فى حلقة «الخميس» الفائت من سلسلة «تجربة حياة» للأستاذ محمد حسنين هيكل على قناة «الجزيرة»، فجر الأستاذ قنبلة من العيار الثقيل جداً حيث يكفى إلقاء نظرة على واقع العالم العربى لرؤية تأثيراتها وتداعيات انفجارها، وامتداد هذه التداعيات.. كشف الأستاذ عن اتفاق أو توافق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل بضرورة التخلص من جمال عبدالناصر لأن وجوده يُشكل خطراً على المشروع «الأمريكى - الصهيونى» للسيطرة على الوطن العربى، فهزيمة يونيو 1967 العسكرية الأليمة لم تنل من شعبية الرجل الجارفة، وبدا القائد «المهزوم» منتصراً وبدت إسرائيل «المنتصرة؟» مهزومة.. إذن وباعتراف أعداء الأمة العربية فإن العقبة أمام تحقيق المخطط الشيطانى هى جمال عبدالناصر.. وقد أعادنى للمرحلة حديث الأستاذ الذى يؤكد كل كلمة ينطق بها بالوثائق والمستندات والأدلة.. وبصدد هذا المخطط فقد رجع إلى تفريغ تسجيل صوتى لحديث هاتفى بين السفير الأمريكى فى القاهرة والوزير الأمريكى المفوض فى تل أبيب، كان الشريط المسجل إحدى جواهر الكنز الذى نجحت المخابرات المصرية فى الحصول عليه عبر زرع أجهزة تنصت فى السفارة الأمريكيةبالقاهرة فى واحدة من أهم عمليات هذا الجهاز الوطنى العظيم المعروفة باسم «العملية عصفور».. وقد تذكرت بهذه المناسبة لقاء تليفزيونياً أُجرى مع رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير فى ستينيات القرن الماضى أعيد بثه قالت فيه ما معناه، وربما نصًا: لقد تحدثت مع معظم الزعماء العرب وبوسعى التفاوض مع الباقين باستثناء زعيم واحد لا أحب مقابلته أو التحدث إليه وهو جمال عبدالناصر.. وذلك - كما قالت مائير - لأن عبدالناصر يكره فعلاً إسرائيل!! كما أتذكر مساء التاسع من يونيو وكيف كنت أتنقل بين إذاعتى، «صوت أمريكا» و«تل أبيب» وهالنى استخدام الإذاعتين لنفس المفردات «لإقصاء هذا الديكتاتور الذى يجب أن يرحل!» بل خشيت أن أكون أُصبت بلوثة وأنا أتصور أن «المذيع» كان هو نفسه فى المحطتين! وفى ذلك المساء، الذى حاول الأعداء فى الخارج والداخل تصويره على أنه «فورة عاطفية» وليس وعياً شعبياً عظيماً قلت لنفسى - علماً بأننى لم أكن قد أدركت أبعاد دور عبدالناصر بعد - بما أن أعدائى يكرهونه إلى هذا الحد المرعب فهو بالضرورة حبيبى وحبيب الملايين، فى مشهد سجله التاريخ ولم يفتح بعد كل صفحاته.. والغريب أن الذين كانوا يحلمون بطى صفحة عبدالناصر مساء التاسع من يونيو تلقوا صفعة أخرى من الشعب العربى من المحيط إلى الخليج وفى المقدمة شعب مصر، يوم رحيل الزعيم فى جنازة مليونية مهيبة لاتزال حتى اليوم أطول وأكبر جنازة فى التاريخ. المهم أن «قتل» عبدالناصر دفع بالأحداث فى اتجاه المشروع «الأمريكى - الصهيونى»، الذى دافع عنه كثيرون بدعوى «التعقل» مرة و«السلام؟!» مرات و«الاهتمام!!».. بقضايانا.. دولة.. دولة.. فكان التفتيت الذى أصاب حتى فلسطين فانقسمت إلى دويلتين وجار على قدم وساق بين أقباط ومسلمين وشيعة وسُنة إلخ.. فى الوقت الذى بدأ فيه رئيس حكومة «تل أبيب» يتحدث علناً عن «حدود» الدولة اليهودية التى ينوى رسمها؟! وهى على الأغلب.. من الفرات إلى النيل.