد كان هناك اتجاه لفتح هذه الملفات،والرئيس محمد حسني مبارك كان يزورنا في المبني ويناقش افكارنا ويشجعنا علي الاستمرار. وما صحة ماتردد وقتها أنك مسنودة من وزارة الداخلية بسبب زوجك، وأن هذا هو السبب في جرأتك ونجاحك؟ - أولا زوجي "مهندس"،ولا علاقة له بوزارة الداخلية، أما القول بأنني كنت مسنودة فأنا بالفعل مسنودة لكن من الله سبحانه وتعالي، ومن الجمهور الذي اكتسبت احترامه،وأيضاً كبار المسئولين الذين ساندوني، وهذا هو سر نجاحي الحقيقي. وما صحة ما أشيع حول عملية سطو تعرضت لها مؤخراً؟ - يحدث أحياناً أن تتشابه الأسماء أو ماركات السيارات لكن لا يجوز أبداً أن يتشابه الإعلاميون في طريقة التقديم أو نوعية البرامج والأفكار التي يختارون تقديمها،وهذا ما حدث معي عندما شاهدت مشواري العملي أمامي مُجسداً في المسلسل الذي قامت ببطولته الفنانة يسرا بعنوان"لقاء علي الهوا"؛فأنا وحدي التي قدت حملات إعلامية ضد التلوث في مصانع شبرا الخيمة أو الهرمونات المسرطنة بل وضد الأشخاص الذين كانوا يحاربونني علي أرض الواقع. أمر يتكرر كثيراً فلماذا أطلقت عليه وصف "عملية سطو"؟ - لأن ماحدث بالفعل كان أشبه بعملية سطو ؛خصوصاً إذا علمنا أن مؤلف العمل هو زوج ابنة إحدي موظفات الرقابة التي كانت تشاهد برنامجي في التليفزيون المصري أثناء فترة عملي،وعليه لم يفارقني الشعور بأنها محاولة جديدة لازعاجي،ومحاربتي؛فقد كان بمقدورهم أن ينوهوا عني في بداية المسلسل،كنوع من رد الحق الأدبي الأصيل لي. في رأيك لماذا لم يتكرر نجاحك الآن علي الرغم من زيادة مساحة الحرية في التليفزيون المصري مقارنة بما كانت عليه وقت تقديمك لبرامجك؟ - بسبب الاستسهال ؛ففي زماننا لم يكن لدينا فريق من الصحفيين يعدون برامجنا كما يحدث الآن،وكنا نعتمد علي أنفسنا في الإعداد،ولم يكن هناك "نت" و"كمبيوتر"،بل كنا نضطر للقراءة والبحث،ولهذا السبب لم نجد صعوبة في السيطرة علي أدواتنا كمذيعين قادرين علي إدارة دفة الحوار باقتدار. وكأنه سبب لاختفاء الشخصية التي كانت تميز المذيعة المصرية لسنوات طويلة؟ - بل السبب في اختفاء كل شيء متميز في التليفزيون المصري الذي يعيش الآن أضعف عصوره بعدما نجحت القنوات الخاصة في منافسته، والتفوق عليه،مما أدي الي نفور المشاهد المصري منه ولجوئه إلي القنوات الجديدة، وهكذا فعلت أيضاً عندما لجأت إلي هذه القنوات عندما حاولت أن أتابع القنوات الأرضية ؛ فوجدت أن ما يعرض مجرد "كلام فاضي" فما كان مني إلا أن عزفت عنها، وأصبحت من متابعي "الجزيرة" و"العربية" وال "بي.بي.سي"،ولا أشاهد "البيت بيتك" إلا نادراً،لكون موعد إذاعته يتعارض مع برنامج "الطبعة الأولي" الذي تقدمه قناة "دريم"،وإن حرصت في فترة ما علي متابعة حلقة يوم الاربعاء للاستماع إلي الداعية خالد الجندي فقط. وهل ينسجم هذا والأجور الخيالية التي يتقاضاها المذيع الآن ؟ - بل تنتابني الدهشة عندما أتذكر أننا كنا "نتخانق" ليحصل الواحد منا علي 500 أو 550 جنيها،ولعلي أذيع سراً عندما أقول إن أجر حلقة برنامج "سلوكيات" لم يكن يتجاوز ال 30 جنيها. فاتني ان أسألك عن سبب توقف برنامجك؟ - حفاظاً علي كرامتي ؛فعندما أفاجأ بتغيير موعد إذاعة البرنامج كل فترة، والإطاحة به ليذاع في الساعة الثانية بعد منتصف الليل فلابد أن يمنعني اعتزازي بنفسي من قبول هذا الوضع المُهين لكن الغريب أن المسئولين في التليفزيون المصري لم يطالبونني بالاستمرار في تقديم البرنامج وكأن قراري جاء متوافقا مع رغبتهم في اقصائي ! وهل تجدين في نفسك القدرة علي العودة والاستمرار؟ - بالطبع ؛فأنا من الناحية الشكلية مازلت محافظة علي قوامي وشكلي،ومن الناحية الذهنية مازلت أتمتع بذاكرة جيدة،وبناء عليه فإنني من حيث الشكل والمضمون أتمتع بكل المقومات التي تعينني علي العودة،لكن يبقي السؤال :"أين ؟وكيف ؟وهل سأعود لأتعرض لحرب من جديد؟ يكفي أنني والكثيرمن أبناء جيلي جري استبعادنا من المشاركة في أي شيء مثل لجان تحكيم مهرجان الإذاعة والتليفزيون، علي سبيل المثال، وأنا هنا لا أعني العائد المادي فأنا ميسورة الحال والحمد لله لكنني أعني التواجد،والاستفادة من الخبرات التي حصدناها طوال الأعوام الماضية.