اطالب بأن ينهض التأمين الصحي ويتطور ويكون بديلا لكثير من الجهات والهيئات التي تثقل كاهل المواطن بالأعباء لن أتحدث عن ارتفاع أسعار الدواء، فقد أصبح الحديث عن الغلاء وجنون الأسعار أمرا مكررا ومملا بل إن الناس قد أصابها اليأس من التصدي لهذا الغلو الذي لم تعد مواردهم كافية لمواجهة شراسته... وإذا توقفنا عند قطاع الدواء فإن مشكلة ارتفاع أسعاره قد تهون أمام مشكلات أخري خطيرة وسلبيات عديدة يأتي في مقدمتها مصانع ( بير السلم ) التي تنتج أدوية من مواد تؤدي إلي تفاقم المرض بدلا من أن تعمل علي علاجه والشفاء منه، والغريب أن كثيرا من الصيدليات تبيع لعملائها هذه الأدوية المغشوشة وهي تعلم أنها مزيفة وأن مصادرها (بير السلم) ، وفي غياب الرقابة تحدث كل الكوارث، وترتكب أبشع الجرائم ويقع آلاف الضحايا فريسة للجشع وانعدام الضمير.. ولأن كثيراً من أصحاب الصيدليات هم من ذوي الأصوات العالية فإن تصديهم لأي محاولة للرقابة يحدث ضجيجا عاليا، وعلي موضة هذه الأيام يسيرون في اتجاه التهديد بالاعتصام والتظاهر والتوقف عن العمل.. وليست الصيدليات الخاصة وحدها هي المسئولة عن حالة التسيب والانفلات ، بل إن العديد من المستشفيات الخاصة يلجأ إلي صرف الدواء غير المسجل مثلما حدث مؤخرا في مستشفي دار الفؤاد حسبما ذكر الزميل عبد العظيم درويش في مقاله بالأهرام تحت عنوان (الفؤاد وما يريد) .. وهنا أتساءل إذا كان هذا هو ما يحدث في مستشفي كبير يملك وزير الصحة نصيبا كبيراً من أسهمه فما بالنا بمستشفيات أخري ؟ ويستطيع من يطالع الصحف كل يوم أن يلمس حجم المآسي والأحزان التي يعاني منها الكثيرون من كوارث الأدوية المغشوشة ، بينما صانعوها يرتعون دون حساب اللهم إلا بعض الإجراءات البوليسية المحدودة التي غالبا ما تكتفي بإغلاق (بير السلم) أو أوكار صناعة هذه الأدوية .. وهنا نطالب بتغليظ العقوبة علي مثل هذه الجريمة البشعة التي يشارك في ارتكابها أشخاص معدومو الضمير وصيادلة جشعون يروجونها باعتبارها أدوية أصلية، وبين هؤلاء وهؤلاء يدفع الضحايا الثمن.. وإذا انتقلنا من دائرة الغش في الدواء تواجهنا قضية نقص أعداد كبيرة من الأدوية الحيوية لكثير من الأمراض الواسعة الانتشار مثل السكر والضغط والقلب وغيرها.. ودون أن أشكك في مستوي صناعة الأدوية المصرية التي خطت خطوات واسعة في طريق التميز، لكن هناك من يقول إن بعض الأدوية.. خاصة الفيتامينات والمعادن والمضادات الحيوية تنقصها بعض العناصر الهامة في تركيبتها وهو أمر بالغ الخطورة ويتسبب في فقد الثقة في الدواء المصري، وهذه قضية تحتاج إلي مزيد من التوقف عندها والدعوة إلي تشديد الرقابة عليها خاصة وأن كثيراً من الأطباء أصبحوا ينصحون مرضاهم بأدوية أجنبية رغم أن لها مثيلاً مصرياً. وبين ارتفاع أسعار الأدوية وتفاقم تكاليف البحث عن العلاج بداية من الكشف عند الأطباء الذي تجاوز كل الحدود إلي تكاليف الأشعات والتحاليل والعمليات الجراحية والإقامة في المستشفيات ، يصبح التأمين الصحي هو الحلم ولكن هذا الحلم بوضعه الحالي المترهل يتحول إلي كابوس.. من هنا نطالب بأن ينهض التأمين الصحي ويتطور ويكون بديلا لكثير من الجهات والهيئات التي تثقل كاهل المواطن بالأعباء، وبالمناسبة فإني أتساءل: لماذا تراجعت كل التصريحات التي ملأت الصحف قبل عدة أشهر عن تطوير التأمين الصحي وعلاج سلبياته والنهوض به إلي مستوي يتفق مع اسمه وأهدافه، فالواقع المعاش يؤكد أنه لا هو تأمين ولا هو صحي!!