القدس، وموسكو، وباريس، وبيونج يانج، وعواصم أخري، تعمل حساباتها علي الدوام: هل تعقد صفقات مع واشنطن في الوقت الحالي أم تنتظر رحيل هذه الإدارة وتجريب حظها مع رئيس جديد؟ وبدأت فرنسا جهدا طموحا لتقليص الاختلاف عبر التوصل إلي اتفاق نهائي مع بوش حول شروط الالتحاق مجددا بالقيادة العسكرية للناتو، ثم تبني الاتفاق رسميا من قبل الحلف بعد فترة قصيرة من تنصيب خليفة بوش. وسينجز ذلك في قمة بمناسبة الذكري الستين لقيام الناتو، التي من المقرر أن تعقد في ربيع عام 2009 ومن المنتظر أن تستضاف القمة من قبل ألمانياوفرنسا. ومن المفترض أن تجري احتفالات القمة بشكل جزئي في الألزاس واللورين وهي ذات مغزي مهم للفرنسيين كي يفكروا دائما بالإقليم المفقود للألمان عام 1870 بينما عليهم أن يتجنبوا إثارة المشاعر القومية بشكل متطرف. وعقد هذه الاجتماعات علي الأرض الفرنسية هو إنهاء لكل المعارك لا مع الألمان فحسب بل مع الأمريكيين حول انسحاب تشارلس ديغول من الحلف الأطلسي عام 1967 وإغلاق مقره. هذا الجهد يستحق اهتماما أكبر من سعي فرنسا للعودة إلي حلف الأطلسي عام 1996. لكن تلك المفاوضات فشلت لأن بيل كلينتون أعاق الاعتراف بالترتيب السلمي للقيادة في الحلف مثلما طلبت باريس. وهناك كل الإمكانيات والأسباب لتجنب فشل من هذا النوع حاليا. الرئيس نيكولا ساركوزي جعل الانضمام الكامل إلي الناتو جزءا أساسيا في إصلاح شامل للقوات المسلحة الفرنسية، والتي سيتم الكشف عنها في مارس المقبل ضمن تقرير خاص بهذا المجال. وهو سيستخدم إصلاح القوات المسلحة للدفع صوب إعادة توجيه استراتيجي للقدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي وللعلاقات الدفاعية ما بين أوروبا وواشنطن. فبالنسبة لساركوزي ستدور قمة ستراسبورج كولونيا حول المستقبل لا الماضي. يجب أن يعطي تفكير ساركوزي الجديد حول القضايا العسكرية للناتو اتجاها جديدا هو في حاجة شديدة إليه، والتركيز علي لحظة مهمة حينما يتحرك الناتو من كونه منظمة هدفها الدفاع عن الأراضي الأوروبية إلي أخري تتعامل مع التحديات التي تواجه الأمن الدولي والتي تركز علي الشرق الأوسط ووسط آسيا والبلقان وأفريقيا. فمنذ اختفاء التهديد الذي كان وراء تأسيس الناتو الغزو السوفيتي المكثف علي أوروبا الغربية أصبح وجود المنظمة شكليا أكثر منه لردع اعتداء ما أو لخوض حروب بشكل فعال. ومع ما أظهرته الحربان في العراق وأفغانستان فإن نزاعات القرن الواحد والعشرين ستتطلب توسيعا كبيرا للمهارات والمصادر بالنسبة للبلدان المتحالفة سواء كان ذلك بالنسبة للجيوش أو الوكالات المدنية. ويتساوق تشجيع وتمكين أوروبا كي تساهم بشكل أكبر في تلبية هذه المتطلبات مع المصالح القومية للولايات المتحدة وهي أهداف مهمة بالنسبة لبوش. أصبح الوقت والثمن مناسبين لتحقيق الاتفاق الذي يسعي الرئيس الفرنسي إلي طرحه.