ربما تكون إفريقيا من أكثر قارات العالم فقرا، وأضعفها تأثيرا علي الساحة السياسية، وأقلها تمتعا بالأمان .. ولكن حينما يتعلق الأمر بكرة القدم، فإن القارة السمراء تعلن التحدي من خلال كأس الأمم الإفريقية. وتتنافس 16 دولة لمدة ثلاثة أسابيع للحصول علي اللقب المرموق ولإثبات أن إفريقيا تنمو اقتصاديا وسياسيا وأن الفقر الذي عاني منه أبناؤها أمثال ستيفين أبياه قائد غانا وكولو توريه مدافع كوت ديفوار لا يمنعهم من العودة إليها علي الرغم من صراخ واعتراضات أوروبا. فالدولة المضيفة غانا تُصنف دوليا ضمن دول العالم الثالث من حيث معدلات الفقر والجريمة ولكن النسخة رقم 26 من البطولة كانت سببا في نهضة حقيقية في ثلاث مدن بجانب العاصمة أكرا، ما يؤكد أن كأس الأمم الإفريقية أكثر من مجرد بطولة في كرة القدم. فنظرة علي الإصلاحات الشاملة في المرافق من كهرباء واتصالات وإسكان في كوماسي وتامالي وسيكوندي يؤكد أن المنافسات التي تستمر وحتي العاشر من فبراير المقبل كان لها مفعول السحر علي هذه المدن. وقد تكون كأس إفريقيا هي البطولة الأكثر اهتماما بالشعوب في العالم كله، وهي الوحيدة التي تمنح دولا في حجم بوركينا فاسو وأنجولا فرصة استضافة حدث ضخم، يشهد مشاركة نجوم تصل أسعارهم إلي ملايين الدولارات وتنقلها عشرات المحطات التليفزيونية في العالم كله. وبحسب وصف شبكة "سكاي" التليفزيونية البريطانية، فإن كأس الأمم الإفريقية باتت تعادل في القوة والاهتمام نظيرتها في أوروبا، مهد كرة القدم في العالم .. وهو أمر لا يجد ترحيبا كبيرا في القارة العجوز، التي نقلت لعبة كرة القدم إلي المستعمرات الإفريقية في القرن ال19 عبر البحارة والعمال الذين توافدوا عليها. أبناء إفريقيا وفيما تشكو الأندية الأوروبية الكبري، وعلي رأسها الأندية الإنجليزية، من غياب لاعبيها الأفارقة عن المسابقات المحلية طوال فترة البطولة، فإن هؤلاء النجوم الذين باتت أهميتهم تماثل نظراءهم من أوروبا وأمريكا اللاتينية لا يلقون بالا. "تشيلسي هو مهنتي .. ولكن كوت ديفوار هي عشقي الأول" .. هكذا رد ديديه دروجبا علي سؤال حول رؤيته لكل من فريق بلاده القابعة في غرب إفريقيا وناديه اللندني الذي يدفع له عشرات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية أسبوعيا.ولا تختلف نظرة النجوم الأفارقة في العالم كثيرا عن دروجبا، فرمز الكرة الكاميرونية صامويل إيتو، وقائد غانا مايكل إيسين، ونجم مالي فردريك كانوتيه وغيرهم يضحون بمكافآت ضخمة ويخاطرون بإصابات خطيرة من أجل الدفاع عن ألوان بلادهم.وربما يكون الإحساس العميق بالانتماء الذي يكنه نجوم إفريقيا إلي بلادهم هو سلاح القارة في وجه العالم الأول الذي يحاول تشكيل الكرة الإفريقية بما يتوافق مع أنظمتهم بعدما باتت الأندية الأوروبية غير قادرة علي الاستغناء عن لاعبيها السمر.وتناضل إفريقيا أمام مراكز قوي عديدة علي رأسها سيب بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإقامة البطولة في موعدها في يناير كل عامين بدلا من نقلها إلي الصيف أو إقامتها كل أربع سنوات. تنافس شرس ويقع علي عاتق غانا مهمة خاصة، إذ سيكون ما تقدمه من تنظيم وإبهار للعالم تلميحا لما يمكن أن تقدمه القارة بأكملها حينما تستضيف كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا بعد عامين.