يعيش ويعمل من منطلق الانتماء، من أول الانتماء للذات وللأسرة وللعمل حتي الانتماء للوطن، وفقدان هذا المعني لا يجعل قيمة لأي شئ في الحياة رغم أنني كنت من المدافعين عن شباب "الفيس بوك" وعلي رأسهم فتاة الفيس بوك إسراء عبد الفتاح، إلا إنني أعود اليوم لأتوقف أمام مسألة خطيرة للغاية اخشي أن يكون لها تأثير سلبي علي كثير من الشباب بدأت تتزايد في طرحها بين شباب الفيس بوك فيما يتعلق بثقافة حب الوطن إن جاز التعبير. حب المصريين لمصر اختلف كثيرا عما كان في السابق، زمان كان الشعراء يتسابقون علي كتابة الشعر في مصر، وحتي أن نقم عليها بعضهم كان شعره قاسيا ولكن من قلب الحب مثلما كتب عمنا صلاح جاهين "والعن أبوها بعشق زي الداء"، ولكن المشهد اختلف الآن تماما. زمان قال الزعيم مصطفي كامل "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا" أما الآن فحب مصر والانتماء لها أصبح مختلفا لدرجة أن هناك مجموعة "جروب" علي الفيس بوك أطلق رؤية مختلفة تقول "لو لم أكن مصري يبقي قشطة أوي". المسألة ليست مجرد مجموعة من الشباب أطلقوا رؤية أو قالوا تصورا جديدا، ولكن الأمر في مضمونه يحمل تغيرا مخيفا وخطيرا، حول فكرة الانتماء وحب الوطن، فكل المصريين من المفترض أنهم يحبون مصر بالفطرة، مهما قست عليهم الظروف، ومهما ارتفعت الأسعار وزاد سعر البنزين والسولار، ومهما ارتفع سعر الاسمنت والحديد أو تم إلغاء الإعفاءات الضريبية علي المدارس والجامعات، ومهما زاد الطغيان والفساد، ومهما بذلت حكومة الدكتور نظيف جهودها لتدمير الطبقة الوسطي وتحويل الشعب المصري كله إلي شعب من الفقراء. هذا التحول في مفهوم حب الوطن يحمل تخوفات كثيرة علي غرار كتاب "مصر مش أمي دي مرات أبويا"، هناك تخوفات علي مستقبل هذا الوطن من أجياله الحالية والقادمة، والتي لم يعد يجمعها أكثر من التشجيع في مباراة لكرة القدم مثلما حدث في كأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي شعرنا فيها بوحدة حقيقية لهذا الشعب وحبا كبيرا لهذا الوطن، ولكن للأسف ليس لأكثر من مباراة كرة. مستقبل مصر يبدو انه أصبح مهددا بمخطط عدم الانتماء، لان الانتماء هو الذي دفع الشعب للدفاع عن أرضه وتحريرها من العدو في حرب 73، والذي يدفع الناس للتضحية بالغالي والثمين من اجل الوطن، وعدم الانتماء هو مرض يشبه في تأثيره مرض السرطان، لان عدم الانتماء يفقد الإنسان الإحساس بكل شئ وأي شئ، لان الإنسان يعيش ويعمل من منطلق الانتماء، من أول الانتماء للذات وللأسرة وللعمل حتي الانتماء للوطن، وفقدان هذا المعني لا يجعل قيمة لأي شئ في الحياة، ولا للحياة نفسها، فإن لم تعش منتميا لفكرة أو مبدأ أو قضية، حتي وان كانت مجرد الحصول علي أرغفة خبز لأبنائك، لا تكون هناك قيمة لحياتك. هناك مفهوم خاطئ لدي أولئك الشباب أصحاب نظرية عدم الانتماء، لأنهم يخلطون بين النظام والحكومة اللذين حولا اغلب الشعب المصري إلي فئة من المشردين الباحثين عن الطعام لسد احتياجاتهم واحتياجات أسرهم، الذين يتعذبون من أول الحصول علي رغيف خبز، وحتي في المواصلات مرورا بكل شئ، حتي لا يستطيعوا المشاركة في العمل السياسي والتفكير في مستقبل هذا الوطن، وبين مصر البلد الأرض والتراب التي ولدنا علي أرضها وأكلنا وتربينا من خيرها، والتي لن يعرف قيمتها الحقيقية إلا كل من فرضت عليه الظروف أن يلجأ للاغتراب فلا يشعر بأي أمان أو سعادة ويظل يساوره الحنين للوطن، والعودة إليه مهما طال به الزمان، حتي وان كان إلي مثواه الأخير. نحن نطالب بالحرية والديمقراطية، ونطالب بمحاربة الفساد والمفسدين ونسعي لدفع الشباب إلي المشاركة السياسية والمجتمعية خوفا من وقوعهم في قبضة الإرهاب والظلام، ونطالب بتركهم يحلمون ويعملون دون أن نحطم طموحاتهم ونوأد أحلامهم الخضراء وسط حالة الإحباط واليأس التي اصابت كل شئ في مصر حتي الجماد، ونسعي لتحريرهم من كثير من القيود التي فرضت علينا في ظل المتغيرات الكثيرة والانقلابية التي طغت علي هذا العصر، ولكن نحن أيضا علينا إيقاظ هذا الشباب من غفلته إذا أخذته العزة بالإثم فيما يفعل، فان كنا نناصره في حقوقه فعلينا أن نحذره ونرده عن أخطائه، خاصة ان كانت أخطاء لا تغتفر فالحرية التي نطالب بها من اجل تحرير هذا الوطن من الفساد والاستبداد، وليس من اجل هتك عرضه ومحاولة تشويهه، علي الشباب أن يعي قيمة هذا الوطن وقدره، ويفرق كثيرا بين مصر الأرض، ومصر الحكومة، لان مستقبل هذا الوطن مرتبط بشبابه فان فقد هذا الشباب الانتماء فعلي الوطن السلام.