الطقس والأسعار والتوقيت قبل العيد، كانت وراء الحالة الباهتة التي جاء عليها معرض الكتاب هذا العام. بالإضافة إلي غياب الوزراء وأغلب النجوم عن ندوات المعرض.. كل هذه العناصر اتحدت لتجعل من الحضور في المعرض ضعيفا، مقارنة بالسنوات الماضية. وضاعف من ذلك أن المعرض بدأ في الأسبوع السابق لعيد الأضحي وسط انشغال الناس بالتحضير له، الأمر الذي أكل ميزانية الأسر، كما أن ارتفاع إيجارات أجنحة العرض، والدولار كانا سببا في مزيد من الارتفاع في أسعار الكتب، يضاف لذلك زيادة النشر الإلكتروني للعام الخامس. ومع ذلك فقد ظل المعرض فرصة لأن يلتقي المثقفون في عيد ثقافي، يتبادلون الحوارات ليس فقط في الندوات ولكن في المقهي الثقافي، أو أروقة دور النشر. سمير الشاهد مدير مبيعات دار ابن سينا للنشر يقول: إن المعرض هذا العام لا يختلف كثيرا عن السنوات الأخيرة، فالحضور ليس بالمستوي الكافي لتغطية النفقات التي ندفعها للعرض في الأجنحة والجمهور في هذه الفترة من العام نعرف أن الجو البارد في شهر يناير يمنع الكثيرين من الحضور، وهذا ما حدث في أول وثاني يوم كانت العاصفة الترابية سببا في عدم حضور الكثير من الجماهير، ويتساءل لماذا لا يكون المعرض في فصل الصيف، حيث الإجازة وحرية الحركة أكثر، ولماذا لم يتم تقديم المعرض هذا العام طالما أن العيد قادم ومعروف أنه سيجعل فترة العرض بسيطة، وهذا بالطبع يؤثر علينا ولا يعطي الفرصة للجمهور للحضور المكثف.. وأعتقد أن الظروف الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الجميع واقتراب العيد فمن يملك جنيها سيوفره للضحية ولم يشتر كتابا. ومن كان يشتري كتابين أو ثلاثة سيشتري واحدا فقط أو يأتي للفرجة فقط دون أن يشتري. أما مدير المبيعات في دار الشروق، فيري أن التنظيم هذا العام لم يأخذ في الاعتبار عدة ظروف أهمها اقتراب فترة العيد والتي تجعل القارئ والمتفرج مقبلا علي الشراء بحذر لأنه يدخر ما لديه للعيد والأضحية.. وأيضا قصر فترة المعرض وجعلها 9 أيام فقط جعل هذا إقبال الناس علي المعرض محدودا علي الرغم أنه يتيح للشباب المجيء للمعرض بعد الانتهاء من فترة الامتحانات والدخول في الإجازة.. وأما عن أهم الإصدارات وأكثرها توزيعا فكانت لكبار الكتاب والمفكرين والتي تهتم دار الشروق بنشر كتبهم مثل محمد حسنين هيكل ود. عبدالوهاب المسيري والمستشار طارق البشري، وكذلك الكتب الدينية مثل أحمد بهجت وكتب الإمام محمد الغزالي. أشرف حافظ مدير المبيعات في دار "سفير" يقول: إن أهم الإصدارات كانت الاسطوانات "السيديهات" التي تشمل مجموعة تخص رياض الأطفال وتربية الطفل وتقبل عليها الأمهات والآباء وكذلك ما يهم الأطفال الكتب المصورة، والتي تحكي لهم بعض المغامرات وكتب الخيال العلمي وأيضا التبسيط العلمي لبعض الاختراعات والأجهزة العلمية.. وبالنسبة للمعرض هذا العام فاللأسف هناك مشاكل عديدة تساهم في عدم نجاحه منها تخفيض مدته إلي أقل من أسبوعين قلما كان يحدث في الماضي، وهذا بسبب العيد وهو ما جعل الاتجاه إلي مد فترته إلي أسبوع آخر بعد العيد لتعويض الخسارة التي قد تحصل لدور النشر بسبب هذه الفترة البسيطة. أيمن ندا المدير العام لمكتبة "جرير" في مصر يقول: أظن أن المعرض هذا العام بكل المقاييس غير مربح لكننا مضطرون للتواجد والبيع.. فالظروف كلها ضد إقامة المعرض في هذا التوقيت بالذات وضد نجاحه.. ويضاف إليها عدم تخفيض الرسوم التي ندفعها مقابل العرض للإدارة علي الرغم أن هناك شكوي في محل عام من زيادة هذه المصروفات ولا يوجد في المعرض كنشاط ثقافي لا يتكرر توجد فيه أنشطة مختلفة ما يجذب الجمهور، فالمفروض أنه ليس لمجرد شراء بيع الكتب فقط، لكنه أيضا فسحة وفرصة للخروج وتغيير الجو سواء للطلبة الذين انتهوا من الامتحانات أو غيرهم من الجمهور العادي.. وأعتقد أنهم ينوون تمديد المعرض لمدة أسبوع بعد العيد لتعويض قصر فترة العرض، وهذا سيفيدنا كثيرا وهي فكرة جيدة، إدارة المعرض عملت استفتاء عليها بين دور النشر وأجمعنا عليها ونريد أن تنفذ بعد العيد. المثقفون أيضا أعلنوا خيبة أملهم في المعرض هذا العام، من حيث التوقيت والظروف التي أحاطت به. الناقد د. عبدالغفار مكاوي يعترض علي ما يدور في المعرض قائلا: أنا لا أذهب إلي المعرض لأنه لا يدعونني ولا أحد يهتم لحضوري لذلك أقاطعه.. علي مدار دوراته المتتالية التي تجاوزت الخمسة والثلاثين تجد الأسماء الموجودة هي التي كانت موجودة في كل مرة.. تتكرر باستمرار لأنها تخدم اتجاهات وأفكارا معينة.. مرة واحدة التي تم دعوتي فيها لندوة لم تكن تتصل بتخصصي فلم أحضر.. هذا علي الرغم أن معرض الكتاب حفل ثقافي عالمي يجب الاهتمام به والتنظيم له بصورة أفضل من هذا حتي يظهر بالصورة الجيدة التي نتمناها جميعا. أما الشاعر سمير الفيل فيعلق علي نشاط المعرض قائلا: إن الظروف الاقتصادية أثرت بشكل عام علي الحضور الجماهيري والمشاركة في فاعليات المعرض، فهناك عزوف عن الحضور للمعرض كان سببه أيضا الظروف الجوية، وبالتالي فالحضور الثقافي للندوات والمقاهي الثقافية هذا العام أقل من الأعوام الماضية، لأن أية ندوة هي عبارة عن مبدع وناقد ومتلق وهو الجمهور، وعند غياب الجمهور يشعر المبدع وكذلك الناقد بشيء من الإحباط مع أن المعرض فرصة من أكبر الفرص التي قد لا تتاح طوال العام لعرض وتحليل المنتج الثقافي وتعريف عدد أكبر من الجمهور به.. وإذا كان هناك كما رأيت بعض الندوات ناجحة فهذا يرجع إلي حسن اختيار الناقد الذي يتناول العمل الإبداعي، وهو ما يجذب الجمهور ويجعله يختار ندوة علي ندوة أخري.. وأحيانا نلاحظ كثرة الندوات في برنامج اليوم الواحد، بما لا يتيح فرصة للجمهور بالمداخلات الكافية لاستيضاح وجهة نظر المبدع، وكذلك الناقد ففي الغالب يكتفي برأي أو اثنين بعد كلام وشرح الكاتب والناقد في كل ندوة.. والأفضل أن تقل الندوات اليومية في مقابل زيادة الفترة الزمنية لكل ندوة.. ومن ميزات دورة هذا العام المزج بين الأجيال المختلفة فنجد ندوات للشباب الذين ينشرون لأول مرة وآخرون عندهم شيء من الخبرة كذلك إتاحة الفرصة للأقاليم وأدباء الأقاليم.. وأري أنه يجب الاهتمام بالتنظيم والإدارة للمعرض، فالكثير من الأسماء لا تحضر إلي معرض الكتاب وهذا لتجاهلهم وعدم دعوتهم.. ومن الضروري الاهتمام والتعريف في كل ندوة بالمشاركين فيها سواء المبدعين أو النقاد لأن هذا يجعل العملية صعبة علي المتلقي الذي يحضر ويسمع دون أن يعرف معلومات كافية عن المشاركين في الندوة. الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا يري: أن قصر فترة المعرض علي أسبوع واحد أثر بالسلب علي نشاط المعرض وفاعلياته، فبجانب نشاط المعرض المخصص لبيع وشراء الكتب نجد ما يوازيه من نشاط ثقافي متمثل في الندوات واللقاءات التي كان من الضروري إتاحة الفرصة فيها للجميع للمشاركة والاستفادة سواء من الكتاب والمبدعين أو المتلقي من الجمهور، لكن الفترة البسيطة للمعرض أعتقد أنها ستنعكس علي أداء المعرض هذا العام، رغم أنه لا يوجد سبب معلن لجعل هذه الفترة قصيرة.. ولأن المعرض كما كان في كل سنة يحتفي بالكتاب والمبدعين والنقاد من كل الأجيال والمراحل والمدارس الأدبية فهذا سيؤدي إلي دعوة عدد أقل من المبدعين لأن عدد الندوات سيصبح أقل، ومن ثم فالجمهور المتلقي سيحرم من وجبات ثقافية قلما سيجدها في أي مكان آخر طوال العام، وهو ما يسمح أيضا بعدم التعريف بالكثير من الأصوات الشابة التي تستحق الظهور ومن حقها أن تأخذ فرصتها. وأري أن ندوات المعرض التي يطلق عليها الندوات الفكرية تقع في مأزق شديد، وهو أنه دائما ما تأخذ الشكل والطابع الإعلامي والدعائي بعيدا عن المضمون الجيد الذي من الواجب طرحه في كل ندوة علي عكس ما يوجد ويحدث في الخيم والمقاهي الثقافية.. فيها فاعلية أكثر وحضورا للاستفادة وليس للدعاية.. والضيوف في تلك الندوات الفكرية تستقطب أسماء بعينها تتكرر باستمرار هي أسماء إعلامية لا تضيف الكثير أو الجديد، وهذا خلل تقع فيه إدارة المعرض في كل عام.. يجب التجديد في اختيار الأسماء والاتجاهات الثقافية ومزج كل الآراء.. والمعرض محلك سر، وأكاد أجزم أن المحاور التي يطرحها المعرض هذا العام هي نفسها التي كانت مطروحة في الأعوام السابقة.. كان من الواجب علي المعرض أن يناقش أطروحات ثقافية وفكرية معاصرة سواء علي المستويين العالمي والداخلي، لكن هناك غيابا واضحا وقد يكون متعمدا عن الواقع المحيط بنا، خاصة ونحن نمر بظروف عالمية صعبة لم يكن لنا أن نتجاهلها في نشاط كهذا.