ينبغي النظر إلي اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو علي أنه يمثل جريمة رهيبة. فالاغتيال هو أفظع جريمة سياسية يمكن تخيُّلها، لأن القاتل يخرق القواعد الأساسية للمجتمع المدني وأولها تلك القاعدة البسيطة التي تقول: لا تقتل إنساناً آخر. والاغتيال عمل جبان في غالبية الأحوال، يرتكبه شخص عادة ما يهرب بعد ارتكابه الجريمة، واغتيال بينظير بوتو بالذات كان مأساوياً لأن عائلتها تعرضت لمعاناة شديدة تعرض لها عدد كبير نسبياً من الزعماء السياسيين في شبه القارة الهندية، من قبلها. فالمهاتما غاندي اغتيل عام 1948، وأنديرا غاندي اغتيلت عام 1984، وابنها راجيف اغتيل عام 1991، كما اغتيل لياقت خان عام 1951، والشيخ مجيب الرحمن عام 1975، وضياء الرحمن 1981، وأحمد شاه مسعود عام 2001، ولكن تلك الاغتيالات السابقة لا تبرر موت بينظير مع ذلك. ومع ذلك، فإن اغتيال بينظير بوتو، سبب قلقاً عميقاً في واشنطن، وهو ما يرجع لكون الرئيس بوش كان يأمل أن تؤدي عودة بوتو إلي المساعدة في توفير بيئة سياسية مستقرة وإيجابية في باكستان، التي تعتبرها واشنطن دولة ذات أهمية كبيرة لمصالحها القومية. وعلاوة علي ذلك كان بوش يتبني موقفاً قويّاً داعماً لبرويز مشرف علي أمل أن يتمكن الأخير من تقديم المساعدة علي تحسين الوضع في أفغانستان. وبعد اغتيال بوتو ينظر الكثيرون إلي هذا الموقف الداعم من قبل بوش علي أنه كان سبباً في تقويض العملية الديمقراطية في باكستان. فعودة بينظير، وتحديد موعد للانتخابات لم يقدما في الحقيقة سوي أمل محدود لوضع البلاد علي الطريق نحو تحقيق المزيد من الاستقرار.. لم يحدث هذا بالطبع، واختفت بوتو من المسرح، وأصبح مستقبل الاستقرار السياسي لبلدها مغلفاً بالغموض بصورة أكثر مما كان عليه وهي حية. وليس هذا فحسب، بل إننا نجد أيضاً أن الخيارات المتاحة أمام بوش لإثبات أنه يمكن أن يكون مفيداً في الوضع الحالي، قد ضاقت. والخليفة السياسي لبينظير بوتو هو ولدها "بيلاوال" البالغ من العمر 19 عاماً، وغير المعروف في بلاده، والذي ينوي مواصلة دراساته خلال السنوات القليلة القادمة. أما المرشحون الآخرون لمنصب رئيس الحكومة في الوقت الراهن فمنهم رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي لم تكن له في أي وقت من الأوقات علاقات ودية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبينظير بوتو بالذات كانت تبدو مناسبة للغاية في نظر واشنطن، ليس فقط لأنها خريجة هارفارد ولا لأنها كانت تتبني خطاباً ديمقراطياً، ولكن لأنها كانت تدافع بقوة عن السياسات المناوئة للإرهابيين في المنطقة، وهو موقف كان بوش يعجب به بشكل خاص. فعلي رغم أن الرئيس بوش يزعم دائماً أنه يؤيد الديمقراطية في كل مكان، إلا أن ما حدث عندما قام مشرف باللجوء إلي استخدام سياسات داخلية صارمة في إطار الحرب علي الإرهاب هو أن بوش اختار القبول بهذه السياسات، علي رغم أنه لم يقل ذلك صراحة. ومن ضمن السياسات الصارمة التي طبقها مشرف: إعلان حالة الطوارئ التي كانت تعني تعطيل حكم القانون العادي، وفصل القضاة الذي أدي إلي تقويض استقلال المنظومة القضائية في باكستان ودفع المحامين للاحتجاج والتظاهر في الشوارع، وهو ما ساهم كله في جعل الغالبية العظمي من الطبقة المتوسطة تشكك في العملية السياسية، وأضعف ثقة الشعب في الحكومة. إن الرئيس مشرف، فيما يتصل بكل هذه القضايا، مطالب بالبحث عن مخرج من الأزمة الحالية، وهو ما يدفع الكثيرين داخل بلاده وخارجها إلي مراقبته هذه الأيام كي يروا ماذا ستكون خطوته التالية. وبعض رفاق بوتو الحزبيين، يعتبرون جهات رسمية مسؤولة عن موتها، من خلال تعمدها عدم توفير الحماية الأمنية الكافية لها، غير أن هذا الاتهام لم تثبت صحته بعد. بيد أن التغطية علي الحقائق المتعلقة بموتها، حسبما يبدو أمامنا، تضفي مصداقية علي هؤلاء الذين يبحثون عن مؤامرة وراء موتها. البعض يشك في "القاعدة" وغيرها من الجماعات الراديكالية، لأن بوتو كانت تعارض هذه الجماعات بقوة.. بيد أن ما يمكن قوله في هذا السياق هو أنه لا يزال من المبكر للغاية الجزم بالجهة المسؤولة عن اغتيالها، بل وقد لا نتمكن من معرفة هذه الجهة أبداً. غير أنه يمكننا أن نكون موقنين مع ذلك، بأن هذا العمل قد أدي إلي خلق حالة من عدم اليقين في بلد كان استقراره دائماً مهماً لنا جميعاً. ولكن الجناة، وبصرف النظر عن هويتهم، لن يتمكنوا علي الأرجح من تحقيق أهدافهم، لأن القتلة نادراً ما ينجحون في ذلك.