"آثار دهشتي البيان الذي اصدرته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بشأن مشروع الحكومة الذي سيقدم إلي الدورة البرلمانية الجديدة بشأن تشريع قانون يحافظ علي حرمة أماكن العبادة.." واعتراض المنظمة أن هذا القانون الذي تسعي الحكومة إلي تمريره يحتوي علي مواد تقيد حق المصريين في التظاهر حسب تعبير المنظمة.. وللعلم فإن القانون المقدم يحظر تنظيم المظاهرات داخل أماكن العبادة أو ساحتها.. وهو الأمر الذي تعتبره المنظمة المصرية لحقوق الإنسان انتهاكات لحرية الرأي والتعبير بصفة عامة والحق في التظاهر والتجمع السلمي بصفة خاصة.. وهي الحقوق المكفولة بمقتضي الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي صدقت عليه الحكومة المصرية وأصبحت نافذة قانوناً.. ولنتريث قليلاً فيما تصورت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن مشروع القرار المقدم هو انتهاك لحرية الرأي وانقضاض علي الدستور. وبداية.. فإن لابد من طرح بعض المواد الدستورية الخاصة بالحريات والحقوق والواجبات للدستور "كتاب الوطن" طالما تتشدق المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بالاحتكام إلي الدستور والمواثيق الدولية، وسنلحظ أن ما انتهت إليه من أن المشروع المقدم الذي يحرم حق المصريين في التظاهر في دور العبادة يتماشي شكلاً ومضموناً مع روح الدستور.. ولكن قبل أن نسرد بعض مواد الدستور لابد من التأكيد- وهو ما اتفق عليه فقهاء القانون والسياسية- من أن ترسيخ دولة المواطنة والدولة المدنية الحديثة ليست فقط دولة حريات العقيدة والدين، ولكنها في المقام الأول دولة سيادة القانون الحامي والمحصن لكافة أشكال حريات التعبير والاعتقاد.. فتقول المادة (5) من الدستور ما يلي نصاً: "يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية علي أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور وينظم القانون الأحزاب السياسية.. وللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقاً للقانون ولا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أية مرجعية دينية أو أساس ديني أو بناءً علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل". ونلحظ هنا أن المشرع قد ذكر تحديداً "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي" فما معني أي نشاط سياسي كما تفهمه المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.. فنص المادة واضح لا لبس فيه. وتقول المادة (40) "المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".. وتقول المادة (46) "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية" وهنا يجب الوقوف علي مغزي كفالة الدولة لحريات العقيدة وحريات ممارسة الشعائر الدينية، ولم تكفل علي الإطلاق حريات العمل السياسي داخل أروقة دور العبادات، فدور العبادات طبقاً للمشرع هي دور لممارسة الشعائر الدينية فقط، وبالتالي فبيان المنظمة يتسم بالإعوجاج والتدليس حيث استند إلي نص المادة 54 التي تقول "للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحاً ودون حاجة إلي إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون". فهذا الاستناد يتسم بالتضليل وتعميم ما ليس بداخل النص، فنص المادة يقول حق الاجتماع الخاص بهدوء، ولم يقل في دور العبادة، حيث كما أشرنا في المادة (46) حدد دور العبادة وكفالة الدولة لحمايتها أثناء ممارسة الشعائر الدينية، وليس علي وجه الإطلاق ممارسة العمل السياسي.. ويقود بيان المنظمة إلي إعوجاج آخر في تفسيرات حقوق الإنسان، فقد استندت إلي نص المادة الثانية من البند الأول من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص علي "أن لكل شخص حرية الاشتراك في الجمعيات". وبالتالي فإذا تم السماح بخروج المظاهرات وتنظيم النشاطات السياسية في دور العبادة ستترسخ في المجتمع قيم التعصب، فالتعصب هو اعتقاد باطل بأن الإنسان يحتكر لنفسه الحقيقة، وأن غيره يفتقد إليها، وأكبر نموذج لهذا النوع من التعصب هو التعصب الديني، ذلك التعصب الذي يغلق أبواب العقل ونوافذه إغلاقاً محكماً حتي لا تنفذ إليه نسمة من الحرية.. ويجتمع التعصب مع المحتوي الاجتماعي لدعاة الظلامية والماضوية ليجعل من الإنسان عدواً لذاته كادحاً بالساعد في حين تمتلئ رأسه بأفكار مستغليه من أصحاب هذه الظلامية.. ظلامية السماح لدور العبادة بممارسة النشاطات السياسية.. ظلامية البيانات التي تنقض علي القانون باسم القانون والحريات بدعوي الحريات والحقوق من منطلق الحفاظ عليها.