فيما استبعد المدير الاسبق للمخابرات الباكستانية تورط طالبان أو الجماعات الاسلامية الباكستانية في اغتيال بينظير بوتو مرجحا فرضية قيام قوى غربية بتنظيم العملية لزعزعة الاستقرار في بلاده وإيقاف مشروعها النووي، ذهب خبير في الشؤون الباكستانية إلى الاعتقاد بأن جناحا متشددا في الاستخبارات العسكرية مواليا لطالبان وللمدارس الدينية قد يكون وراء الاغتيال انتقاما من تصريحاتها الأخيرة التي هاجمت فيها تلك المدارس والجناح المتطرف في الجيش مهددة بإعادته إلى ثكاناته في حالة توليها السلطة للمرة الثالثة. استبعد الجنرال المتقاعد حميد غول، المدير الاسبق للاستخبارات الباكستانية ISI ، والذي يوصف بأنه قائد عملية تأسيس حركة طالبان أثناء توليه مهمام منصبه، أن تكون حركة طالبان أو تنظيم القاعدة وراء اغتيال بينظير بوتو، مشيرا إلى وجود مصلحة خارجية لدى قوى غربية بالقول إن باكستان غير مستقرة وبالتالي سلاحها النووي موجود بأيد غير أمينة ويجب نزعه. وجهاز ISI هو الجهاز الأمني الرئيسي ويتولى التنسيق بين وكالات الأمن الرئيسية في الباكستان، إضافة إلى أمن البرنامج النووي الباكستاني، وأمن الشخصيات الهامة والحروب السرية في دول أخرى. استبعاد تورط القاعدة وقال الجنرال غول ل"العربية.نت:" لا أوافق على الكلام الذي يشير إلى تورط القاعدة أو طالبان، لأنها لم تقم باي شي ضد هذين الطرفين حتى يوم مصرعها. كما أن طالبان ظهرت خلال ولايتها الثانية وحتى أن أحد وزرائها يقال هؤلاء مثل أولاده، وبالواقع إن الرئيس مشرف هو الذي قتل هؤرلاء وأضر بهم وليس هي ، وإذا أرادوا الانتقام سيكون مشرف هو المستهدف". وأضاف " كانت تلتقي قادة المجاهدين في أفغانستان، وتبنت تلك السياسية، ولم تكن هناك مشكلة بيني وبينها أو بين المجاهدين وبينها، وقد التقتهم في باكستان أيام حكمها، ولاحقا دعمت طالبان". إلا أن الجنرال غول، الذي ترأس الاستخبارت في الفترة الأولى لحكم بوتو، ألمح إلى وجود مصلحة خارجية بالتخلص منها. الملف النووي وأوضح " ثمة مصلحة خارجية وهي أن هناك أطرافا دولية تريد أن تظهر الباكستان أنها دولة لا يمكن إدارتها وفيها صراعات وتوتر، و يتحدثون عن وجود قدرات نووية في أياد غير أمينة وهذا ما تحدثت عنه الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وحتى اسرائيل، وبعد أن يتزعزع الوضع هنا سوف يدعون لضرورة نزع أسلحة الباكستان". وعن مسؤولية مشرف إزاء الجريمة، قال الجنرال غول إنه "مسؤول عن تدهور عن الوضع في البلاد منذ فترة". إلا أنه استطرد قائلا " لفتني ما رأيته على شاشة التلفاز وهو قيام الشرطة بغسيل موقع اغتيال بوتو، وبنظري هذا لا يجوز حتى تأتي الجهات الأمنية وتجمع الأدلة". ومن جانبه، قال الجنرال المتقاعد أسد دوراني، رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية في 1988-1992 إن "قائمة المشتبه بهم طويلة على رأسها طالبان والقاعدة لأن بوتو في الفترات الأخيرة بدأت تحمل طالبان الأوضاع السيئة في أفغانستان.. وهذا ليس اتهاما وإنما فرضيات ". واستبعد دوراني فرضية الجماعات والأحزاب الدينية التي نالت بوتو دعم بعضها.ورفض الجنرال دوراني الاشارة إلى "فرضية تورط مشرف"، إلى أنه لم يستبعد "فرضية الاحزاب السياسية التي تدعمه". اتهام جناح بالاستخبارات من جهته، يعتقد عبدالله الحاج الخبير في الشؤون الباكستانية أن الجناح الموالي لطالبان في المخابرات العسكرية الباكستانية قد يكون وراء عملية الاغتيال، مشيرا إلى أن هذا الجناح الموجود أيضا في جهاز الأمن والجيش حافظ على قوته بعد سقوط طالبان في أفغانستان رغم الضربات التي وجهت للجماعات الدينية وللمدارس التي توفر غطاء فكريا له. وقال الحاج إن بنظير بوتو مارست لعبة الموت منذ عودتها إلى باكستان في اكتوبر الماضي، فقد صرحت بأنها ستعيد الجيش إلى ثكناته، إذا عادت لرئاسة الحكومة، وستخضعه للسلطة المدنية وللدستور، رغم أنها نفسها فشلت في ولايتيها السابقتين في تحقيق ذلك، فقد ظل الجيش هو المسيطر على الشارع الباكستاني وهو القوة الأكبر المؤثرة. ويرى أن هذا التصريح عجل برسم خطة انهاء حياتها، خصوصا أنها هاجمت أيضا المدارس الدينية ووصفتها بأنها تربي المتطرفين الدينيين وتعلمهم صناعة القتل والعمليات الانتحارية والتفجيرات، وتفرخ الارهابيين وتحول الأطفال إلى قتلة باسم الدين والجهاد والاستشهاد، وهو تصريح خطير جدا للقوة والنفوذ والعسكرة التي يتمتع بها التيار الاسلامي الذي يشرف على تلك المدارس مثل الشيخ قاضي حسين أحمد ومولانا فضل الرحمن في كراتشي، حيث كان يوجد معقل بينظير، وأزهر حسين قائد الجيش المحمدي ويشكل قوة كبيرة لا يستهان بها لقيادته ميليشيات مقاتلة تعمل داخل كشمير المتنازع عليها مع الهند، إلى جانب جيش الصحابة، وعشر تنظيمات أخرى أقل مستوى في التنظيم والقوة، وكل هذه التنظيمات مرتبطة فكريا بالمدارس الدينية في باكستان، وجنودها معظمهم من طلبة هذه المدارس، أي أنهم يشكلون الذراع الباكستانية لحركة طالبان. وأضاف أن عملية اغتيال بوتو كانت منسقة ومنظمة بطريقة لا يستطيع القيام بها سوى محترفون لديهم امكانيات الوصول إليها ومراقبة حركتها، وبدا من خلالها أن الجهة التي قامت بها استفادت من الثغرات أفشلت عملية اغتيالها السابقة عند عودتها من دبي في اكتوبر الماضي. وقال الحاج إن هناك جناحا قويا للغاية في المخابرات العسكرية لا يوصف فقط بأنه متعاون مع طالبان، بل هو شريان قوي لا يزال يضخ لها دماء البقاء خصوصا في منطقة القبائل التي يعتقد أنها تحوي أعدادا كبيرة من المتعاطفين مع القاعدة وخريجي المدارس الدينية، وتعرضت خلال الشهور الماضية لحملات مستمرة من الجيش الباكستاني. تصريحات بينظير عن الجيش ويرى عبدالله الحاج أن بينظير لدغت الثعبان، عندما قالت في تصريحاتها الأخيرة إن الجيش يضم ارهابيين، وأن هناك خطة لاعادته إلى الثكنات، فقد كان واضحا أنها تقصد ذلك الجناح المؤيد للمتشددين الدينيين، الأمر الذي أخذه الاسلاميون بمثابة فتيل توشك أن تسحبه بينظير من قنبلة شديدة الانفجار، خصوصا أنها علمانية متأثرة بالحياة الأمريكية، وحزب الشعب الذي تتزعمه وتريد أن تعود به للسلطة هو حزب علماني محسوب على الأمريكان منحاز لأفكارها عقائديا ونفسيا، ومكروه من التيارات الاسلامية المختلفة في باكستان وفي مناطق القبائل. ويشيرعبدالله الحاج في معرض تحليله إلى أن الرئيس الجنرال مشرف عندما كان عميدا في الجيش كان من المتعاطفين مع طالبان، وكان من ضمن الضباط الذين ساهموا في تكوينها وتوصيل المساعدات لها في نشأتها الأولى أثناء حربها للسيطرة على أفغانستان، ولذلك هاجمته بينظير بوتو في تصريحاتها الأخيرة وقالت إنه لم يفعل الشئ الكافي لتحجيم المدارس الدينية، ولم يضع حدا لأنشطة الارهابيين والمتطرفين والمهووسين الدينيين، وأنه تحدث عن اصلاحات في المدارس الدينية ولكنه لم يفعل شيئا. وحسب الحاج فان تصريحات بوتو لا تتفق مع واقع الحال، فالرئيس مشرف تغير تماما بعد أن وافق على ازاحة طالبان استجابة للولايات المتحدةالأمريكية، حرصا على مصالح بلاده، مع أنه حاول فعلا قبل الحرب على أفغانستان تحييد طالبان، وتسليم تنظيم القاعدة، وفشلت هذه المحاولات في اقناع قادة طالبان لأن غطاءهم الفكري في باكستان ممثلا في المدارس الدينية والجماعات الاسلامية كان على خلاف مع مشرف، واعتبره عميلا للمصالح الأمريكية، وقد نجا هو نفسه من ثلاث محاولات اغتيال قيل أن تلك الجماعات وراءها، خصوصا إنها جرت كلها في روالبندي، وهي منطقة داخل اسلام آباد تتمركز فيها المدارس والجماعات الاسلامية المتشددة، بالاضافة إلى وجود قاعدة عسكرية باكستانية وقيادة الجيش، وآخر محاولة اغتيال كانت على جسر روالبندي قبل سنوات. طالبان المستفيدة ويذهب عبدالله الحاج إلى أن ازاحة بوتو بهذه الطريقة الدراماتيكية تشير إلى قوة تيار المدارس الدينية والجماعات المتشددة في باكستان، وأن شوكتها ستزداد أكثر، وستستفيد طالبان من ذلك، خصوصا أن الرئيس مشرف غير قادر على تصفية الأجنحة الموالية لها في المخابرات العسكرية أو العامة وفي الجيش وجهاز الأمن، ولن يحاول أن يقوم بهذه المغامرة حتى بمساعدة الأمريكان، لأن نتائج ذلك ستكون خطيرة جدا على استقرار باكستان كدولة ممتدة تنتشر فيها الجيوب التي يمكن أن يلجأ إليها المتشددون، بالاضافة إلى وجود أرضية لهم في أفغانستان لا تزال متماسكة ولم يستطع كرزاي أو الجيش الأمريكي القضاء عليها. وأضاف أن طالبان استفادت استفادة كبيرة بازاحتها خصما لدودا كان متوقعا أن يتولى السلطة بعد الانتخابات التشريعية في 8 يناير القادم، خصوصا أن مشرف نفسه كان سيتخلى عن دوره السياسي مكتفيا بمسئوليات شرفية كرئيس للجمهورية، وهو أمر لم يتغير بعد غياب بوتو من الساحة السياسية، ولذلك جاء بقائد للجيش موال له، قالت عنه بينظير أنه محترف، وتمنت أن يكون ذلك في اطار مسئوليات الجيش داخل ثكناته، لكن تصريحاتها حملت مضمونا متخوفا من أن يكون ذلك مناورة للابقاء على الجناح الموالي للجماعات الدينية وطالبان ليظل بمثابة صداع في رأسها.