لم يعد ينكر أحد مدي تأثير وأهمية "الفيس بوك" سواء كان من رواده أو لم يكن... "الفيس بوك" رغم حداثته إلا أن تأثيره بدا جارفا لكل المعايير والمقاييس والغرابة في الأمر أن هذا المجتمع الجديد أصبح يمثل وضعه في الحياة السياسية المصرية كوضع الكواكب الأخري ورواده كأنهم كائنات فضائية. أصبح مجتمع الفيس بوك مثل بلاد العجائب والغرائب ومثل بيت الرعب في الملاهي هذه الأوصاف الرهيبة تنطبق علي ما يكتب عن الفيس بوك وجروباته وأيضا ما سمعته ونحن مشدوهون وكأننا نسمع خيالات لكن عندما تلتقي أو تعرف أن رواده هم مجموعة من الشباب بعضهم من المراهقين وغالبا ليسوا من المثقفين تندهش كثيرا لهذا التأثير الذي أصبح عليه الفيس بوك. أيقنت هذه الحقيقة وأنا أتابع فتاة الفيس بوك إسراء عبدالفتاح التي قضت حبيسة 18 يوما قبل الإفراج عنها حسبما قيل بقرار إنساني رغم أن اعتقالها لم يكن بقرار إنساني، فلم أجد زعيمة مناضلة أو سياسية بارعة أو قائدة لأحد التنظيمات العمالية أو حتي حنجوريات الشعارات المعتادة. وجدت إسراء فتاة عادية طيبة وربما لحد السذاجة كل قضيتها أنها كانت ربما تلهو علي الإنترنت فأتتها رسالة حول إضراب 6 أبريل فأرسلتها لأصدقائها علي الفيس بوك الذين قد لا تعرفهم شخصيا وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة وربما يكون همها الأول إيجاد العريس المناسب. هذا لا يقلل من شأن الفتاة ولكن متابعة الأحداث حول إسراء كما هو معتاد مع مصر أي زعيمة من منطلق تضخيم الأشياء فعندما اعتقلت وتم حبسها تابعنا الصحف وكأنها تتحدث عن بي نظير بوتو وتاريخها النضالي. وأصبحت إسراء تحتل مانشيتات الصحف خاصة المستقلة والكل ينادي بالروح بالدم نفديكي يا إسراء ولا أعلم إن كان أحد طالب بإطلاق اسمها علي أحد الميادين أو الشوارع المهمة مثل زعماء مصر التاريخيين أم لا وظل الجميع يتابعون موقف إسراء لحظة بلحظة وتنسج الحكايات والأساطير. وعندما خرجت إسراء وجد الكثيرون وأغلبهم لا يعرف إسراء أنها فتاة عادية جدا مثل معظم البنات المصريات في عمرها وعندما شكرت إسراء وزير الداخلية علي موقفه الإنساني بالإفراج عنها تحولت من منظور البعض إلي خائنة وعادت الأقاويل لتزيد من حولها ولكن علي محور معاكس بأنها خضعت للضغوط وعقدت صفقة مع الأمن حتي يتم إطلاق سراحها وأمور كثيرة من هذا القبيل وكأن إسراء خانت القضية وتركت إخوانها المناضلين في العراء. في الحقيقة أن الأمور ليست كذلك ولا يمكن أن يكون ذلك منظور الأشياء أما التضخيم أو التعظيم بلا مبرر أو التخوين يجب أن توضع الأمور في نصابها الطبيعي لقد سئمنا وتعبنا من مثل هذه الممارسات التي تزيد من احتقان أو إحباط المجتمع بدون أي مبرر وبلا أسباب. يا ناس الشباب هربوا من الواقع السياسي الفاسد علي الأرض بعد أن أصبحت كل الأمور محبطة ولا جدوي من أي إصلاح فلا أذن تسمع ولاعين تري لم يعد هناك أي أمل لهؤلاء الشباب في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي ما بين أوضاع اقتصادية منهارة وأحوال سياسية محاصرة وبطالة وغلاء وفساد. الشباب هربوا من الواقع المرير بأحلامهم وآمالهم إلي مجتمع الخلاء وهو مجتمع الفيس بوك ليقولوا ما يشاءون ويحلمون بما فشلوا في تحقيقه فلم نتركهم لأحلامهم وآمالهم ولكننا ذهبنا وراءهم لنزيدهم إحباطا ويأسا لنطاردهم في أفكارهم ونحاسبهم علي أحلامهم فهم تركوا لنا الواقع ونحن لم نترك لهم مجرد الأحلام. ارحموا الشباب واتركوهم وسط هذه المفاسد متمسكين بأحلامهم وطموحاتهم وإن لم تتحقق لأن وضعهم في خانة الإحباط واليأس من كل شيء حتي مجرد الأحلام لهو من الكبائر والله أعلم... لأن هذه الطاقة الشبابية إن وجهت لأمور أخري فإن المخاطر والنتائج لا يعلمها إلا الله وعلينا أن نتركهم وشأنهم فهم يفتحون بابا ويبحثون عن أي شعاع ضوء حتي لو كان وهميا وسط كل الأبواب المغلقة والظلام الدامس. الشباب تحولوا إلي ثقافات جديدة ومجتمع أوسع وبدلا من أن يتباهوا بانتمائهم ما بين أهلاوي وزملكاوي وإسماعيلاوي تحولوا إلي انتماء جديد تماما هو "فيس بكاوي".